«علي» سائق الميكروباص لم يكمل عامه الواحد والعشرين بعد لكنه كان يكسب رزقه من خلال عمله سائقاً مسجلاً على خط «الباب الشرقي- بغداد الجديدة»، قبل ان يطلب منه شخصان المشاركة في موكب زفاف في مدينة الصدر ويختطفاه برفقة سيارته ثم يقتلاه في احد شوارع المدينة. بدأت نشاطات «الجماعات الخاصة» التي يعتقد انها كانت مرتبطة ب «جيش المهدي» تعود الى بغداد لاسيما بعد اطلاق سراح العديد منهم من السجون الأميركية والعراقية. وأخذت تلك الجماعات تمارس أعمالها السابقة لكن بصورة سرية اكثر، ويحمل الأهالي تلك المجموعات مسؤولية التفجيرات الأخيرة في المدينة التي كان قائد عمليات بغداد عبود قنبر اكد انها كانت ناتجة من سيارات مفخخة داخل المدينة وليس خارجها. وتعرضت مدينة الصدر التي تعد معقلاً لأنصار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر الى سلسلة من الهجمات الدامية مؤخراً ادت الى مقتل وجرح العشرات من الأهالي وأثارت الاستياء من مستوى الاستعدادات الأمنية فيما اتهم قياديون في تيار الصدر الشرطة في المدينة بفتح النار على الأهالي بعد التفجيرات. ويؤكد شهود عيان ل «الحياة» ان «السيارتين المفخختين اللتين تم تفجيرهما الأسبوع الماضي قرب سوق مريدي، تمت سرقتهما من قبل مجموعات صغيرة تنشط مؤخراً في المدينة فيما لا يستبعد ضباط ان تكون عمليات سرقة السيارات مرتبطة بعصابات التفخيخ نفسها». ويقول احد الشهود وهو شرطي لكن طلب عدم الكشف عن اسمه انه «شاهد احدى السيارات قبل ان تنفجر وكانت قادمة من الأحياء الأخيرة في مدينة الصدر ومتجهة الى خارج المدينة». ويضيف «من المستحيل ان تعبر سيارة مفخخة الحواجز الأمنية المزودة بأجهزة السونار التي تكشف المتفجرات». ويرجح احد ضباط الشرطة في المدينة ان «الجماعات المسلحة تقوم بتلك التفجيرات لكي تكرس الانطباع لدى الناس بأن القوات الأمنية غير قادرة على حمايتهم، وبالتالي عليهم توفير الحواضن اللازمة لعودتهم». وكانت القوات الأميركية اطلقت سراح المدعو حسن سالم من سجن «بوكا» في البصرة، وهو ابرز القياديين السابقين في «جيش المهدي» والذي كان يشرف بحسب مصادر خاصة على العمليات التي كان ينفذها «ابو درع» وجماعته. وسالم ضابط في الجيش العراقي السابق وكان يشرف على عمليات «جيش المهدي» في بغداد وتنسب اليه اهم وأبشع عمليات القتل والتهجير الطائفي. ويؤكد اهالي مدينة الصدر ان غالبية قيادات «المجموعات الخاصة» التي انشقت عن جيش المهدي تحت اسماء «انصار المهدي» و«جماعة ابو كوثر» وعصائب اهل الحق» عادت مؤخراً من سورية وإيران ولبنان حيث هرب معظم قيادييها مطلع عام 2008. وتركز تلك الجماعات خلال هذه الفترة هجماتها على القاعدة العسكرية الأميركية الموجودة في منطقة الشماعية قرب مدينة الصدر، وعلى الشباب الذين يرتدون سراويل الجينز او يقصون شعرهم بطرق غريبة، اذ قتل اكثر من 20 شاباً في مدينة الصدر وحدها بذريعة انهم مثليو الجنس. ويصل تعداد سكان المدينة الى نحو ثلاثة ملايين نسمة غالبيتهم يعيشون تحت خط الفقر. وعلى رغم الإعلانات المستمرة للحكومة العراقية عن وجود خطط لتنفيذ مشاريع الا ان المدينة ما زالت تفتقر الى ابسط الخدمات حتى ان غالبية قطاعاتها تشكو نقص الماء الصالح للشرب. وبدأت مظاهر التطرف تعود الى المدينة لاسيما في مناطقها الأخيرة البعيدة عن انظار القوات الأمنية، حيث تفرض تلك الجماعات اجندتها ولا تسمح لمحلات اجهزة التسجيلات ببيع اشرطة الأغاني وتفتشهم بين الحين والآخر، كما يؤكد احد اصحاب المحلات الذي فضل ان نطلق عليه اسم «ابو هاني». ولا يستطيع اهالي الضحايا من امثال «علي» مطالبة القاتلين عشائرياً كما هو معمول به في العراق او تقديم شكوى ضدهم لدى المحاكم حتى وإن عرفوهم، ليس فقط خوفاً من سطوة المليشيات، لكن خوفهم الأعظم من فضيحة تلصق بهم مدى الحياة لأن تلك الجماعات بدأت تشيع على كل شخص تقتله بأنه من «مثليي الجنس». مذابح تحت شعار «المثليين» وعلى رغم ان شريحة المثليين في العراق تعيش في اجواء سرية فإن منظمات للدفاع عن حقوق الإنسان وعشائر وأيضاً قوى امنية وسياسية لم تأبه كثيراً بتعرضهم الى حملة تصفية على يد عشائرهم وبمشاركة بعض افراد عائلاتهم فيما تمارس مجموعات مسلحة في مدينة الصدر حملات ضد شباب عاديين بدعوى انهم «مثليون». ويقول عباس ناجي الذي يعمل في مجال الإعلام ان الكثير من المثليين يتعرضون للاستغلال الجنسي من قبل بعض الأطراف في محيط العمل، لافتاً ان النظرة السائدة عن المثليين في البلاد شجعت مثل هذا الاستغلال لهم. وعلى مدى السنوات الماضية تحول المثليون الى هدف مشترك للجماعات المسلحة والميليشيات على حد سواء، وتقوم احدى الجماعات المسلحة التي تطلق على نفسها جماعة «أهل الحق»، بمعاقبة «المخالفين للشريعة» أو «المتشبهين بالنساء» على حد وصفهم بقتلهم او جلدهم في شكل علني. وفي مدينة الصدر، قامت جماعة «أهل الحق» بتعليق ثلاث قوائم تحمل اسماء لفتيان تقول انهم مثليي الجنس في بعض شوارع المدينة، كُتبت عليها عبارات باللون الأحمر. ويؤكد اطباء في مستشفيات الكندي واليرموك وصول جثث العديد من يتهمون بالمثلية خلال الأعوام الماضية، كان آخرها عندما وصلت اربع جثث الى مستشفى الكندي لشباب تعرضوا لتعذيب واعتداء جسدي قبل قتلهم. وقال بعض ممن التقتهم «الحياة» في منطقة البتاويين وسط بغداد انهم يتخفون الآن بعد ان تركوا منازلهم خوفاً من استهدافهم.