في الماضي القريب، كان يقال عن المصورين الفوتوغرافيين انهم أكثر الناس إزعاجاً في الحفلات كما في المهرجانات وشتى أنواع المناسبات، فهم يهجمون على المشهد في البداية والوسط والنهاية مصوبين كاميراتهم الى ما يحدث مديرين ظهورهم الى المتفرجين من عبيد الله الصالحين غير آبهين بأنهم، في ذلك السلوك انما يجعلون من المستحيل على هؤلاء المتفرجين مشاهدة ما يحدث. ومع الوقت والزجر الدائم والصراخ تم في أحيان كثيرة ردع المصورين وتحديد دقائق لهم ينتهون خلالها من التصوير وينسحبون. لكن هذا الردع يبدو أنه لا يسري على مصورين آخرين، هم - ومنذ سنوات - مصورو التلفزة، الذين حلوا بالتدريج مكان زملائهم الفوتوغرافيين، انما بكاميرات ومعدات أثقل، وبأضواء أكثر حضوراً وكثافة، وكذلك بإصرار على الوجود في المشهد في كل لحظة ودقيقة، وليس فقط لتصوير ما يحدث هناك في هذا المشهد، وانما لتصوير الجمهور نفسه هذه المرة مسلطين على عيون أفراده أضواء مزعجة مرعبة لا تخجل حتى من بحلقتها في تلك العيون في لحظات قد يكون المشهد مهماً أو انعطافياً. فأضواء الكاميرات التلفزيونية... لا ترى مهماً إلا حضورها وتجوالها كما تشاء بكل حرية و... صفاقة. فإذا كان في وسع مسؤول ما، أو متفرج ما، أن يردع كاميرا المصور الفوتوغرافي، فمن المؤكد أن الكاميرا التلفزيونية عصية على ذلك... لأنها - هنا - ذات الدلال، طالما ان كل شيء في الحياة الفنية والاجتماعية بات يبدو وكأنه لا يوجد ولا ينظم إلا كي تصوره كاميرات التلفزة. انه أمر يدركه أصحاب هذه الكاميرات ويشعرون بأنهم، بقوته، أنصاف آلهة لا يمكن المس بهم أو زجرهم أو حتى التوسل اليهم كي يرتاحوا ويريحوا قليلاً. وهنا، حتى لو تم ذلك في بعض الأحيان، ما إن ينتهي العرض المباشر أو السينمائي، وما ان يخرج المرء وهو يحاول أن يفكر ويعمل الرأي فيما شاهد، حتى تهجم عليه الكاميرات وأضواؤها مجدداً لتمطر عليه أسئلة وإحراجاً، غير عابئة بهمومه أو رغبته في الفرار سريعاً من المكان... نقول هذا الكلام ونحن واثقون تقريباً، من أن هذه المعضلة لا حلّ لها، طالما أن وجود التلفزة صار هو الأساس في كل مكان، وطالما ان ليس ثمة ما قد يشبه الميثاق المهني الأخلاقي الذي يحمي الناس من هذه العدوانية التي من المؤكد أن الشاكين منها، مثلنا، يشكلون أقلية الأقلية.