الخوف والحظر ايام لا تنسي

قبل ايام ، أهداني الأستاذ عدنان صعيدي الإذاعي السعودي المعروف ، كتابه "الخوف والحظر: أيام لا تُنسى". وبينما كنت أتصفح صفحاته، إجتاحتني ذكريات مؤلمة من تلك الفترة العصيبة التي مررنا بها جميعًا خلال جائحة كورونا. استحضرت أولى الصدمات حين اجتمعنا ذات مساء عند أحد الأصدقاء، وكنا عددًا لا بأس به، وحرص بعضنا وأنا منهم على ارتداء الكمامات. في اليوم التالي جاءت المفاجأة المفجعة، إذ أصيب خمسة من المجموعة بالفيروس، وبعد عشرة أيام توفي اثنان منهم – رحمهم الله – بينما دخل الثلاثة الباقون في حالات حرجة ، ما دفعني للعيش في قلق دائم ، أراقب حاستي الشم والتذوق بشكل متواصل خوفًا من الإصابة لكن رحمة الله كانت تحيط بي .
تذكرت أيضًا حادثة أخرى عندما دعاني الصديق الأستاذ حسن الطيب لحضور اجتماع في أحد فنادق جدة علي الكورنيش
، بحضور الكابتن سعد الشهري. وصلت مبكرًا لأفاجأ بأن المكان خاوٍ ومظلم ، ولا يوجد سوى رجل أمن استوقفني وسألني عن وجهتي. وحين أخبرته بسبب حضوري ، صرخ بي أن أغادر فورًا ، لأن هذا الجناح مخصص للقادمين المشتبه بإصابتهم بكورونا. شعرت برعب هائل وخرجت مسرعًا ولم أذق طعم النوم لثلاث ليالٍ متتالية من شدة الخوف .
هذه الذكريات وغيرها كثير استعدتها وأنا أقرأ كتاب "الخوف والحظر" الذي وجدته شهادة أدبية وتوثيقية صادقة لفترة استثنائية في تاريخ البشرية. بأسلوب إنساني عميق، نقلنا الكاتب عبر تجارب شخصية ومجتمعية إلى قلب الحدث ، مستعرضًا مشاعر العزلة والخوف التي اجتاحت العالم. لكنه لم يكتف بذلك .. بل أضاء على لحظات التأمل والمراجعة الذاتية، وعلى التباين في ردود فعل الناس بين من التزم بالحذر ومن استهان بالخطر، مقدّمًا سردًا يجمع بين العمق الفلسفي والبعد العاطفي .
هذا الكتاب هو مرآة لتلك الأيام التي حفرت في الذاكرة الإنسانية دروسًا مؤلمة وجميلة في آنٍ واحد بلغته الرشيقة وروحه الصادقة التي تنقل القارئ إلى عمق التجربة .
وتُبقي "أيام لا تُنسى" حية في وجداننا .