الإنسان الفلسطيني أولويات سعودية    «مصائد الموت» تفتك بسكان غزة    هاتريك رونالدو يقود النصر للفوز على ريو آفي برباعية ودياً    ريال مدريد يواصل مقاطعته لحفل الكرة الذهبية    الدشيشي: تميز الهلال جعل العالم ينظر للكرة السعودية بإبهار وذهول    مفاجأة في خطبة الجمعة    سبعة آلاف خطوة تعزز الصحة    أمريكا ترحب بقرار حكومة لبنان تكليف الجيش بحصر السلاح بيد الدولة    بهدف تطوير الخدمات الرقمية وتعزيز جودة الحياة.. أمانة منطقة عسير توقّع مذكرة تفاهم مع "بلدي" بحضور وزير البلديات والإسكان    أمانة منطقة عسير توقّع اتفاقية تعاون مع جامعة الملك خالد بحضور وزير البلديات والإسكان    جمعية التوفيق للأيتام تنظم حفل تعارف للأيتام    نائب وزير الحرس الوطني يطلع على برامج الإرشاد والتوجيه لتعزيز الوعي الديني والفكري    ضبط (3) يمنيين في عسير لتهريبهم (43,905) أقراص خاضعة لتنظيم التداول الطبي    تحت رعاية خادم الحرمين.. مسابقة الملك عبدالعزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم تنطلق بعد غدٍ بمكة    بنك إنكلترا يخفض الفائدة لدعم الاقتصاد    غداً.. انطلاق منافسات بطولة الماسترز للسنوكر بمشاركة نخبة لاعبي العالم    رئيس وزراء موريتانيا يغادر المدينة المنورة    أمير منطقة جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأهالي محافظة الدرب    أمير جازان يستقبل سفير جمهورية مالطا لدى المملكة    NHC تُعلن اكتمال حجز المرحلة الأولى من مشروع "ترف" خلال أقل من 24 ساعة وتُطلق المرحلة الثانية    أمانة القصيم تعرّف بمهام استوديو التصميم المعماري ودوره في إثراء التصاميم المحلية    «تصميم الحياة»... خارطة طريق لتفادي التيه الذهني والمهني    تشكيل الهلال المتوقع بعد وصول نونيز    النصر يضع عينه على لاعب برينتفورد    موسكو تدرس تقديم تنازلات لترمب بشأن أوكرانيا    التخصصي" يحصد اعتماد "المركز الأمريكي لاعتماد التمريض" لبرامج التعليم التمريضي المهني المستمر    إيران تعدم مواطنا أدين بالتجسس للموساد    إحباط خطة لتفجير كنيسة في طرطوس    نتائج متقدمة ل"الموارد البشرية" في مؤشر نضج التجربة الرقمية للعام 2025    مؤسسة جائزة المدينة المنورة تعلن عن انطلاق جائزة فنون المدينة في دورتها الأولى    59% من منشآت القطاع الخاص دربت موظفيها على الحاسب    المجلس الاستشاري لمركز صحي المرابي يناقش احتياجات الأهالي مع تجمع جازان الصحي لتعزيز الخدمات الطبية    ديوان المظالم يعلن فتح باب التقديم على التدريب التعاوني    رياح نشطة على معظم مناطق المملكة وامطار على الجنوب    تفاهم بين الرياض وبغداد لمكافحة الإتجار بالمخدرات    وسط معارك متواصلة وتدهور إنساني حاد.. البرهان يتعهد بتحرير كل أراضي السودان    بدء جلسات محاكمة قاتل القاسم.. ووزير الحج ينعيه    تتصدرها الفلل والشقق.. 5.4 مليار ريال تمويلات سكنية    فتح باب التقديم لدعم المشاريع السينمائية    2 مليون دولار لتأمين «ابتسامة» نجمة هوليود    تطبيق إلزامي لكود البنية التحتية بمنطقة الرياض    احتفال الفرا وعمران    فيصل بن مشعل يدشن مركز الملك عبدالعزيز للمؤتمرات بجامعة القصيم    البدير في ماليزيا لتعزيز رسالة التسامح والاعتدال    أم ومعلمة تقتحمان مدرسة لسرقة «امتحانات»    في ذمة الله    إنجاز طبي في الأحساء.. زراعة منظم ضربات قلب لاسلكي لمريض    فريق سفراء الإعلام والتطوع" يزور مركز هيئة التراث بجازان    مفردات من قلب الجنوب 9    النائب العام يستقبل سفير جمهورية مصر لدى المملكة    5 جوانب أكاديمية ونفسية في التقويم الدراسي    وزير الدفاع يبحث مع نظيره الأمريكي تطوير الشراكة الإستراتيجية    الأمير فهد بن سلطان يطلع على نتائج القبول بجامعة تبوك.    مركزي جازان ينجح في إزالة ثلاث عقد في الغدة الدرقية الحميدة بالتردد الحراري دون تدخل جراحي    محافظ تيماء يستقبل مدير عام فرع الرئاسة العامة لهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة تبوك    تمكين المواطن ورفاهيته بؤرة اهتمام القيادة    نائب أمير الرياض يؤدي الصلاة على والدة جواهر بنت مساعد    مستشفى د. سليمان فقيه بجدة يحصد اعتماد 14 مركز تميّز طبي من SRC    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



روسيا «الموجودة دائماً» تعود الى الشرق الأوسط عبر سورية
نشر في الحياة يوم 12 - 06 - 2010

في مناسبة زيارة الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف الى سورية وتركيا في بداية الشهر الماضي، سأل مراقبون ومحللون: هل عادت روسيا الى منطقة الشرق الأوسط؟
ما يمكن قوله ان روسيا «الموجودة دائماً» في الشرق الأوسط تريد عودة جديدة بناء على ارثها «السوفياتي» القوي في المنطقة. لقد طرقت دول عدة أبواب موسكو مرات في العقدين الماضيين، لتشجيع روسيا على لعب دور في المشهد الدولي وملفاته الشرق أوسطية. دور كان يلعبه الاتحاد السوفياتي لبضعة عقود ما خلق نوعاً من التوازن في الشرق الأوسط وكابحاً للاندفاع الأميركي ومنعكسات الانفرادية في المنطقة.
كانت موسكو في العقدين الماضيين مشغولة بهمومها وإعادة ترتيب أوراقها بعد غياب الشمس عن إمبراطوريتها السوفياتية. ولم تنجح روسيا في السنوات الماضية في محاولاتها. كلما أعلنت نيتها استعراض عضلاتها اصطدمت بأحادية القطب الأميركي الذي تشكل بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتفكك فلكه. كان النفوذ الأميركي يتقدم في الشرق الأوسط ومحيط روسيا الحيوي مقابل تراجع نفوذ موسكو في كل ملف. بدءاً من عملية السلام، حيث تشارك مع واشنطن في رعايتها، خلال عقد التسعينات، مروراً بالحرب الأميركية على العراق في 2003 وانتهاء بعدم قدرة موسكو على تنظيم مؤتمر متابعة للاجتماع الدولي الذي عقد في انابوليس في نهاية 2007.
تدل زيارتا ميدفيديف الى أنقرة ودمشق الى ان روسيا بدأت تنظر الى نفسها بطريقة مختلفة. انتهت من ترتيب الوضع الداخلي على صعيد إعادة بناء الدولة على أساس اقتصاد السوق بدلاً من مركزي التخطيط. ثم انتقلت الى ترتيب الحديقة الخلفية ومجال النفوذ الحيوي في القوقاز وآسيا الوسطى والدول المستقلة من الاتحاد السوفياتي. تدخلت عسكرياً في جورجيا في نهاية 2008 لحسم الأمور لمصلحتها. وفي نيسان (ابريل) الماضي أيدت موسكو انتفاضة في قرغيستان ادت الى خلع الرئيس كورمان بيك باكييف «راعي» القاعدة العسكرية المختصة بتزويد القوات الأميركية في أفغانستان، وتشكيل حكومة موالية للكرملين. كما دعم الكرملين فيكتور يانوكوفيتش رئيساً لأوكرانيا لتطوى صفحة «الثورة البرتقالية» التي أنتجت منذ 2004 حكومات موالية لواشنطن. انخفضت حماسة كييف للانضمام الى «حلف شمال الأطلسي». وفي الشهر الماضي جرى تمديد عقد الإيجار لقاعدة تابعة للبحرية الروسية في ميناء سيفاستوبول على البحر الأسود حتى عام 2042. في المقابل، حصلت أوكرانيا على حسم 30 في المئة من قيمة الغاز الروسي المستوردة من روسيا وما يعني ذلك من فائدة في العلاقة مع أوروبا.
انتقلت بعدها الى الشرق الأوسط. إذ بعد قيام الرئيس بشار الأسد بزيارة موسكو ثلاث مرات في السنوات الماضية وإجرائه حواراً استراتيجياً والبحث في الارتقاء بالعلاقات الثنائية، قام ميدفيديف بزيارة تاريخية الى دمشق. انه أول سيد للكرملين يأتي اليها. حتى في سنوات التحالف الشرقي والعلاقات التاريخية لم يأت رئيس الاتحاد السوفياتي الى العاصمة السورية. كما ان اتفاقية الصداقة السورية - السوفياتية وقعت في موسكو في 1980.
ولتقديم التفكير الروسي الجديد، كتب ميدفيديف مقالة في صحيفة «الوطن» السورية الخاصة: «بطبيعة الحال تتطلب مهمة الارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى مستوى نوعي جديد جهوداً لا بأس بها. وقبل كل شيء يجب تفعيل الحوار السياسي المتعدد الأبعاد. وتجمعنا فكرة إقامة نظام عالمي عادل يقوم على سيادة القانون الدولي ومساواة كل الدول - أكانت كبرى أو صغرى - والتعامل بينها من اجل حل القضايا العالمية بما فيها التحديات والأخطار الجديدة التي نواجهها في القرن الحادي والعشرين». وأشار الى ان ما «يتصدر جدول أعمال المجتمع الدولي اليوم (هو) مهمة إقامة نظام عالمي جديد، عادل ومستقر. وتفرض تعدّدية الأقطاب واقعها أكثر فأكثر على كل المستويات. في السياسة والاقتصاد والشؤون المالية. وتتقدّم إلى مكان الصدارة ضرورة البحث الجماعي عن أساليب مواجهة التحدّيات والأخطار الشاملة».
ان الرئيس الروسي يسعى الى «نظام عالمي جديد» يريده «متعدد الأقطاب». ولاشك في أنه مدرك ان «تعددية القطب» تفرض ان تكون العلاقة قائمة على المصالح وليس الإيديولوجيا. الاقتصاد والصفقات والعقود وليست العقيدة والأحزاب فقط. انها علاقة مهمة في حد ذاتها وليس لأنها ضد الآخر سواء كان إقليمياً أو دولياً. وهو يقول: «يجب إعادة قيمة التبادل التجاري الى ما قيمته نحو بليوني دولار أميركي» سنوياً وليس الى بضعة مئات من الملايين كما هي الحال الآن، مقترحاً التعاون في مجالات النفط والغاز والكهرباء. هذا ما جرى التعبير عنه بتوقيع اتفاقات للتعاون وبيان مشترك في ختام القمة بين ميدفيديف والأسد في دمشق.
يدرك سيد الكرملين ان أحد مفتاح المساهمة في اللعبة الدولية موجود في الشرق الأوسط وأحد مفاتيح الشرق الأوسط موجود في دمشق «إحدى أهم عواصم القرار»، كما قال. ان سورية تطل على الملفات الأساسية في المنطقة: العراق وموضوع وجود القوات الأجنبية وانسحابها وعقود النفط الهائلة ومشاريع إعادة الإعمار. جنوباً، هناك جبهة الصراع العربي - الإسرائيلي. ملف استقرار الشرق الأوسط. جاذب النفوذ والصراعات الدولية. غرباً، هناك لبنان الذي حاولت إدارة جورج بوش استخدامه مخلب القط في الشرق الأوسط الجديد. فشلت في تحويله شوكه في خاصرة سورية ومنصة لاستهدافها. عادت العلاقة بين بيروت ودمشق الى طبيعتها. وطوى البلدان سنوات من حالة استثنائية.
ضمن الرؤية الواسعة يمكن وضع أيضاً لقاء ميدفيديف مع رئيس المكتب السياسي ل «حماس» خالد مشعل في دمشق. روسيا، التي هي عضو في مجلس الأمن في اللجنة الرباعية الدولية، كانت انفردت بفتح حوار مع «حماس» بعد فوزها في انتخابات العام 2006. علماً ان الدول الغربية تطلب من «حماس» التزام مبادئ «الرباعية» بالاعتراف بإسرائيل والاتفاقات الموقعة معها ونبذ العنف. الحركة الفلسطينية لم تفعل، لكن الحوار معها استمر من قبل روسيا. زار مشعل موسكو مرتين بناء على طلبه. الجديد، كان عندما وجه وزير الخارجية سيرغي لافروف لمشعل دعوة لزيارة موسكو قبل شهرين. والآن، وافق ميدفيديف على لقاء مشعل.
اغلب الظن، ان قرار مبيدفيديف رفع مستوى الحوار السياسي مع «حماس» يعود لأسباب داخلية وخا رجية: أولاً، ضمن سياق العودة الروسية لاستعادة الدور على الساحة الدولية. ان موسكو المنزعجة من عدم حصول مؤتمرها للسلام بسبب التفرد الأميركي وتهميش دورها في عملية السلام، تريد ان تقول انها الوحيدة القادرة على التحدث مع جميع الأطراف الفاعلين في المنطقة (هذا ما أعلنه ميدفيديف في مؤتمره الصحافي في أنقرة). علاقتها مع «حماس» هي مكسب وليس عبئاً. تريد ان تقدم نفسها كحاجة في اللعبة الدولية وكلاعب ضروري وليس شاهداً وحسب. ثانياً، داخلياً، هناك من يشير الى ان رفع مستوى الحوار والتحرك الدولي، جاء في سياق سعي ميدفيديف الى التميز عن رئيس الوزراء فلاديمير بوتين. وهو الشخص النافذ والرئيس السابق.
كما ان الإدارة الروسية أرادت القول ان الحرب التي تشنها ضد المتطرفين الإسلاميين ليس حرباً ضد الإسلام، حيث انها تقيم علاقة خاصة مع حركة مقاومة ذات بعد عالمي إسلامي. ولا شك في أن إدانة مشعل استهداف المدنيين الروس من الشيشان، قوبل بارتياح في موسكو. وكان عنواناً أساسياً للإعلام الروسي. يسجل لدمشق انها استضافت لقاء ميدفيديف - مشعل ورفع مستوى الحوار الروسي - «الحمساوي». تقوي حلفاءها وتقوى بهم. وتميز بين الإرهاب ودعم المقاومة. الأول مدان، والثاني يدعم.
واستكمل ميدفيديف بزيارته الى أنقرة الخط البياني السياسي العام ذاته. جرى توقيع العديد من الاتفاقات الاقتصادية مع تركيا التي يزيد دورها الإقليمي وتجاور روسيا في العديد من الملفات في القوقاز وآسيا سواء السياسية في أرمينيا وأذربيجان وجورجيا أو الاقتصادية المتعلقة بخطوط الغاز الممتدة الى أوروبا والصراع على تملك التأثير في أنابيب الغاز الاستراتيجية، مصدر الطاقة في العالم.
لافروف ينزعج من القول ان «روسيا عادت» الى المنطقة. ويضيف خلال دردشة مع صحافيين على هامش زيارة ميدفيديف ان «روسيا موجودة دائماً». واقع الحال، ان العالم يتغير. هناك «نظام عالمي جديد». ليس هو نظام الحرب الباردة الذي جمع واشنطن وموسكو في القرن الماضي. وكانت الدول الإقليمية تحجز أدوارها تحت ظلاله. ولا هو أحادي القطب الذي ظهر في العقدين الماضين، عندما كانت الدول الصغرى تميل أمام العواصف الأميركية الهوجاء وأحياناً العمياء. هناك دور متزايد لقوى كبرى مثل الصين والهند والبرازيل. وهناك تعاون بين دول المنطقة لتقديم «أجوبة محلية» لأسئلتها الصعبة والمساهمة في «انتخاب» إدارة للعالم. لا يمكن تجاهل تزايد دور تركيا وإيران وسورية الشريكة في هذا التعاون الإقليمي. وروسيا تريد تعظيم شبكة علاقاتها لتقوية موقفها الدولي.
* صحافي من أسرة «الحياة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.