الدولار يستقر قبيل تقريرين عن التضخم في أمريكا    جلسة طارئة لمجلس الأمن اليوم    أمير المدينة المنورة يتسلّم التقرير الختامي لتوصيات الحلقة النقاشية والمناقشات العلمية حول المزارع الوقفية    الخطاب الملكي وثيقة وطنية ترسم سياسة المملكة الداخلية والخارجية    أمير منطقة القصيم يزور المعرض التفاعلي "روايتنا السعودية"    المختبر المتنقل.. نقلة نوعية لتعزيز أعمال التشجير ومكافحة التصحر    نيابة عن خادم الحرمين.. ولي العهد يُلقي الخطاب الملكي السنوي لافتتاح أعمال الشورى اليوم    المملكة تدين استمرار الانتهاكات الإسرائيلية في سورية    كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025 يسجّل أرقاما قياسية ويستقطب ملايين المشاهدين حول العالم    ولي العهد وملك الأردن يؤكدان الوقوف بجانب قطر    إدانة تصريحات رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي حيال تهجير الفلسطينيين    محمية الإمام تركي تُشارك في معرض كتارا الدولي    "التخصصي" يفتتح جناح الأعصاب الذكي    "الملك سعود الطبية" تطلق خدمة تخطيط القلب لمرضى الرعاية المنزلية    عيادة متنقلة بالذكاء الاصطناعي للكشف عن اعتلال الشبكية الناتج عن السكري    أكد اتخاذ كافة الإجراءات القانونية لمواجهته.. رئيس وزراء قطر: العدوان الإسرائيلي «إرهاب دولة»    «حقيبة الرفاة».. جريمة هزت العالم    إنفاذاً لأمر خادم الحرمين بناء على ما رفعه ولي العهد.. نائب أمير الرياض يسلم وسام الملك عبدالعزيز للدلبحي    إطلاق خدمة «بلاغ بيئي» بتطبيق توكلنا    نونو سانتو أول الراحلين في الموسم الجديد بإنجلترا    «براق» تحقق ثاني كؤوس مهرجان ولي العهد للهجن للسعودية    كلنا خلف الأخضر للمونديال    رئيس موانئ يزور جازان للصناعات    رقابة مشددة على نقل السكراب    التعثر الدراسي .. كلفة نفسية واقتصادية    برئاسة ولي العهد.. مجلس الوزراء يوافق على تنظيم المركز الوطني لسلامة النقل    إنتاج أول فيلم رسوم بالذكاء الاصطناعي    8 مشروعات فنية تدعم «منح العلا»    يسرا تستعد لعرض فيلم «الست لما»    اليابان.. استئجار المرعبين لحل المشاكل    السلمي: خارطة طريق لسياسة المملكة الداخلية والخارجية    المطيري: الخطاب الملكي يجسد دعم القيادة للتنمية المستدامة    المملكة تدين وتستنكر الاعتداء الغاشم والانتهاك السافر لسيادة قطر.. إسرائيل تستهدف وفد حماس في الدوحة    أهمية إدراج فحص المخدرات والأمراض النفسية قبل الزواج    القبض على مروّج للقات    قطر تبلغ مجلس الأمن الدولي بأنها لن تتسامح مع «السلوك الإسرائيلي المتهور»    الاتفاق يجهز ديبملي    رجوع المركبة للخلف أكثر من 20 مترًا مخالفة    تاريخ وتراث    شراكة سعودية - صينية في صناعة المحتوى الإبداعي بين «مانجا» للإنتاج و«بيلي بيلي»    منح العلا    إدانة سعودية وولي العهد يهاتف أميرها.. الإرهاب الإسرائيلي يضرب قطر    الاثنين انتهاء حظر العمل تحت أشعة الشمس    اكتمال وصول الوفد الكشفي السعودي للمشاركة في الجامبوري العالمي للكشاف المسلم بجاكرتا    رسالة من رونالدو إلى أوتافيو بعد رحيله عن النصر    نائب أمير تبوك يستقبل مساعد وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية للخدمات المشتركة    بي أيه إي سيستمز تستعرض أحدث ابتكاراتها في معرض DSEI 2025    تعزيز الابتكار في خدمات الإعاشة لضيوف الرحمن    استشهاد رجل أمن قطري في الهجوم الإسرائيلي على الدوحة    ‏أمير جازان يطّلع على التقرير السنوي لأعمال الجوازات بالمنطقة    أمير المدينة يفتتح ملتقى "جسور التواصل"    ولي العهد يلقي الخطاب الملكي في مجلس الشورى غدا    فييرا: "السعودية مركز عالمي للرياضات القتالية"    دواء جديد يعيد الأمل لمرضى سرطان الرئة    عندما يكون الاعتدال تهمة    إصبع القمر.. وضياع البصر في حضرة العدم    كيف تميز بين النصيحة المنقذة والمدمرة؟    صحن الطواف والهندسة الذكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من خرَمان…إلى زرَمان (2-2)
نشر في تواصل يوم 27 - 03 - 2013

مكثت في زرمان أسبوعا، فكأنما فجرت من الأرض ينبوعا، وحضرت مجلس الناصر بن عبيد الله، ولما رآني سألني: من أين الفتى؟ قلت: من خرَمان، قال: وكيف أحوال أهلها؟ قلت: بفضل من الله، لولا ما فيها من تعظيم السِّفْلة، واتخاذها العدو قبلة، رفع التصهين فيها عقيرته، ونشر بعد التكتم سريرته، مستعيناً برقاع وأقنية، بعد أن كان حبيس الأقبية، قال: وما شأن أهل الفضل؟ قلت: أشتات، وكثير منهم باع العلم بفتات، وهنا أطرق الوالي، ثم رفع رأسه وقال: هو جلد الفاجر وعجز الثقة، تلك لعمر الله الموبقة، لكأن الفقر أناخ بينكم رحاله، فما ثم إلا اليأس والبطالة، قلت: هو ما تقول، لقد بلغ الأمر ببعضنا أن جهّز رَمسه، وأحرق نفسه، فوجم الوالي قليلاً، ثم أنشدني هذه الأبيات:
ينالُ النصرَ من يفدي بلادهْ
ويطمحُ أن تكون لها الريادة
فكونوا في دروب الحق صفاً
سلاحكم التلطفُ والإرادة
وما خاب الذي يمضي بعزمٍ
وإيمانٍ له التصميمُ عادة
يغني للذرى الشماء: صبراً
فما بعد المخاض سوى الولادة
قال سهم بن كنانة: ونزلت كلمات الوالي على صدري كالمطر، كأنما طعمت بها أطايب الثمر، وخرجت من مجلسه وأنا سعيد، كأنني في يوم عيد، وعلمت فيما بعد أن رعيته انتخبوه، وما ذلك إلا لأنهم أحبوه، وجاء يوم الجمعة، فانطلقت مسرعاً إلى الجامع، وقلبي متلهف ولحظي دامع، وتبوأت مكاني في أول صف، آملاً ألا يفوتني من الخطبة حرف، ودخل الخطيب، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي وصاحبيه، ثم قال:
هل أتاكم نبأ الشبكة، وما فجرت في أذهاننا من ملَكة، وبعثت في أوصالنا من حركة، ونشرت على الآفاق من بركة، فأصبح الناس يعيشون في قرية، هي والله حقيقة لا فرية؟ سمِّ أي مشروع أو فكرة، تجد التفاصيل أمامك بنقرة، ثم سرِّح طرفك في هذا البحر، الذي في أحشائه يكمن الدر، أستاذنا العلاّمة، وإمامنا الفهّامة، الذي اشتهر بين الناس اسمُه، وتألق في الشاشات رسمُه، وطاب لنا في بحره العومْ، وليس علينا في ذلك لومْ، هل تعرفونه يا قوم؟
قال سهم بن كنانة: فهممتُ أن أجيب لولا ما أعرف من حرمة الكلام، في ذلك المقام، حتى لو كان إشارة بالسلام، لكنه أردف على الفور: استفتوا في شأنه المريخ، واستنطقوا فم التاريخ، سائلوا الغواص عن صدفاته، وتأملوا الأمجاد من شرفاته، ما خاب والله من استشاره، وما ندم من وضع عليه الفارة، أصبح في صفحة الزمان عنوانا، وما يطيق امريء عنه سلوانا، ما أخالكم إلا تعرفونه، وتحفظون أيقونته وتحبونه، إنه العزيز غوغل، وإذا كان القوم يقولون: غوغلها، فنحن نقول: قلقلها، قلقلها، والذي نفسي بيده، إن المعرفة لتتدفق بين أنامله، وتنتشر فوق خمائله، ألا ترونه يغدق على الباحث من روائعه، ويلقمُه حلو مراضعه، ولا يحرِّف الكلم عن مواضعه، يهديك إن ضللتَ السبيل، ولا يميل حيث تميل، ويفتح أمامك الأبواب، فأنت في محيطاته جوّاب، وإذا بك تحمل بين يديك ألف سمكة، وما تنقص إلا لتزيد الشبكة، فسبحان من غمرنا بهداياه، وآتانا من كل ما سألناه، ويسَّر في هذه القرية الإبحار، وقرب لنا في أعماقها المحار، لا نتيه عنها ولا نحار.
قال سهم بن كنانة: ثم همز الخطيب آلة تحكم في يده، فما راعني إلا شاشة كبرى تومض في صدر الجامع، وقد توسطها شيخنا غوغل بلونه الفاقع، فوالله لوددتُ حينها لو احتضنت هامته، وقبّلت علامته، ثم أردف الخطيب: لكن حذار من وضع كل بيضكم في سلته، فربما ألهاكم عن الكتاب ومتعته، وغوغل على جلالة قدره، ورحابة صدره، لا يمكنه أن يستأثر بنقل المعارف، من كل تليد وطارف، وإنما يكون التنقيب في بطون الكتب، وبها يبلغ العالِم أسمى الرتب، فالله الله في تنويع المصادر، والحرص على تلقيط النوادر، وإن كان قوم قد جعلوا غوغل نبيا، فإنه ربما سطّحهم وجعل تفكيرهم غبيا، والعاقل من نزل إلى العمق، وأوغل برفق، مستخرجاً من الأدب أبدعه، ومن الكلم أروعه، ومن حُرم جوامع القول، فلا حول له ولا طول، فاشكروا الله على نعمه، وتجنبوا أسباب نقمه، وسخروا التقانة لمرضاته، فإنما عمل المرء بنياته.
قال سهم بن كنانة: وجلس الخطيب هنيهة، ثم قام فقال: ولا يقف العجب عند غوغل، فهذا كتاب الفيس، وحكايات ليلى وقيس، وما يفضي به الصديقان من بوح، كحميمين تحت أغصان دوح، وأمور لا نحصيها، وأسرار لا نبديها، وهذا هو صاحبه تويتر، يتبع الناس خطاه ويمضون حيث أمر، والحق أن هذا البلبل قد شغل الناس، وملك الإحساس، ونشر حرية التعبير، كما ينتشر في الأفق العبير. ثم أنشد:
تويتر للهدى بابُ.. وبستانٌ ومحرابُ
به الأفكارُ عابقة..فأزهارٌ وأطيابُ
وكلُّ الناس تقصده..وسحرُ القول خلاّبُ
فمكلومُ الفؤادِ به..ومندفعٌ وهيّابُ
ومنتفضٌ ومنبطحٌ..وداعية ونصّابُ
ورتويتٌ من الآراءِ..دارتْ منه أكوابُ
على إيقاعه شُرِبتْ..بكل الزهو أنخابُ
وسكت الخطيب لحظات وهو يجيل بصره في وجوهنا…
ثم أكمل بنبرة هادئة:
وإن عبس الدجى يوماً..وكشّر للأذى نابُ
ورامك فوق أغصان الحقول الخضْر إرهابُ
فدونك حجبُ طلته…فللعظماءِ حُجّابُ
وتابع من روايتُه..كروضِ الودْقِ مِعشابُ
كأن لحونَه فيروزُ..إذ تشدو وزريابُ
ولا ضيرٌ ولا قدحٌ..ولا لومٌ وإغضابُ
إذا يومٌ من الأيام..لمْ يعجبْك كَتّابُ
فلمْ تتبعْ خواطرَه..وشأنُ الحبِّ غلاّبُ
وإنَّ تويترَ الميمون..سوّاحٌ وجوّابُ
يبشّرُ فيه صِدِّيقٌ..ويلغو فيه كذَّابُ
ويصدحُ في منابره…مشاهيرٌ وأغرابُ
ومن عجبٍ يعلِّمنا بأن الناسَ أسرابُ
فمَنْ منهاجُه عدلٌ..ومَن تشريعُه غابُ
وفردٌ لامعٌ كالسيف..أو شيَعٌ وأحزابُ
ومن عجبٍ يعلِّمنا بأن الحرَّ أوَّابُ
وأنَّ الجهلَ كلَّ الجهلِ تزويقٌ وإطنابُ
وأن حلاوة التغريد إيجازٌ وإعرابُ
وأن الكونَ يشبهه..فأعداءٌ وأصحابُ
وأفئدة بها حسدٌ..غزتْها منه أوشابُ
وأفئدة بها شغفٌ..عنيفُ الحسِّ صخّابُ
تويترُ مبعثُ الإلهام في الأعماق ينسابُ
له في القلب إعزازٌ وتقديرٌ وإعجابُ
قال سهم بن كنانة: وفرغ الخطيب من خطبته، فخشيت على قلبي من فرحته، إذ أزف الوعد المكتوب، واقترب الأجل المضروب، ولما فرغنا من الصلاة ابتدرته قائلاً: ناشدتك الله أن تخبرني باسمك، زادك الله بسطة في علمك وجسمك، قال: رحم الله من رباك، أنسيت رفيق صباك؟ فحدقت في عينيه، وتأملت حاجبيه، وأرجعت البصر كرتين، واستعدت الذكرى مرتين، فتراءى لي صاحب قديم، كان لي في الزمان خير نديم، طالما تساقينا لذيذ الأدب، وتقاسمنا بليغ الخطب، ووجدت نفسي أتمتم: أبو نصر العزاز؟ فصاح: لله أنت من باز، فشهقت من فرحة اللقاء، واحتضنني كما تحتضن الغمامة الماء، وما راعني إلا دموعه تجري، وفؤاده يخفق على صدري، ثم دعاني إلى شواء في ظلال أيك، فتمتمت والفرحة لا تسعني: لبيك!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.