في ذلك الزمان أو الماضي عندما كان لبنان " منتجعاً " عربياً يجد تحت ظلاله - المتعبون - من العرب الفيء المريح ..وعلى شواطئ بحره يبنون بيوتاً تمثل حلماً جميلاً ..تكسرها ..موجة غاضبة في لحظة ..ومن على جباله يرددون صدى الميجانا ..و " الأوف " وعلى مسارحه يتابعون " دبكة " ذلك الفنان الواقف خلف " شاربه الكَثّ " وهو يتلوى بجسمه النحيل ..وهو يصرخ بأعلى صوته " أخ يا بلدنا " كان حسن علاء الدين " شوشو " على مسرحه ذلك يقدم وصفة يومية لحالة " بلده " في وسط بيروت فيردد صداه بائع " الفلافل " في ساحة البرج ..أو تضيع صرخاته في تضاعيف ضحكات أولئك الذين سرقهم " الزمان " في غفلة منهم .. وعلى مقاهيه المنتشرة في زوايا شوارعه المليئة بكل صخب الحياة يتهامس أولئك الهاربون من سطوة أنظمتهم ..عن أحوال بلدانهم ..وأخبار أنظمتهم فيعرفون أدق التفاصيل وبشكل أوضح قبل أن يعرفها أحد غيرهم ، ومن تحت عرائش " بساتينه " يجدون راحتهم وهدوءهم ..لبنان بكل هذا الزخم المسكون في عيون صباياه ..وفي حركة شبابه وهم يمارسون دبكتهم ..وبذلك الوهج الذي كان يشع من على الأطراف ومن بين شجر الأرز بدأ يتحسس حاضره بقليل من الهدوء وبكثير من التصميم ، ذلك التصميم الذي وضح في هذا الإصرار على البناء ..وعلى ارتفاع ذلك الصرح اللبناني الذي كان دائماً هو الفنار العربي الاصيل .