قبيل المغرب في رمضان زمان ، ينطلق الصغار حاملين معهم أواني محملة بالطعام لتفقد الجيران ومشاركتهم بعض الأطباق المُعدَّة من البيت وكل الطعام يعد في البيت ، فصاحبة البقر تحلب باكراً وتمخض " الحليب " حتى يتحول إلى لبن رائب وهو ما يعرف "بالحقنة" ثم تبدأ بتوزيعه على جاراتها ومن توفر لديها السمك تكثر مرقتها الشهيرة " بمرق الهوى " ثم ترسل بناتها ليطعموا الجيران وهكذا في حركة تبادل سريع قبيل الإفطار فلا تذهب الأيدي الصغار بطعام إلا عادت بمثله في صورة من صور التكافل والتلاحم الجميل في تلك الحقبة الذهبية من الزمن. ومن اللذائذ الشهية حلا النشا والتطلي " المهلبية"التي يتم اعدادها في وقت مبكر ولن أذكر أقراني بتلك اللحظة التي ينتظر فيها الصغار فراغ الأم من افراغ محتويات القدر الساخن من المهلبية في الأطباق الصغيرة والهجوم على ما تبقى في قاع القدر ولعقه بلذة بالغه أو بعبارة أدق " لعطه " وملاحقة بقاياه إلى أخر لعقة أو لعطة . وقد كنت متخصصاً في ذلك ، تحمل بعد ذلك تلك الأطباق لتوضع في مكان مرتفع مثل ذلك الحائط الطيني الساتر فتبقى إلى وقت الإفطار لتبرد وتتماسك . لا ينطلق المدفع الرمضاني الشهير إلا وقد اكتملت السفرة القروية بخيرات من رب العالمين ، في مقدمتها التمر والقطيبة والسمك والعيش الخمير سيد الموقف والبردة وغيرها من الأصناف بحسب ما تفضله بعض الأسر، نظراً لعدم وجود كهرباء وعدم وجود مكبرات الصوت يقوم البعض برفع الأذان من جوار السفرة ليسمعه الجيران ثم ينطلق الأذان من جار بعيد ليصل الصوت إلى الجميع ويبدأ الصائمون الجافة جلودهم من شدة الحرارة والجهد بترطيب حلوقهم واطفاء جوعهم وتنطلق الأدعية بحمد الله تعالى على ما انعم به عليهم . لينتهي بهم الحال مصطفين في صفوف جميلة على بساط من حصير مصنوع من سعف النخل يجدد في رمضان ويرونه فاره واخر جداً . يؤدون صلاتهم ويخرجون لتبدأ جلسة عند باب المسجد العتيق تتبادل فيها أخبار اليوم وتسترجع فيه كافة الأحداث التي دارت خلال النهار . بقلم علي معشي