كثيرة هي العوائق بين لبنان وبين احتلاله موقع «سويسرا الشرق الأوسط» الذي يرغبه له الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز. ليس آخر العوائق تلك إصرار إسرائيل على التعامل مع جارها الشمالي على أنه ساحة تدريب لطائرات سلاحها الجوي في الليل والنهار. وليس «حزب الله» ودوره في الصراع العربي الإسرائيلي سوى واحد من التعابير عن مآزق هذه المنطقة وشعوبها وحكامها حيال التحدي الإسرائيلي السياسي والعسكري والتنموي. الأهم من ذلك أن إعاقة الحزب تحوّل لبنان إلى سويسرا المنطقة، على ما أفتى بيريز أمام تلامذة إحدى المدارس في الجليل، لا تزيد في خطورتها عن جملة من الإعاقات الأخرى تتعلق ببنية لبنان الطائفية ونظامه السياسي اللذين يشرعان الأبواب واسعة أمام تدخلات الخارج وقواه وتباري هذه في استخدام البلد الصغير ميدان حروب لا تنتهي. قبل هذا كله، يتعين السؤال عن المصدر الذي استقى بيريز منه معلوماته في شأن رغبة اللبنانيين في أن تكون بلادهم سويسرا الشرق الأوسط. ويرتبط في ذاكرة قسم كبير من مواطني بلدنا شعور مشؤوم كلما تكررت أمامهم العبارة التي تروج لمزايا لبنان السياحية ومقارنته بسويسرا، ليس لناحية التشابه بين التعددية الطائفية اللبنانية والتنوع العرقي - اللغوي في الحالة السويسرية أو لجهة «تطور» مفترض في النظامين المصرفيين أو لجمال الطبيعة (الآفل والمنقرض في الحالة اللبنانية)، بل لاحتواء التشبيه ذاك على رؤية سطحية بل تافهة لمظاهر تشابه لا تتأخر أن تكشف عن رسو الاتحاد السويسري على أسس من المصالح عميقة بين الجماعات الثلاث الكبرى فيه وبينه وبين الدول المحيطة به من جهة، وبين قيام بلدنا على أرض رخوة من التوافقات والاتفاقات الموقتة، الداخلية والخارجية، من الجهة المقابلة. بل الأرجح أن الرئيس الإسرائيلي الذي بات يمثل أيقونة الانتهازية وعلامتها في إسرائيل وخارجها، برغم إدعائه الثقافي و»الإنساني»، يجهل أن شريحة رئيسة من اللبنانيين، لا هم لها في الأيام هذه سوى التفكير في سبل جديدة لخوض القتال ضد إسرائيل، برغم ما في ذلك من مؤشرات قد تكون فادحة على تماسك النسيج الاجتماعي والاستقرار السياسي والأمني في لبنان الذي يحتاج حاجة ماسة إلى فترة طويلة من الهدوء لاستيعاب كمية الصدمات التي كابدها في الأعوام الخمسة الماضية. ولعل الضجر الشديد الذي يثيره كلام عُلِكَ وجُفف ثم أعيد علكه واستخدامه لغايات الدعاية المباشرة، من النوع الذي يرى بيريز في استعادته ذروة الحذق وآيته، هو كل ما يبقى من المقارنة البسيطة بين حَجْر الصراع العربي –الإسرائيلي للمنطقة هذه من العالم ولشعوبها الخاضعة لأنواع شتى من القهر والاستلاب والتخلف، بعيداً من معارج العصر، وبين حديث عن السلام وعن التخلي عن «عبادة الصواريخ»، لا يُفهم منه سوى إعطاء الحق للقاتل بالنجاة بجرائمه، على ما رأينا في مأساة غزة. وفيما تتبادل إسرائيل وحكومات الاستبداد المتعدد الوجوه توفير الذرائع لدفع الصراع نحو أعماق جديدة في مجاهل الهويات والثقافات والأديان، على ما تفعل خطوة بنيامين نتانياهو اعتبار الحرم الإبراهيمي وقبر راحيل من الإرث الإسرائيلي، يشجع بيريز اللبنانيين على المزيد من التشرذم بحضّهم على استعادة فردوسهم السويسري الذي أضاعه «حزب الله». والحق أنه في منأى عن درجات الخبث والتذاكي التي يستعرضها بيريز، فإن المرء لا يجد غير مزيج من الاستعلاء العنصري والصور النمطية المسبقة كأداتين لمعرفة هذه المنطقة عند من يعظ بمزايا السلام غداة ليلة لم تبارح طائراته الحربية فيها سماء الآخرين.