تشهد الساحة السعودية حراكاً اجتماعياً وتنموياً ضخماً، طاول نواحي أخرى من الحياة، فكان «القضاء» بوصفه البوابة الأبرز للإنصاف والانتصاف ورد المظالم، أحد محاور النهضة الجديدة التي تنشدها المملكة. وفي وقت يكثر فيه الترافع أمام العدالة بحثاً عن الحقوق، يأتي دور الإعلام في توعية الجمهور بأساليب التقاضي وأدواته، عبر إبراز النماذج الحية لقضايا نَظَرَ فيها قضاة البلاد من نواحي المملكة. و«الحياة» بدورها ترحّب بما يندرج في هذا السياق، من جانب المهتمين، والمترافعين. في يوم السبت الموافق 9-3-1416ه افتتحت الجلسة لدي أنا القاضي بالمحكمة الكبرى بالرياض علي بن محمد آل حسين وحضر فيها... بالحفيظة الصادرة... من... برقم... في 15-10-1389ه وحضرت لحضوره... بموجب حفيظة والدها رقم... في 10-8-1398ه سجل... وبرفقتها المرأة... الموظفة بدار رعاية الفتيات فادعى الأول قائلاً: عقدت على هذه الحاضرة بتاريخ 2-11-1412ه، ثم طلقتها قبل الدخول بها بتاريخ 21-9-1415ه، وقد حملت وأنجبت ابناً ولم أدخل عليها ولم يحصل بيني وبينها خلوة أبداً ولم أرها إطلاقاً، وهذا الولد ليس مني ولا يرثني ولا أرثه أطلب الحكم بنفي هذا الولد هذه دعواي. وبعرض دعوى المدعي على المدعى عليها أجابت قائلة: ما ذكره المدعي في دعواه من الزواج والطلاق في التاريخ المذكور صحيح، وما ذكره من أنه لم يرني ولم يخل بي فغير صحيح، والصحيح أنه قد خلا بي ورآني وجامعني وحملت منه وأنجبت بعد العقد ابناً وهذا ابنه، إذ أخذني من أسواق... وذهب بي إلى منزله الواقع بجوار خالي وبقيت فيه من 10-5-1413ه إلى 28-6-1413ه وقد حصلت الخلوة والجماع في هذه الفترة هذه إجابتي. وبعد سماع الدعوى والإجابة جرى عرض الإجابة على المدعي فأجاب قائلاً: الصحيح ما ذكرت ولا صحة لما ذكرته المدعى عليها. فجرى سؤاله هل حصل الحمل وهي في عصمتك؟ فقرر قائلاً: إنها حملت ووضعت وهي في عصمتي ولكني لم أدخل بها ولم أرها، ثم أبرزت لنا المدعى عليها تقريراً طبياً من مستشفى الولادة والأطفال بالرياض برقم... في 1-3-1414ه يتضمن أن... قد أدخلت المستشفى بتاريخ 28-2-1414ه ووضعت طفلاً ذكراً حياً في الساعة الرابعة والنصف عصراً من اليوم نفسه وقد خرجت في 29-2-1414ه بصحة جيدة. أ.ه. فجرى سؤال المدعي متى علمت أن المدعى عليها حامل بالولد موضوع الدعوى؟ فأجاب قائلاً: إن مديرة الدار... اتصلت علي وقالت: إن لدينا امرأة تدعى... وأنها تذكر أنك زوجها فقلت: نعم. إنني زوجها وسألتني هل دخلت بها. فأجبت إنني لم أدخل بها إذ حصل بيني وبينها خلاف حول طلبها فتح مشغل لها. فقالت لي: إن... لها رغبة فيك، فقلت بيني وبينها مشكلة وإني سألت... هل عليها مشكلة أخلاقية. فقالت: لم يثبت عليها شيء. وكررت ذلك مراراً فذهبت وطلقتها لدى محكمة الضمان والأنكحة في الرياض على أن يسلم لي نصف المهر بحسب الاتفاق مع خالها... ولكن لم يحضر لي المبلغ وقبل حلول عيد الأضحى اتصلت بالدار وقلت هل إحضار ورقة الطلاق تفيد الدار فأجابني... بأن أحضر الأوراق فأحضرت صك الطلاق وسلمته ل.... وأخبرني حينما سلمت له الصك أن البنت حامل عندهم بعد أن أقامت في الدار شهرين وأنجبت ولداً في الدار. وقلت: إنني لا أعلم عن هذا الشأن وأن هذا الولد ليس مني وطلبت شهادته، علماً أنني طلقتها في شهر رمضان وكان علمي بهذا الولد قبل إجازة الأضحى المبارك لعام 1415ه ثم تم الاتصال بخالها... لإقناعها بعدم إلحاق هذا الولد بي، وأن إلحاقه بي معصية وهو ليس ابني ولكنه لم يخرج بنتيجة. فقدمت بهذه الدعوى في 30-1-1426ه وقررت المرأة قائلة: إن لدي شاهد وهو أخي... يشهد على أن المدعي دخل بي في بيته الذي بجوار خالي، وأخي سكن معي في نفس البيت، والمدعي يتردد علي، وأخي يقيم في الكويت ولا أعلم له عنواناً ولم أستطع إحضاره. وفي جلسة أخرى حضر والد المدعى عليها... سعودي الجنسية بالحفيظة الصادرة من الأحساء برقم... في 22-8-1383ه وقرر قائلاً: إنني توليت عقد نكاح ابنتي... على هذا الحاضر وأشار إلى المدعي لدى الشيخ... وبعد إجراء عقد النكاح لم أر الزوج إلا هذا اليوم، ولم تزف إليه ولا أعلم هل اجتمع بها أم لا. ولكني أعلم أنه استأجر بيتاً للزوجية، وأفيدكم أن ابنتي خرجت من عندي وقالت إنها تذهب إلى خالها... ومرة أخرى تذهب إلى خالتها زوجة.... وقد أودعتها في الدار في رمضان 6-9-1413ه لما رأيت كثرة خروجها بعد البحث عنها وجدناها لدى بنت ولد عمي ولا زالت في الدار حتى الآن، وجرى نصح المدعي وتخويفه من نفي الولد إذا كان قد خلا بأمه، ولكنه أصر أنه لم يجتمع مع المدعى عليها، كما جرى نصح المدعى عليها وتخويفها من إلحاق الأولاد بغير أبيهم وما في ذلك من الإثم العظيم، ولكنها أصرت على أن الولد ولد المدعي. وجرى إفهامها أنه يتوجب في حقهما اللعان إذا أصرا على ما ذكراه، وأفهمتهما أنه تقرر رفع الجلسة لمراجعة النفس والتفكير في ما يقدمان عليه لعل أحدهما يرجع عما قاله. وفي جلسة أخرى حضر الطرفان وجرى سؤال المدعى عليها هل لديك ولد غير الولد الذي تدعين بأنه ابن للمدعي. فأجابت قائلة: لم يسبق لي الزواج قبل هذا الزوج وليس لي سوى هذا الولد من هذا الزوج واسم المولود خالد، وجرى سؤال المدعي عن سبب مجيء هذا الولد فأجاب قائلاً: هذا الولد ليس مني لأنني لم اجتمع بهذه الحاضرة وأشار إلى المدعى عليها ولم أدخل بها ولم أطأها وهذا الولد من زنا ولا أعلم عن حمله ووضعه إلا في اليوم الأخير من الدوام قبل إجازة عيد الأضحى لعام 1415ه حيث تم الاتصال على الدار لأنها سجينة بها وعرضت على الدار تزويدهم بصورة من صك الطلاق فطلب مني... الحضور له في الدار فأخبرني بذلك. وكان ذلك في الوقت الذي حددته آنفاً. وقررت المدعى عليها قائلة أصادق على أن المدعي لم يعلم بحملي ووضعي للولد إلا في الوقت الذي ذكره عندما أخبر عن طريق الدار. وبتأمل ما رصد وما تقدم من الدعوى والإجابة وإنكار المدعى عليها أن الولد الذي ولدته ليس ولده وحيث من المقرر أن اللعان يشرع في نفي الولد للآية الكريمة (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم) «النور: 6». وبناء على أن الزوج قد أبان المدعى عليها ونفى ولداً أضافه على حال الزوجية وهذا لا يسقط حقه في اللعان كما جاء في المغني جلد 11 ص 133 قوله: «فلو أبان زوجته ثم قذفها بزنا وأضافه إلى حال الزوجية... إلى أن قال إن كان بينهما ولد يريد نفيه فله أن ينفيه باللعان. وبهذا قال مالك والشافعي». أ.ه. وجاء في ص 124 ما نصه: «ولا فرق بين كون الزوجة مدخولاً بها أو غير مدخول بها في أنه يلاعنها، قال ابن المنذر أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من علماء الأمصار» أ.ه. وجاء في كشاف القناع جلد (5) ص 394: «ولا يصح اللعان إلا بثلاثة شروط، أحدها أن يكون بين زوجين ولو قبل الدخول» أ.ه. وحيث أن المتلاعنين كانا زوجين مكلفين فقد أفهمت المدعي أنه لا سبيل إلى نفي هذا الولد والحالة ما ذكرت إلا باللعان فاستعد بذلك وأفهمت الزوجة بذلك واستعدت، فأمرت المدعي الذي هو الزوج بالقيام وان يقول أربع مرات أشهد بالله أني لمن الصادقين في ما رميت به هذه من الزنا التي كانت زوجتي، وأن الولد الذي ولدته ليس ولدي وأنه من زنا ويشير إليها. ثم أدى الشهادات الأربع طبق النص سالف الذكر قائماً. ثم جرى تخويفه ووعظه وأن يتقي الله وأن الخامسة هي الموجبة وأن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وكل شيء أهون من لعنة الله، فقرر استعداده بأداء الخامسة فقال حسبما طلب منه: وأن لعنة الله عليّ إن كنت من الكاذبين في ما رميت به هذه الحاضرة - من الزنا ونفي الولد - التي كانت زوجتي. ثم أمرت الزوجة بالقيام وقلت لها قولي أشهد بالله أن هذا الحاضر الذي كان زوجي لمن الكاذبين في ما رماني به من الزنا والولد الذي ولدته ولده وتشير إليه، ثم قامت وأدت المدعى عليها الشهادات الأربع طبق ما طلب منها. ثم جرى تخويفها بأن تتقي الله في ما أقدمت عليه إن كانت كاذبة فإن الخامسة هي الموجبة وأن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة. فاستعدت بأداء الخامسة وقالت حسبما طلب منها: وغضب الله عليّ إن كان هذا الحاضر من الصادقين في ما رماني به من الزنا ونفي الولد. هكذا شهدا وبناء على ما تقدم وأداء المتلاعنين الألفاظ حسبما طلب منهما وتوفر شروط وجوب اللعان وشروط أدائه. لذا فقد أفهمت المدعي أن المدعى عليها حرمت عليه تحريماً مؤبداً، وأن الولد ليس ولد المدعي وأنه يلحق بأمه، وبذلك كله حكمت وبعرض ذلك عليهما قرر المدعي قناعته أما المدعى عليها فقررت عدم القناعة وطلبت تمكينها من تقديم لائحة اعتراضية، كما أفهما بأن هذا الحكم لا يكتسب القطعية إلا بعد تصديقه من هيئة التمييز لسريانه على قاصر وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. 16-4-1416ه. - صدق الحكم من محكمة التمييز برقم 2016/1 وتاريخ 4 -1 -1416ه.
