** تراهم وتراهن عند اشارات المرور، عند مداخل المطاعم وبين مقاعد رواد المقاهي يحملن على اكفهن وكفوفهم رزماً من "مناشف اليد" وفي الاغلب تراهن صبايا في نهدة اعمارهن في حدود العاشرة أو يزدن قليلا او ينقصن قليلا، تقرأ على وجهوههن كثيراً من خطوط البؤس والشقاء وترى على سماتهن كثيراً من الحيرة وضياع المستقبل المخطوف منهن، فهن لا يعرفن شيئاً عن ذلك المستقبل. كانت واحدة منهن تمسك برزمة من تلك – المناشف – صغيرة الحجم على كفها الأيمن وراحت بالكف الاخرى ترفع خصلة من شعرها انسدلت على عينها اليسرى، كانت ترتدي – فستانا بسيطاً جدّاً، وان كان على وجهها ارتسمت كل علامات المجهول تخطيناها في طريقنا الى داخل المقهى على البحر، كان المكان مليئًا برواده المتلاصقين في مراكيزهم بعضهم تعلق نظره بالشاشة الكبيرة لمتابعة المباراة الشهيرة بين ريال مدريد وبرشلونة، ما ان اخذنا مكاننا في المركاز حتى وقفت امامنا.. كأنها تتبعنا منذ دخولنا الى هذا المكان. قال لها أحدنا: اسمك ايه: قالت بصوت كأنه الهمس: زهرا.. من أين أنت يا زهرا؟ غرست نظراتها في الارض كأن انكسارات الدنيا تسكن عينيها البريئتين وقالت: من افغانستان. قلنا لها: اين والدك؟ اشارت بإصبعها ناحية البحر كأنه تركها تقوم بتسويق ما لديها معتقداً أنها اكثر صلاحية لهذا التسويق بينما هو يجلس هناك على طرف البحر. يتابع خطواتها من بعيد. قال لها زميلي وهو يحس بأبويته نحوها فهي في سن حفيداته: اياك تركبي سيارة مع أحد. هزت رأسها كأنها تقول اعرف هذا وهذا لا يمكن ان يكون. قلنا لها: أين تسكنين؟ همهمت بصوت خافت كأنها تريد ان تتخلص من هذا السؤال المحرج الذي قد يكون فيه دلالة على مسكنها ومسكن اسرتها فيكونون صيداً لجهاز الترحيل نظرنا لبعضنا وسؤال يلوب في رأسنا: أين تتعلم هذه ومثيلاتها؟ لماذا تفقد نعمة التعليم. لا نجد اجابة عن السؤال فبلعناه قال لها أحدنا: ها .. يازهرا متى تنامين والآن الساعة الثانية عشرة ليلاً: قالت: ماذا يعني هذا انني انام عندما اذهب الى البيت. وكيف تنامين نقصد مع من؟ مع أمي وأبي وإخوتي كلنا في غرفة واحدة. هل تسكنون في بيت؟ نظرت الينا كأنها مستغربة السؤال وهل هناك غرفة بدون بيت؟ صديقي أدخل يده في جيبه واخرج مبلغا من المال واعطاها إياه. أخذته في صمت. اعطتنا ظهرها بعد ان توقف امام مركازنا ثلاثة إخوة ذهبت اليهم حاولت بيعهم ما تحمل – من مناشف – صغيرة كل سبعة بعشرة ريالات لكنهم لم يشتروا منها ذهبت بين "المراكيز" تعرض ما لديها. كان رواد المقهى يتابعون مباراة ريال مدريد مع برشلونة لم يعطوها أي اهتمام، فهذا كاكا ينفلت من بين صفوف فريقه ليسجل هدفا تقوم كل مقاعد المقهى ولا تقعد تشجيعاً للاعبها الفذ الانيق. كنا نحن نتابع "زهرا" وهي تتحرك بين "الكراسي" دون ملل منها.. وصيحات جماهير المقهى تتعالى، لتضيع بين المراكيز، وكثير من السؤالات اخذت تشغلنا عنها وعن مثيلاتها. كيف يعشن؟ ما هو مصيرهن؟ كان السؤال واضحاً لكن إجابته ظلت غائمة جدّاً لا أعرف كيف تحركت يدي لينطلق فلاش "الجوال" لتفاجأ به وان كانت لم تستطع ان تخفي بؤسها أبداً.