أبدى الكرملين تفاؤله بإمكانية استئناف المفاوضات مع الجانب الأوكراني في وقت قريب، رغم استمرار التصعيد العسكري الميداني واتساع نطاق العمليات القتالية على عدة جبهات. وأوضح المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، في تصريح صحافي، أن موسكو تأمل في أن يتم تحديد موعد الجولة الثالثة من المحادثات مع كييف قريباً، مشيراً إلى أن قنوات التواصل لم تُغلق وأن بلاده لا تزال ترى في المسار التفاوضي خياراً ممكناً لإنهاء النزاع المستمر منذ أكثر من عامين. وكانت المحادثات الروسية الأوكرانية قد شهدت جولتين سابقتين عقدتا في مدينة إسطنبول التركية، الأولى في منتصف مايو، والثانية في مطلع يونيو، وأسفرت تلك اللقاءات عن بعض التفاهمات الجزئية في القضايا الإنسانية، حيث اتفق الجانبان على تبادل الأسرى وفق صيغة "ألف مقابل ألف"، كما توصلوا إلى تفاهم مبدئي حول تسليم روسيا لستة آلاف جثة لجنود أوكرانيين سقطوا خلال المعارك. وتركزت المقترحات المتبادلة حتى الآن على القضايا الميدانية والإنسانية دون تحقيق تقدم جوهري في الملفات السياسية الكبرى، وفي مقدمتها مستقبل المناطق التي أعلنت روسيا ضمها. ورغم هذه المحاولات الدبلوماسية، لا تزال المواجهات العسكرية في تصاعد مستمر على الأرض. فقد أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن أنظمة الدفاع الجوي تصدت خلال الساعات الماضية لهجمات مكثفة باستخدام الطائرات المسيرة الأوكرانية، حيث تم تدمير 15 طائرة مسيرة فوق مقاطعة كورسك الحدودية وفي أجواء بحر آزوف. وفي الوقت ذاته، أكد حاكم مقاطعة بيلغورود الروسية أن القوات الأوكرانية شنت قصفاً عنيفاً على سبع مناطق داخل المقاطعة، مستخدمة 54 طائرة مسيرة، وأكثر من 60 قذيفة خلال أربع وعشرين ساعة، ما تسبب في وقوع أضرار مادية واسعة. التقدم الميداني الروسي لم يتوقف عند حدود المناطق المشتعلة، فقد أفادت مصادر روسية رسمية بأن القوات الروسية أحرزت تقدماً جديداً في منطقة دنيبروبيتروفسك الواقعة وسط شرقي أوكرانيا، حيث سيطرت على قرية داتشنوي بعد معارك عنيفة، في خطوة تعزز من توسع موسكو جنوباً وشرقاً داخل الأراضي الأوكرانية. يأتي هذا التقدم بعد أن تمكنت القوات الروسية خلال الشهرين الماضيين من السيطرة على نحو 950 كيلومتراً مربعاً من الأراضي الأوكرانية، بحسب ما نقلته وكالة الإعلام الروسية. وأكدت موسكو أنها لا تزال منفتحة على خيار السلام، لكنها تضع شروطاً صعبة، على رأسها انسحاب القوات الأوكرانية من كامل المناطق التي تسيطر عليها روسيا حالياً، والتي تعتبرها القيادة الروسية جزءاً لا يتجزأ من الأراضي الروسية. هذه المناطق تشمل شبه جزيرة القرم، التي ضمتها موسكو عام 2014، إضافة إلى مناطق لوغانسك، ودونيتسك، وزابوريجيا، وخيرسون، التي باتت تسيطر عليها روسيا بنسب متفاوتة تصل إلى أكثر من 70 % في بعضها. كما فرضت موسكو نفوذها في أجزاء من مناطق خاركيف، وسومي، ودنيبروبيتروفسك. في المقابل، ترفض كييف هذه المطالب بشكل قاطع، وتعتبرها محاولة لفرض شروط استسلام غير مقبولة. كما تؤكد الحكومة الأوكرانية، مدعومة بموقف واضح من الدول الأوروبية والولايات المتحدة، أنها لن تقبل مطلقاً بالتنازل عن أراضٍ تشكل حوالي خمس مساحة البلاد، وترى أن روسيا تسعى من خلال هذه المطالب إلى فرض أمر واقع جديد بالقوة. وتُظهر الخرائط العسكرية الحديثة التي تنشرها مصادر أوكرانية مستقلة، أن روسيا وسّعت سيطرتها خلال الشهرين الماضيين بمساحة تقدر بحوالي 943 كيلومتراً مربعاً إضافياً، ليرتفع إجمالي مساحة الأراضي التي تسيطر عليها موسكو إلى أكثر من 113 ألف كيلومتر مربع داخل أوكرانيا. وفي ظل هذا الوضع الميداني المعقد، تتزايد المخاوف الدولية من تعثر المسار السياسي وانزلاق الأزمة نحو جولة جديدة من التصعيد الواسع يصعب احتواؤها، في وقت لا يزال المجتمع الدولي يسعى جاهداً لإعادة الطرفين إلى طاولة الحوار. ومع استمرار المعارك وغياب أي مؤشرات حقيقية على تقديم تنازلات من كلا الجانبين، يبقى مستقبل الأزمة مفتوحاً على كافة السيناريوهات، من استئناف المفاوضات بشروط قاسية، إلى استمرار الحرب على المدى الطويل.