تخريج 63 متدربًا من أكاديمية نايف بن عبدالعزيز لمكافحة المخدرات    الذهب يواصل خسائره الأسبوعية مع تراجع التوترات الجيوسياسية    «الملك سعود» و«المنتجين».. تعاون فني وثقافي    الاكتتابات في السوق المالية بين تضخم الأسعار وتخمة المعروض    غزة.. مجازر مروّعة وقصفٌ لا يتوقَّف    رونالدو: ولي العهد أهم شخصية مؤثرة في التطور الناجح للمملكة    النصر يعير دوران ويقترب من جيسوس    الهلال يفقد نجمه الأول أمام السيتي    الأخضر السعودي يواجه المكسيك صباح اليوم الأحد    «السجون» تحتفل بالاعتماد الأكاديمي العسكري    المملكة تحارب السموم.. وطن بلا مخدرات    تدريب منتسبي الجهات الحكومية والخاصة على الإنعاش والإسعافات الأولية    13.400 طالب يعززون مهاراتهم العلمية والمعرفية    «الإسلامية» تُنفذ زيارات رقابية في الزلفي ونجران    الترويج للطلاق.. جريمة أمنية    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالتخصصي ينهي معاناة «ثلاثينية» مع نوبات صرع يومية بجراحة نادرة ودقيقة    تجديد اعتماد «سباهي» لمركزي المربع وشبرا    إطلاق مبادرة «توازن وعطاء» في بيئة العمل    اختتام منافسات الجولة الأولى من بطولة السعودية لصعود الهضبة 2025    في ثالث أيامه.. معرض حرس الحدود التوعوي يواصل فعالياته في عسير    وكالة الشؤون النسائية بالمسجد النبوي تُطلق فرصًا تطوعية لتعزيز تجربة الزائرات    ولي العهد صانع المجد وافي الوعد    "الخط السعودي" يتزين في نادي جدة الأدبي    ولي العهد.. الجانب الآخر    إيران مستعدة لاستئناف المحادثات النووية مع أميركا    «مكافحة المخدرات» بتبوك تنظم معرضاً توعوياً للتعريف بأضرارها ومخاطرها    رونالدو لجماهير النصر: البقاء هنا من أجلكم    موجة حارّة تلفح أوروبا    رينارد: المكسيك ليست سهلة    الصبان أكد أن الاختيار كان وفق تنظيم وشفافية .. (35) لاعبًا ولاعبة يمثلون السعودية في بطولة آسيا للتايكوندو بماليزيا    "الغروي" مديرًا لإدارة جودة الخدمات بتعليم جازان    مشروع "واجهة زان البحرية".. يعزز القطاع السياحي والترفيهي والاستثماري بجازان    أمانة منطقة جازان تحقق المركز الثاني على مستوى أمانات المملكة في مؤشر الارتباط الوظيفي    أسواق الطيور تجربة سياحية رائعة لعشاق الحيوانات الأليفة في جازان    تكليف الدكتور مشعل الجريبي مديرًا لمستشفى الملك فهد المركزي بجازان    فعاليات ( لمة فرح 2 ) من البركة الخيرية تحتفي بالناجحين    بلدية فرسان تكرم الاعلامي "الحُمق"    نائب أمير جازان يستقبل رئيس محكمة الاستئناف بالمنطقة    الأمير تركي الفيصل : عام جديد    البدء بتطبيق نظام التأمينات الاجتماعية على اللاعبين والمدربين السعوديين ابتداءً من 1 يوليو    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي، ويناقش تحسين الخدمات والمشاريع التنموية    مفوض الإفتاء بمنطقة جازان يشارك في افتتاح المؤتمر العلمي الثاني    ترامب يحث الكونغرس على "قتل" إذاعة (صوت أمريكا)    لوحات تستلهم جمال الطبيعة الصينية لفنان صيني بمعرض بالرياض واميرات سعوديات يثنين    تخريج أول دفعة من "برنامج التصحيح اللغوي"    أسرة الزواوي تستقبل التعازي في فقيدتهم مريم    الإطاحة ب15 مخالفاً لتهريبهم مخدرات    غروسي: عودة المفتشين لمنشآت إيران النووية ضرورية    وزير الداخلية يعزي الشريف في وفاة والدته    تحسن أسعار النفط والذهب    الخارجية الإيرانية: منشآتنا النووية تعرضت لأضرار جسيمة    تصاعد المعارك بين الجيش و«الدعم».. السودان.. مناطق إستراتيجية تتحول لبؤر اشتباك    حامد مطاوع..رئيس تحرير الندوة في عصرها الذهبي..    استشاري: المورينجا لا تعالج الضغط ولا الكوليسترول    أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الصحة بالمنطقة والمدير التنفيذي لهيئة الصحة العامة بالقطاع الشمالي    من أعلام جازان.. الشيخ الدكتور علي بن محمد عطيف    أقوى كاميرا تكتشف الكون    الهيئة الملكية تطلق حملة "مكة إرث حي" لإبراز القيمة الحضارية والتاريخية للعاصمة المقدسة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(منتهى الأماني) سفر فريد في تاريخ مكة والمدينة والعالم الإسلامي
نشر في البلاد يوم 28 - 02 - 2014

كتاب منتهى الاماني.. في تاريخ مكة والمدينة والعالم الاسلامي "من اوائل العصور واقدم الروايات الى 1344 ه - 1925م" لمؤلفه السلطان غالب بن عوض القطيعي سفر فريد ونادر يتناول بالتفصيل مراحل مهمة من تاريخ اقدس المساجد - المسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة والمسجد الأقصى بالقدس اضافة الى تاريخ منطقتنا حتى العهد الاسلامي في تسلسل عميق ومعلومات غزيرة من مصادر متعددة. وقد تناول المؤلف في الفصل الاول الديار المقدسة منذ اقدم العصور حتى فجر الاسلام بتاريخها واعرافها وحكاياتها حيث جاء في هذا الفصل: إن لفظ الكعبة عند علماء الاصطلاح يعني البناء المقدس المكعب الشكل الموجود في المسجد الحرام في مكة، وهي الجهة التي تقابلها او "القبلة" التي تتجه اليها وتواجهها وجوه وانظار الامة المحمدية في جميع انحاء العالم، تلك الامة العظيمة التي تجاوز تعدادها حالياً المليار نسمة، في جميع مواقيت الصلاة والعبادة ركعاً وسجداً كما امرت بذلك في كتابه العزيز، ولقد قال الله تعالى: "فاذا قضيتم الصلوات فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم فاذا اطمأننتم فاقيموا الصلوات ان الصلوات كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً) النساء : 103. وكما جاء في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بني الاسلام على خمس: شهادة ان لا اله الا الله، وأن محمداً رسول الله، واقام الصلاة، وايتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان" فجعل النبي صلى الله عليه وسلم اداء الصلاة في اوقاتها المحددة ثاني اركان الاسلام بعد شهادة ان لا إله الا الله وان محمداً رسول الله، وخامس هذه الاركان التي امر بها الحج الذي وصفه النبي الكريم بانه "أحد الجهادين". كما ان "الحج اشهر معلومات" وبما ان الاسلام دين يسر لا دين عسر، فبين العلماء والمفسرون ان اسقاط هذه الفريضة بالاولى على من يملك القدرة المالية والبدنية وبعد الايفاء بالالتزامات الدنيوية الضرورية مثل تسديد الديون وما شابهها. ولقد تميزت مكة مع حرمها و"البيت العتيق" (الكعبة)، كما لازالت، بموقع مركزي مهم في تاريخ روايات واعراف هذا الاقليم منذ اقدم العصور تحديداً وليس فقط منذ بزوغ الاسلامن الذي يعني في مفهومه الدقيق، كما هو معلوم، الاستسلام محضاً لارادة الله سبحانه وتعالى. وتزعم مجموعة من الروايات المتوارثة ان "البيت"، والمقصود به الكعبة، يقع مباشرة تحت "البيت المعمور" المعروف ب"بيت الضراح" الكائن تحت عرش الرحمن جل وعلا، الذي تطوف به الملائكة، وبأن "ابو البشر" آدم عليه السلام الذي ينزله الاسلام منزلة الانبياء هو اول من بناه في موقعه على الارض والمبين له بفضل وهداية وتوفيق من خالقه الكريم، وهو اول من صلى فيه وطاف به. وتضيف اليه بعض الروايات الاخرى بأن اول من شيد هيكل ا لبيت الاساسي في موقعه بأمر من الله تعالى هي الملائكة وان آدم عليه السلام صلى فيه وطاف به بعد تأسيسه مستخدماً الحجر الذي سقط من السماء واشتهر لاحقاً تسميته "الحجر الأسود" كركن وكرسي له، علماً بانه عندما ضمه اليه أنساً به، كما "يتلألأ من شدة بياضه وكأنه ياقوتة بيضاء من يواقيت الجنة". ومن ذلك الوقت، والصلاة تقام فيه مع الحفاظ على صيانته والاعتناء به من قبل آدم عليه السلام وذريته، مع الطواف به على طريقة طواف الملائكة تحت العرش الرحماني، وقد استمر ذلك الى ان بعث الله الطوفان العظيم (طوفان نوح عليه السلام)، ومع ذهاب ريح آدم عليه السلام محيت آثار هذا البيت ضمن الدمار الشامل الذي احضره معه ذلك الحدث الجلل، حيث ان الغرف كان نسفه وخفي مكانه. ومما اخبر به انه قد دفن آدم عليه السلام الذي كان التقى بحواء بعد نزولها من الجنة في السهل المعروف اليوم باسم "عرفة" او عرفات والواقع على بعد اميال قليلة من مكة، وبأن مدفنه في كهف في اسفل جبل ابي قبس المطل على وادي مكة، والذي قام بدفنه ابنه شيث وهو شيث الذي تنسب اليه بعض الروايات اعادة تشييد هيكل الكعبة بعد وفاة والده، وذلك بعد بناء الملائكة، ثم ابوه آدم عليه السلام وقبل بناء الخليل ابراهيم عليه السلام الذي كان بعد زمن طويل منه وللمرة "الرابعة"، وهذا اذا كانت تفاصيل هذه الروايات دقيقة ولا ثقة بالقبول كاملة. اما امنا حواء فقد دفنت، عند وفاتها، كما يذكر، بمواقع على شاطئ البحر الاحمر، الذي لازال يحتفل بذكراها ويحمل اسمها، وهو ميناء "جدة" المزدهر اليوم، ولو ان هناك عدة روايات اخرى ايضا حول هذه التسمية وبتفاسير مختلفة، التي تعد اقل شهرة ورواجاً. ومع ذلك، مما يجدر بالذكر هنا ان جدة لم تكن ذات اهمية تذكر حتى قرر الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه في عام (26ه / 647م) بعد زيارة لها وباجماع مع اهالي مكة ان تحل محل "الشعيبة" كميناء لمكة بسبب قربها لها مقارنة بالاخيرة، وابتدأ نجم شهرتها وازدهارها يبرز ويعلو الى ان وصل الى ما وصل اليه اليوم. وأما سبب تسمية مكة، فيربط صاحب "معجم البلدان" ياقوت الحموي المتوفى سنة (626ه / 1229م) بين هذا الاسم وطائر يدعي "مكاء" ابيض اللون وبتصفير، مع الزعيم بأن عرب الجاهلية لا يعتبرون اكمال مناسك حجهم على الوجه المطلوب الا بعد تصفيرهم مثل هذا الطائر امام الكعبة عند وصولهم اليها والطواف بها. فان هناك تفسير آخر ضمن غيره لاسم مكة الذي كان يسمى "بكة" ايضا وهو يعد احد اسماء مكة التليدة, وبينما ان هذا الاسم يشير الى الموقع الذي فيه "البيت العتيق"، كما ان الاسم الاول المنذكور "مكة" يعد شاملا ويتضمن كلا من المدينة والحرم بما فيه "البيت". ثم هناك من يزعم ايضا بأن الشرح بالنسبة لمفهوم هذين الاسمين يجب ان يكون عكس ما سلف. كما يوجد من يعتقد بأن لفظ "بكة" اشارة تجاه المحيط المزدحم من الرجال والنساء الذين يتجمعون بحرية وامان في هذا الوادي الضيق بين الجبلين لتأدية مناسكه، وبالذات في الحرم ولدى الطواف ب"البيت" في حشد متباكين باقدامهم بعضهم بعضاً من قصد قصد. ولقد قبل ايضا بأن السبب لاطلاق هذه التسمية يتكامن فيما تفعله باعناق الخاصة والعامة، لانها تبك اعناق الجبابرة كما تبك الرجال والنساء. ومن اسماء مكة ايضا والتي تعتبر اقل شهرة "أم رُحم" وِ"صلاح" و"كوتي" و"الباسة" و"الحاطمة" وايضا "أم القرى" (اي ام المدن) ويحوي هذا الاسم الاخير اشارة واضحة لدور مكة الديني والثقافي والتجاري، وهناك اسماء اخرى مثل "القرية القديمة" والذي ينطبق على مكة والكعبة معاً. هذا، وهناك ايضا اسماء خاصة بالكعبة بحالها، ومنها "قادس" (المكان المقدس)، و"ناذر" (أي المحذر وايضاً الواهب) و"نادر" (اي فريد ومتميز) و"بنية ابراهيم" (بناء ابراهيم) و"الدوار" (اي نقطة الطواف بها). واشهر هذه الاسماء "البيت الحرام". ويستعرض المؤلف في الفصل الثاني عصر النبي محمد عليه وعلى آله اتم الصلاة والتسليم حيث يقول: يعتبر من الضروري ادخال بعض فصول مختصرة على الاقل، والتي تلي في هذا السرد، من سيرة وحياة وانجازات هذا الرسول العربي الامي، الذي اختاره الرحمن الرحيم ليخاطبه في كتابه العزيز على هذا النحو: (وما ارسلناك الا رحمة للعالمين) الانبياء: 107، مؤكداً له بذلك عن مبعثه وعن تلك الصفة المتميزة التي عليه ان يقتدي بها كنبي في تعامله مع الناس، وهي الرحمة، كما عن نوعية الرسالة التي كلف بابلاغها، والقصد والهدف الرباني منها، وهو بالاول ابداء رحمته غير المتنامية للعالمين من خلالها عبر نشر وعي الهداية. وعن هذا النبي الامي الذي اصبح قادراً على القراءة في ليلة حين اكد له ايضا بنبوته وبمبعثه رسولاً من الله للعالمين، فلقد كان حصل ذلك كما سلف ذكر بعضه، وهو في الاربعين في العمر ومتحنت في غار حراء على جبل ثور في شهر رمضان، وفقاً لعادته. ولقد لقبت هذه الليلة المباركة في القرآن الكريم وفقاً للآية الاولى من سورة رقم (97) المسماة "القدر" بليلة "القدر". واما عن النبي الامي محمد صلى الله عليه وسلم (صاحب الاسم الذي يشير الى من قد يحمل او جدير بأن يثنى عليه) الذي اختاره الله في غر عنايته ان يبعثه "رحمة للعالمين"، ما يورده القول الكريم في شأنه: "وانك لعلى خلق عظيم" القلم: 4. واما عن حياته وطبعه وسلوكه، فتروي ام المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، بانه "كان خلقه القرآن"، والمقصود به طبعاً ترجمة دقيقة لتعاليمه في السيرة والسلوك من جميع النواحي. وهذا بينما النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير الى نفسه احيانا ببعض الاسماء والالقاب، منها: "الماحي" (وهو الذي يمحو الله به الكفر) و"الحاشر" (وهو الذي بخطوته المباركة الى الامام سوف تحشر به الانام)، و"العاقب" (وهو الذي لن يعقبه شيء) و"نبي التوبة" و"نبي الرحمة" كما ان هناك العديد من الاسماء والالقاب والصفات الاخرى التي تستخدم في اشارات اليه، وهي تزيد على المائة. وفي الفصل الثالث يركز المؤلف بشيء من التفصيل على عصر دولة بني امية وما مر بها من احداث فيقول: تولى بنو امية مقاليد شؤون الحكم في العالم الاسلامي بعد تنازل الحسن بن علي ابن ابي طالب رضي الله عنه لصالح معاوية بن ابي سفيان رضي الله عنه حقنا للدماء في سنة 41ه (661م) كما سلف الذكر، وانتقل معه عبء جميع المسؤوليات والالتزامات الرسمية والاجتماعية المتعلقة بعاصمة دولة مثل هذا الكيان الشاسع المترامي الاطراف، مع اختلافات بين شعوبها في الجنس واللغة والمقومات الحضارية الاخرى الى دمشق، تلك الدينة الجميلة والعتيقة التي كانت آنذاك مقراً لحكم معاوية رضي الله عنه بصفته أميراً عليها. وكانت نتيجتها العديد من الثورات ضد توليته ثم سلطته في اماكن عديدة، وعلى رأسها المدينة المنورة ومكة المكرمة، وذلك طوال فترة حكمه الممتدة من عام 60ه (680م) الى 64ه (684م)، مع العلم ان اسلوب ترشيح واخذ البيعة ليزيد من قبل ابيه كان قد جعل من الخلافة الاسلامية ملكاً وراثياً. وفي مكة ثار عبدالله بن الزبير ابن العوام رضي الله عنه. اما عن ابنه المذكور هذا - عبدالله - فكان له اليد الطولى بمشاركة عبدالله بن سعد بن ابي سرح رضي الله عنه (المتوفى سنة 37ه / 657م) في الفتوحات في افريقيا، وهو الذي اختاره الناس في مكة والمدينة للمبايعة، عناداً ليزيد كخليفة على الامة. وبعد ذلك، بدأت محاصرة ديار تابعة لبني امية ونفي من ينتمي اليهم او يواليهم. وعند ذلك، ارسل هؤلاء نداءاتهم الملحة الى يزيد في دمشق بالاستغاثة، ولم يلبث حفيد ابي سفيان هذا طويلاً من الرد عليها بالعمل الفوري وارسال جيش عرعرم لنصرة ربعه. اما الفصل الرابع فقد خصص لعصري الدولتين العباسية والفاطمية من عام 132ه حتى 656ه وعن ولادة الدولة العباسية قال: لم تكن ولادة هذه الدولة واستمرارية حكمها دون وعكات وتحديات من جهات مختلفة، وبالذات من العلويين الذين احسوا بانهم قد خدعوا من قبل بني عمهم العباسيين الذين استغلوا نفوذهم للوصول الى غايتهم السياسية، ثم تنكروا لهم وحاربوهم اشد محاربة، تزداد حدتها تارة وتنخفض تارة. ثم هناك قصة ذلك السليل من بني امية، عبدالرحمن بن معاوية بن هشام، الذي استطاع ان ينجو من المجازر التي وقعت في صفوف الامويين، واتباعهم وكانت ضمن ابرز سمات اعلان العباسيين عن وصولهمن للحكم. فلقد كان وصل المذكور بعد العديد من المغامرات على مدى ست سنوات الى الاندلس في عام 138ه (755م) والجواسيس والخيل تطارده منذ البدء من الفرات في الشرق الى ان انتصر على والي الاندلس يوسف بن عبدالرحمن الفهري في الغرب، حيث دخل قرطبة وبنى فيها قصراً ومسجداً، تاركاً الخطبة للعباسيين الى ان اطمأن من قوته ووضعه، ثم قطعها معلناً بذلك استقلاله. وفي الفصل الخامس يتحدث المؤلف عن عصر دولتي المماليك بقوله: اجتياح دار الخلافة العباسية على يدي المغول، نتج عنه مقتل مليون شخص، وعلى رأسهم الخليفة العباسي المستعصم، الذي لم يترك له ولا لقبره اثر. وكما يتوقع، فلقد كان لهذه الكوارث السماوية او الارضية من صنع الانسان ابلغ الاثر في اضعاف عزيمة ومعنويات الامة الاسلامية، وفي غمر حكوماتها وولاة امورها باحساس من الذل وحالة من اليأس والخمول لم يسبق لهما مثيل لغاية تلك الفترة. وبينما الامة كانت مبتلية بهذه الاحاسيس وتتصارع معها وتبحث عن اجابات لمسائلها والوسائل للخروج من مآزقها، لقد ظهر على مسرح
الاحداث ولو بشيء من التأخير، مجموعة من جنود محترفين من مماليك السلاطين، وبالذات في مصر والشام، لصد الثغرة وتعبئة الفراغ العسكري وتغطية الحاجة الملحة امام الزحف المغولي الوحشي الذي بدأ يهدد دول غرب الاسلام بعد نجاحه الكبير والسهل في الاستيلاء على دياره الشرقية. وكان ذلك تحت قيادة سلطان مصر، المظفر سيف الدين قطز الذي كان استلم زمام الملك في 657ه (1259م) ليحكم سنة، واعانه في مجهوده العسكري خلال تلك الفترة مملوك من "البحرية" يسمى بيبرس، الذي قدر الله ان يكون خلفه في الحكم ايضا. ومقارنة بالسلاطين من المماليك "البرجية" الذين تلوا السلاطين "البحرية" في الحكم في هذه الديار التي هي مصر والشام وما جاورهما بما فيها الحجاز، فيقدر المؤرخ المستشرق "لين - بول" (lane - poole) الذي يشتهر في التاريخ بسبب ترتيبه الشامل لقوائم الاسر الاسلامية الحاكمة ضمن تأليف كتب تاريخية عديدة اخرى، بأن مدة حكم سلالتهم تصل من سنة 648ه (1250م) الى عام 790ه (1390م) - والتي هي مائة واربعة واربعون عام قمري (ومائة واربعون عام شمسي) بالتقريب. ولقد ارتقى خلالها الى العرش ستة وعشرون مرشحاً، وذلك ثلاثون مرة. ولم يغفل المؤلف ما خطه الرحالة في تدويناتهم عن رموز من الحياة والحضارة في المدينتين المقدستين حيث قال: وفقاً لما يفهم عموماً، ان تدوينات الرحالة تشكل مصدراً صاخباً ومهماً لمن اراد ان يتعمق في البحث والتدقيق من خلال صور الحياة الاجتماعية كما كانت تنبض على الطبيعة الحقيقية في المجتمع المعني في العقود والدهور الغابرة، وايضا تلقي الضوء على بعض الجوانب منها التي قد يتجاهلها المؤرخ. وكما قد يتوقع، فهناك العديد من الرحالة لاذين زاروا الديار المقدسة عبر الازمنة وتركوا انطباعاتهم عن جوانب مختلفة من الحياة والحج وما زاروا وشاهدوا من اماكن وكيف وجدوا اهاليها. ولقد سبقت الاشارة الى بعض منهم ايضا. ومن هذه المجموعة من الرحالة الذين تشرفوا في حياتهم باسقاط فريضة الحج وكتبوا عن حجهم ومشاهداتهم وتجاربهم ومحنهم، ووصفوا الرحلة الى المدينتين المقدستين ومشاعرها الدينية، تم اختيار ثلاثة منهم هنا لتقديم اقتباسات من كتاباتهم الخاصة بجوانب مختلفة من الحج والزيارة الى المدينة مع ما شاهدوا، والتجارب التي مروا بها. ومن المهم الافادة هنا ان كلا من الرحالة الثلاثة المختارين لهذا الغرض كانوا علماء بارعين، مارسوا مهاماً بارزة وباستحسان في حياتهم، وهؤلاء ناصر خسرو (الذي ولد عام 394ه /1003م وتوفي سنة 442ه/ 1050م)، وكتب عن رحلاته باللغة الفارسية، وابن جبير (المولود عام 539ه/ 1144م والمتوفى سنة 614ه / 1217م) وابن بطوطو (الذي ولد سنة 704ه/ 1307م وتوفي عام 779ه/ 1377م). اما الفصل السابع والاخير فقد خصصه للبحث في احوال مكة المكرمة والمدينة المنورة والقرون العثمانية الاولى فقال: مثل العديد من الاسر والسلالات الحاكمة، ان اصول السلالة العثمانية، وتاريخها المبكر يكتنفهما شيء من الغموض، وعلى سبيل المثال، فيروي المؤرخ المصري الشهير والمعاصر للفترة الاخيرة من عصر دولة المماليك، وهو محمد بن اياس (المتوفى عام 930ه/ 1524م) ان مؤسس هذه السلالة الذي ينتمي اساسا الى وادي الصفراء على مقربة من المدينة المنورة، كان قد هاجر منه الى منطقة القرامانلي من بلاد الاتراك بحثا عن فرص لتحسين وضعه، حيث عمل تحت اميرهم الذي كان يتمتع آنذاك بالتبعية لدولة السلاجقة. ومع المعاشرة له في وسط قبيلته، اكتسب المذكور لغتهم وطرق واساليب عشرتهم وحياتهم ايضا. هذا، ويذهب الطبري المكي (المتوفى في 1173ه/ 1759م) وهو احد مؤرخي مكة البارزين الى ترتيب شجرة نسب له تعود به الى يافث ابن نوحن بينما هناك آخرون ايضا من علماء الانساب الذين يستخدمون بعض ما ذكره ابن اياس للذهاب الى الزعم ان نسب العثمانيين يعود الى الخليفة الراشد الثالث عثمان ابن عفان رضي الله عنه، وغيرهم الذين يبنون نظريتهم على جزء من هذه المعلومات الوافرة والخاصة بالموضوع التي استعرضها ابن اياس، ويصلون الى الاستنتاج الى آل عثمان ينتسبون الى القائد العباسي العسكري الكبير عبدالرحمن "ابي مسلم" الخراساني (المتوفى سنة 137ه/ 755م)، احد مؤسسي الدولة العباسية، وهو الذي كان يقول فيه الخليفة العباسي المأمون بن الرشيد: "أجل ملوك الارض ثلاثة، وهم الذين قاموا بنقل الدول وتحويلها: الاسكندر، اردشير، وابو مسلم الخراساني" وأما المؤرخون الاتراك، فاغلبهم يربطون نسب هذه السلالة الفريدة الى قبائل تركية مختلفة، وبالذات الى التي لها انتماء بمجموعة قبائل الغز. انما بصرف النظر عن كل هذه النظريات عن اصول آل عثمان في الازمنة الاولى، فالامر الذي ليس فيه مجال للشك وينال وموفقة كل من هذه الاطراف هو انتساب هذه السلالة الى جد مشترك يسمى "عثمان" الذي عاش خلال القرن السابع والثامن للهجرة (الثالث عشر والرابع عشر الميلادي) في اطار ورقابة التاريخ بالتقريب، وتوفي عام 726ه (1325م).

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.