إننا نعيش بلا شك في عصر مزاجي متقلب صعب في أيامه، ولكن كل هذه الصعوبة والمزاجية والتقلبات ينبغي أن تسقط تمامًا على أسوار عالمنا الداخلي الجميل. جدّ السير نحو أهدافك وابتسم للحياة، وتقدم واستعن بالله، وكن نقي السريرة ، عميق الفكر، وانظر كيف ستكون السعادة حليفك!! إن جمال الروح ونظافة الشعور وألق الداخل هو الحصن المتين الذي ينبغي ألا تخترقه عواصف الأيام ومصاعب الحياة. إن السعادة الحقيقية أن تبقى شامخًا لا تنكسر أمام جروح الدهر وآلامه، وألا تشعر بالأسى والحزن يقعد بهمتك. تحرك على بصيرة، وخذ جرعات متتالية من الأمل بالله، واليقين بما يهبه لك من عون، ما دمت أنت صادق النفس والسريرة، تسعى إلى خير نفسك والآخرين معك، وحاذر أن تكون رجل الوجدان والذكريات الماضية، عش حياتك مهتمًا بها لا مغتمًا، واسكب في يقينك معاني الأمل والود والطيبة. إن شريط الحياة والذكريات هي تجارب علينا أن نستفيد منها دون أن تعكر صفاء داخلنا. علينا ألا نلوم أحدًا ولا نعلق آمالنا وأفراحنا على أحد.. انظر إلى نفسك أولاً وأخيرًا ولا تراقب أحدًا، وتوكل على ربك. أن أعيش هانئًا يعني أنني استطعت أن أتوازن في حياتي وأحقق المعادلة الصعبة صلحًا مع الذات وسلامة في العلاقات.. ولكن السؤال الذي يقفز دائمًا إلى الذهن، ويبقى يحفر مجراه في تضاريس أعمارنا، وفي ساعاتنا اليومية: متى نظفر بالسعادة وتدوم علاقتنا بها؟ إن تصوراتنا عن تحقيق هناءة العيش قاصرة، ونحن غالبًا ما نحاول تحقيقها بصور ناقصة غير كاملة. التجارب علمتنا أن السعادة لا تشترى بالمال، فهي ليست في سيارة فارهة، ولا في قصر مشيد ولا في نفوذ متسلط ولا في.. إنها منك.. من داخلك! دواؤك فيك وما تبصر وداؤك منك وما تشعر إن الكائن الإنساني الذي يتميز بالاتزان الداخلي والوقار والرصانة هو الإنسان الممتلئ الذي يعيش هانئًا. ولا نقصد بالامتلاء الشبع والسمنة، بل الامتلاء هو طيب النفس، وغنى الروح وصدق الشعور، وحساسية الضمير، وتجنب أذى الناس، والحرص على سلامة النفس والمحيط، وقبل كل هذا رضا ربنا سبحانه. لعل البحث عن السعادة هو القاسم المشترك الأول في حياة البشرية وفي اهتمامات الإنسانية جمعاء، وهو أحجية محيرة حقًا. فتش كثيرون عن حل لهذا اللغز والسر المشوق، وخاض بعضهم في سبيل تحقيق ما يظنون أنه إسعاد لهم مخاطر وأزمات وحروبًا وقتلاً وإيذاء لأناس آخرين. وفي النهاية جلس هؤلاء ليجدوا أن ما بحثوا عنه هو سراب، وأن ما كانوا يظنون سعادتهم به لم يتحقق! بل إن بعضهم وقعوا في رحلة محاسبة النفس وجلدها وقهر مشاعر الأسى والحزن والتفريط التي تغزو أقطار روحهم فتجففها، وتبعث فيها معاني الوحشة والقلق على ما ارتكبوا من أخطاء في حق الآخرين إرضاء لهواهم وظنًا أنها سعادتهم. ويبدأ هؤلاء في تصورات وتأملات جديدة ورحلة شاقة رصدًا لذلك الأمل والأحجية الكبيرة وبحثًا جديدًا عن السعادة. إن الطريق الموجز للوصول إلى السعادة لا بد له من حركتين متوازيتين: أولاهما: حركة نحو تنضير الداخل، وتهوية الوجدان وتعريضه لأشعة المحبة والإيمان، وهذه الحركة خير معين على السكون النفسي والاستقرار المعنوي. إن الإنسان الذي يعي عقله معنى رقابة الله عز وجل، ويستحضر قربه ويأنس به ويستشعر صحبة الله ووده ويرقب معيته، كذلك الذي يلحظ معاني القدوة الشريفة في المربي محمد صلى الله عليه وسلم، ذلك النبي البشري الرائع الجميل السعيد الذي قرب إلى الأذهان والأرواح أسمى مظاهر الصلة الإيجابية بالله وبالكون وبالحياة وبالإنسان وتحققت السعادة فيه وفيمن حوله. إن من يستحضر هذه الحركة الداخلية لن تصيب شظية من شظايا البؤس روحه ونفسه، وهو الإنسان السعيد حقًا. إنه لا يرسم في حياته إلا لوحة من الصدق النبيل ورحلة من الإيجابية والخير والمتناهي مع أسرار الكون. الحركة الثانية: نحو الآخرين، وهي أن يلتزم من خلال حركته هذه بمعايير التقوى والخلق والقواعد القرآنية الإنسانية. وليس مقصودنا منه أن يلتزم المرء شارة أو حلية ما ليدل على صلاحه أو إصلاحه، بل هي يقظة أخلاقية تلاحق صاحبها ومسؤولية كبيرة في نقل كل تلك القيم التي يؤمن بها من حيز التصور إلى السلوك المعاش صدقًا وعدلاً وخدمة وإتقانًا وإبداعًا. إن البشرية عذبت نفسها مرات ومرات، واختبرت أنواعًا كثيرة لتحقيق معاني السعادة، ولكنها ما زالت تبحث وتبحث }ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى{ (سورة طه 124). إن من لم يصادق نفسه ويعرف حقيقتها ويتسابق معها في ميادين الخير وفي دروب الدنيا فضيلة وإيجابية وصناعة للحياة وإبداعًا وإنتاجًا وخيرية لن يكون مسرورًا ولو ملك أموال العالم بأكمله، كذلك من لم تقم علاقاته مع بني جنسه على مبادئ وقيم وسلوك وأخلاق فسوف يكون متوترًا قلقًا. إن الاكتفاء الذاتي والقناعة العقلية والحب للناس هي مفاتيح السعادة والهناءة.. اخرج من قناعتك الموهومة، واعرف الكثير من الحكم والاستنتاجات العظيمة في هذه الرسالة، وقم برياضة فكرية وتربية وجدانية وسوف تجد تغييرًا كبيرًا في حياتك.. حاول أن تدخل إلى غار حراء، إنه عالم جميل، تُرى هل سألت نفسك: كيف كان عالم غار حراء؟ إنه جلوس إلى الذات.. تفكر وتدبر.. تخلية وتحلية.. تأمل ومناجاة.. شفقة وإذكاء عاطفة.. تنمية عزيمة ووقدة روح وسعادة لا يقاربها سعادة. موسي بن ضيف الله المطرفي