منذ أن وطأت قدماي بلاط مدرستي الأولى طالبا كنت أعيش حلمي بأن أصبح معلما كمعلمي المفضل ، كنت أتقمص دوره في عالمي الافتراضي و أقلد حركات يديه و نبرة صوته و مشيته متى ما وجدت فرصتي بعيدا عن الأنظار. معلمي كنت أخاله ملكا من الملائكة و أحيانا كنت أحسبه كائنا قادما من كوكب غير الكوكب ،بل إنني كنت أستغرب حينما يضحك مع فلان من الطلاب أو يمازح أخر. كنت لا أعلم إن كان يتنفس كما نتنفس و يأكل كما نأكل و يشرب مثلما نشرب . معلمي كان أمام عيناي في كل حركة و سكنة كان رقيبي الذاتي و كان الآمر الناهي في حياتي اليومية، كان في نظري المفتي و الطبيب و القاضي و المرجع وكل شيء . وعندما تحقق حلمي و أصبحت كذلك وجدتني شخصا عاديا لا فرق بيني وبين سائر البشر،فتشت في داخلي فلم أجد ما يميز محمد الطالب عن محمد المعلم ، حينها عرفت أن ما ميز ذلك المعلم هو نظرتي المعجبة تلك تجاهه لا أقل و لا أكثر. لا أعلم إن كنت معلما قدوة أو خلاف ذلك لكن ما أعلمه عن يقين أن هناك طالبا على الأقل يعيش ما عشته عندما كنت في نفس مرحلته .. نقطة و سطر جديد.. عندما تكون قائدا لمجموعة وتعلم أنهم يحذون حذو خطواتك فمن الطبيعي أن سقوطك سقوط لهم و وصولك هو ذات الوصول .. المعلم القدوة هو ما نحتاجه حتى يستقيم السلوك داخل أسوار المدرسة و من ثم يرسخ لينتقل خارج الأسوار ويصبح أكثر صمودا أمام رياح التغيير ،ليس معنى ذلك إهمال جوانب التأثير الأخرى . ولأن الثقافة سلوك وجب أن نكون معشر المعلمين على قدر من الثقافة التي تنعكس على سلوكنا والذي هو تحت عدسة مجهر النقد و على تيار المحاكاة .. الكلام في ذات الموضوع كان اهتمام التربويين على مدار عقود مضت لكن الغريب أن يظهر لنا مقطع فيديو أو اثنان خلال أسبوع الدراسة الأول تظهر الجانب المظلم في الحراك التربوي. فلذا لا تستغرب عندما تلتقط أذنك وأنت عابر طريق كلمات نابية من طفل لم يتجاوز سن العاشرة فهو لم يأت بها من بطن أمه ولم يصنعها بنفسه بل هي مفردات مكتسبة من هنا أو من هنا . المعلم يظل الشمعة التي تحترق لتضيء لغيرها و حتى لا تتحول الشمعة إلى شماعة تعلق عليها أثواب الإخفاق وجب علينا أن نقوم سلوكنا و ألفاظنا كي يصبح تأثيرنا على من نحب إيجابا لا سلبا ،،" و لا أبرئ نفسي " . وفي الجانب النير هناك نماذج تمثل القدوة الحقة و الوجه الإنساني الاجتماعي النبيل وهي نماذج كثر تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي تجعلنا نستبشر خيرا إلى حد كبير لمستقبل مخيف،كل ما علينا أن نستشعر أهمية الدور وعظم الرسالة .