بعد أن كانت بعض التيارات ترفض التعايش مع الآخر وديدنها التشدد إلى حد كبير، نجدها اليوم تمارس نوعا من العلاقة والانفتاح مع الأطراف التي كانت معها في ضدية أسهمت في تكوين صورة ذهنية عن شخصيات وصفت بأنها ضد الدين، هذه العلاقة اليوم تجعل كل من عاش في تلك المرحلة، وتشرب أفكارها يحار في تقويم ما تلقاه وما يراه، لتنشأ حالات انفصام متعددة، جعلت بعضهم يجنح نحو انتقاد معلميه وشيوخه، ووجد البعض من الإنترنت وسيلة لمهاجمة هذا التقارب بين الأطراف، ونشأ جيل منهم لا يؤمن بالحوار ولا بالرأي والرأي الآخر، فمن المسؤول الحقيقي عن تأزم العلاقة، ووأد أي مبادرة نحو تقارب الأضداد؟ هل هو الإعلام الذي يمثل طرفا مهما؟! أو جمهور الدعوة الذي يمثل طرفا آخر؟ ولعل خير مثال على هذا التقارب هو التعاون بين الشيخ عائض القرني والفنان محمد عبده، ونتساءل ما معنى أن يمتنع شيخ عن رد السلام على آخر اختلف معه؟! وما معنى أن يهاجم كاتب شيخا خطب ود مغن لينشد قصيدته، فهل نحن كتركيبة مجتمعية نعد السبب الحقيقي لعدم تقارب الأضداد؟ المتضادون يستطيعون العيش جنبا إلى جنب في البداية أوضح الدكتور مسعود الغامدي الداعية الإسلامي والإعلامي المعروف أن تقارب الأضداد لا يؤدي إلى نتيجة إذا أطلق السؤال حول التقارب بشكل كامل، فهو في تقديره لا يؤدي إلى نتيجة، عكس الحديث عن تقارب الأضداد في المجتمع السعودي مثلا وتحديدا بين تيارين مختلفين في الأفكار والأهداف والرؤى، وأشار الغامدي إلى أن الحقيقة تكمن في كون المتضادين في أي مجتمع يمكن أن يتعايشا معا وجنبا إلى جنب، فالنبي صلى الله عليه وسلم، عاش وتعايش مع اليهود والمنافقين وجلس إليهم، بل إن المنافقين كانوا يصلون خلفه، وهم يخالفونه في العقيدة والتوحيد، وهم ضد المسلمين الخلص وعلى رأسهم محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن المصلحة الشرعية تقتضي ذلك، إذا لا مشكلة في تقارب الأضداد، ولكن المهم ما نوع هذا التعامل الذي نتحدث عنه، ولا بد من الحديث عن ضوابط تحدد هذا التواصل أو التعامل، فالمنافقون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يحضرون درسه، ولم يوبخهم أو يطردهم، عليه الصلاة والسلام، وأكد الغامدي أن فلسفة التعامل التي كان يطبقها النبي صلى الله عليه وسلم لا بد من محاكاتها، خاصة أنها كانت بين أضداد رئيسيين، ورفض الدكتور مسعود أن يكون التقاء الأضداد سببا في تقديم قرابين من طرف أو من كلا الطرفين، لأن القرابين التي تحاول أن تكون سببا في الالتقاء قد تمس أمورا شرعية مهمة، ولا يمكن التنازل حيالها أو حتى المناقشة فيها، وفرق فضيلته بين الضدية والتحول إلى خانة محرمة بين الطرفين وبين أن تنشأ عداوة بسبب هذه الضدية، ليتهدم بنيان كان من الأولى أن يكون مبنيا، وخشي الغامدي أن يكون بحث هذا الموضوع من قبل الأضداد سببا في تمييع الدين أو إهمال بعض الثوابت التي تعد من معالم الدين، ولا يمكن أن يقبل المساس بها. أخشى على الدعاة من المناطق الحمراء من جهته بدا الدكتور صالح بن مقبل العصيمي حذرا عند الحديث حول هذا الموضوع، مؤكدا أن صور التقارب التي كانت في العهد النبوي، تعد أنموذجا يمكن السير على منواله، ولم يخف العصيمي حذره بشكل أكبر عند الحديث عن نماذج لصور تقارب بين أضداد تمت، وموطن الحذر كما يردد العصيمي بأنها محاولة لجر الدعاة إلى منطقة حمراء اللون فيفقدون ثقة الشارع، خاصة عند ظهور كثير من هؤلاء الدعاة وكأنهم يتناقضون مع مبادئهم، فهم بالأمس يحذرون واليوم كأن شيئا لم يكن، وحول التقارب الذي ينادي به الكثيرون خاصة بين من يحمل صفة المثقفين وصفات الداعية أو العالم الشرعي، يؤكد العصيمي أن شيخ الإسلام ابن تيمية تعامل مع الفلاسفة الذين كانوا في عهده وقبلهم، بل ذهب إلى أن من له إله خير ممن لا يؤمن بإله أصلا، مع أن الإله عند أولئك يعد مادة، ووجود القواسم المشتركة بين الناس موجود، بل كيف لو كان ممن ينتسب للإسلام، فبالتأكيد أن القواسم ستكون أكثر، وبين العصيمي أن وجود الاختلاف يعد سنة في الحياة، ومحاولة البعض لزرع طريق مخضر ليمشي عليه الآخرون، قد تبوء بالفشل خاصة إذا كان الهدف من هذا الزرع هو محاولة استمالته نحو رؤاك ومبادئك، ومع كل هذا فليس من المنطقي ما قد نشاهده من رفض لبعض الأفكار والرؤى التي تصدر ممن عرفوا بمهاجمة الدين، وتكون تلك الرؤى الحديثة صادرة منهم، فالحق يقبل ولو من الشيطان، فالعداوة على طول الخط ليست دائما على حق، لأن العيش في خندق واحد قد يكون في بعض القضايا، وعليه فالتقارب لا ضرر منه ما دام على الحق، وطالب العصيمي أن تكون بداية هذا التقارب في القضايا الاجتماعية على اعتبار أنها تؤرق المجتمع بشكل كامل، والابتعاد عن القضايا الحساسة كبادرة حسن نوايا، وحول أوجه التعاون الذي تم بين أحد المغنين والدعاة، ورأيه فيه خاصة أنه يعد نموذجا حيا لتقارب الأضداد، أوضح العصيمي أن رأيه لا يخرج عن رأي مفتي السعودية الشيخ آل الشيخ والذي رأى فيه تجديدا للمجتمع الصوفي.