يُعد الحج ركنًا أساسيًا من أركان الإسلام، وتنفرد المملكة العربية السعودية بشرف احتضان الأراضي المقدسة، حيث يستقبل الحرم المكي الشريف ملايين المسلمين من شتى بقاع الأرض لأداء هذه الشعيرة الإيمانية، وتبرز جهود المملكة العربية السعودية كنموذج فريد في الجمع بين التنظيم، والرعاية الإنسانية الشاملة. حرصت المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها على خدمة الحرمين الشريفين والحجاج، وجعل ذلك من أحد أولوياتها، فانعكس ذلك على مشروعات التوسعة الكبرى للحرمين الشريفين؛ لاستيعاب الأعداد المتزايدة، وتوفير بيئة آمنة لأداء المناسك. وكذلك تم تهيئة البنية التحتية، فقد نفذت المملكة مشاريع استراتيجية مثل قطار المشاعر المقدسة، الذي يربط مكةالمكرمة بالمشاعر المقدسة وهي: منى، وعرفات، ومزدلفة، إضافة إلى ذلك ظهر اهتمامها في بناء جسر الجمرات متعدد الأدوار، والمخيمات المكيّفة، وشبكة الطرق والأنفاق، مما يساهم في تسهيل حركة تنقّل الحجاج بين المشاعر بيسر وأمان. واكبت المملكة التحول الرقمي، وطبقته بشكل متقدّم في خدمة ضيوف الرحمن، فأطلقت وزارة الحج والعمرة تطبيق "نسك"، الذي يوفّر دليل متكامل لكل حاج، يضم أهم الأعمال، والنصائح، والخدمات التي يحتاجها الحاج في رحلته، من أول خطوة إلى آخرها. كما سخّرت المملكة تقنيات الذكاء الاصطناعي لمراقبة كثافة الحشود، وإجراء التدخل السريع، مما جعل إدارة الحجاج إنجاز تنظيمي متقدم بكل المقاييس. ومن أجل حج آمن صحياً، وفّرت المملكة المراكز الصحية، والمستشفيات الميدانية، والفرق الطبية والإسعافية المتنقلة، بالإضافة إلى استخدام طائرات الإخلاء الطبي الجوي، كما شملت الإجراءات الوقائية الفحوصات والتطعيمات المسبقة، مما كان له الأثر في عدم تفشي الأمراض. وأولت المملكة الجانب الروحي اهتمامًا، حيث أنشأت مراكز للفتوى، وتقديم الخطب بلغات متعددة، وخصصت رقمًا مجانيًا لاستقبال فتاوى الحج. وامتدت جهود المملكة لتنفيذ مبادرات إنسانية رائدة مثل مشروع "طريق مكة"، الذي يُسهّل إجراءات الحجاج في بلدانهم قبل مغادرتهم، حتى وصولهم إلى المملكة العربية السعودية، وبرنامج ضيوف خادم الحرمين الشريفين، الذي ييسر استضافة المزيد من المعتمرين وتسهيل وصولهم إلى الحرمين الشريفين. تقف المملكة العربية السعودية شامخةً بجهود جبارة تُبذل في صمت، لترتقي بتجربة الحاج إلى رحلة روحانية آمنة، ميسّرة. تُعَدّ إدارة الحشود خلال موسم الحج تحديًا بكل المقاييس، لكن المملكة العربية السعودية نجحت - عامًا بعد عام - في وضع بصمة تنظيمية يُشار إليها بالبَنان، من خلال نظام التصاريح الإلكتروني، وخطط التفويج، والإدارة بتقنيات حديثة لمراقبة الوضع. من الخيام المكيّفة في منى وعرفات، إلى قطار المشاعر السريع الذي يقل الآلاف في دقائق، ومن توزيع ملايين الوجبات والمياه، إلى الحافلات المنظمة بعناية، كل ذلك يؤكد أن الحج تجربة حضارية راقية تنطلق من قلب المملكة العربية السعودية. لقد استطاعت المملكة العربية السعودية، من خلال تكامل الجهود، أن تحوّل تجربة الحج إلى نموذج حضاري عالمي، يجمع بين الإيمان والتنظيم، والتقنية والرحمة، ومع رؤية 2030 التي تضع خدمة الحرمين الشريفين في صدارة أولوياتها، تواصل المملكة مسيرتها، بما يعزز مكانتها الدينية والسياسية، ويؤكد دورها الريادي. فاطمة سعد مسلط السبيعي باحثة دكتوراه وأخصائي مستشار في اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه X: @fatimah056