إن رؤية 2030 قد أكدت بوضوح، أن رأس المال البشري هو أعظم استثمار، وأن القطاعين العام والخاص مطالبان بتوفير بيئات عمل جاذبة ومرنة؛ تحفز على الإنتاجية والإبداع. فكيف سنمكن الشباب وننافس عالمياً إذا كان أول عائق يواجههم هو بيئة عمل منفّرة وطاردة ولا تحقق طموحاتهم؟ بيئة العمل الجاذبة الصحية المرتكزة على قواعد سليمة، تشمل كل ما يتصل بالعاملين من ظروف مادية ونفسية واجتماعية قادرة على منحهم الفرصة للتطور والإبداع في أعمالهم، بينما بيئة العمل المنفّرة أو الطاردة يغلب فيها التوتر والضغط النفسي، وتخلو من العدالة والتحفيز والتطوير والشفافية الإدارية والتقدير المادي والمعنوي للموظف، وتتسم بالمركزية التامة وانتفاء المشاركة من جانب العاملين والتمييز بينهم على أسس غير عادلة وسيادة عنصر الخوف، وضآلة فرص تدريبهم وتطويرهم. فبيئة العمل المنفّرة هي ثقافة تضعف الانتماء وتحبط الموظف وتقتل روح الابتكار، ويمارس فيها الضغط بلا عدالة، وتغلق الأبواب أمام الحوار والمشاركة، ويصبح الموظف غريباً في مكان عمله، ويترتب على كل هذه العناصر السلبية انخفاض أداء العاملين وزيادة سخطهم وعدم رضاهم الوظيفي وبالتالي تسربهم من مؤسستهم. إنه ليس من المقبول في عصرنا الزاهر الذي تراهن فيه المملكة على المواطن؛ ليكون الفاعل والمحرك الأساسي للتنمية، أن يتمسك البعض بإدارة بيئات عمل منفّرة وطاردة، وكأنها خارج السياق الوطني لرؤية 2030 التي جاءت لتكريس الاستثمار في المواطن السعودي، وتمكينه من النهوض بمهام التنمية، ومن أهدافها تحسين بيئة العمل وتمكين الكفاءات الوطنية، ورفع مساهمة القطاع الخاص وجذب الاستثمارات الأجنبية، وفي هذا السياق فإن المستثمر الأجنبي يأخذ في حسبانه؛ أولًا كفاءة ورسوخ الموارد البشرية وبيئة العمل الجاذبة؛ كعنصر رئيسي قبل دخوله في عملية الاستثمار. وهنالك حزمة من المقترحات لتحسين بيئة العمل؛ منها على سبيل المثال انتهاج المؤسسة لثقافة تنظيمية شفافة، كأداة مثلى لتطوير بيئة العمل وتحفيز العاملين للإبداع في أعمالهم، وتكريس الانتماء، ومبدأ الفريق الواحد، وبناء الثقة وتوطيد الالتزام للعاملين والتكيف مع المتغيرات، وتدعيم الرضا الوظيفي، وتهيئة بيئة عمل هادئة ونظيفة ومنظمة، ووضع أنشطة ترفيهية للعاملين في أوقات فراغهم، وتمتين العلاقات وتعزيز التواصل بينهم وتشجيعهم لبناء ثقتهم بأنفسهم، والتركيز على الأهداف القابلة للتنفيذ، ووضع معادلة توائم بين العمل والحياة الشخصية والاهتمام بصحتهم وغيره. وأخلص إلى أن الموظف لا يبحث اليوم عن العائد المادي من عمله فحسب، وإنما عن بيئة عمل تقدر جهده وتمكنه من تطوير ذاته، وإذا أردنا حقاً أن نكون رفدًا للتحول الذي تقوده المملكة، فعلينا إعادة النظر في ثقافة بيئات عمل بعض مؤسساتنا، حيث إن الاستثمار في بيئة العمل هو استثمار مباشر في نجاح الرؤية الهادفة لبناء أمة سعودية عظمى قائدة ورائدة.