من أسس الحياة الكريمة التي يسعى إليها كل إنسان، امتلاك المسكن.. ويبرز لنا الجذر اللغوي لكلمة مسكن، وهو (سكن) المغزى والمعنى الذي يشير إليه من السكينة، أي الهدوء والطمأنينة.. وكأن مبتكري اللغة منذ القدم جعلوا هدوء النفس وطمأنينتها، متصلين اتصالا وثيقا بوجود مكان يمتلكه الإنسان.. يشعر فيه بالخصوصية والراحة والأمان. القرض والأرض حسين بن إبراهيم أحد الذين يعانون بسبب عدم امتلاكه منزلا، وهو يشارف الأربعين من عمره، ويقول: «في عام 1414ه نصحني كثيرون بتقديم طلب قرض إلى الصندوق العقاري». ويضيف: «فعلا بحثت عن أرض تناسب قدراتي المادية، فاشتريت أرضا في منطقة خارج الرياض، قيل لي إنها ستصبح حيا مرموقا بعد سنوات، وقدمت جميع أوراقي للصندوق العقاري». يقول حسين: «تزوجت وأنجبت ثلاثة أبناء، أصبحوا في سن الدراسة، وضاقت بنا شقتي الصغيرة التي أسكنها منذ سنوات، ولم يأت القرض». ويوضح حسين: «لم أستطع الانتقال من شقتي نظرا للارتفاع المستمر في أسعار إيجارات الشقق». ويضيف: «في عام 1429ه أي بعد 15عاما، صدر القرار بمنحي قرضا من البنك العقاري، وعندها ذهبت لأستعلم عن الأرض التي أصبحت لدي في طي النسيان نظرا لطول العهد بها، وعندها فوجئت أن الأرض أصبحت لا تصلح للسكن، لأن المنطقة تحولت إلى منطقة زراعية، مما اضطرني إلى البحث عن قطعة أرض أخرى». أسعار نار وأنا محتار ثم يذكر حسين: «الآن أكاد أتم السنة منذ صدور القرار، وأنا لم أستطع فعل شيء، نظرا لأن متوسط أسعار قطع الأراضي لا يقل عن 300 ألف ريال، أي بما يعادل قيمة القرض، وأنا أحتاج على الأقل إلى 600 ألف ريال، زيادة على ثمن قطعة الأرض، وأنا لا أملك هذا المبلغ، فراتبي يصرف في الاحتياجات الأساسية لعائلتي». ويضيف: «حتى البنوك التجارية ترفض إقراضي أكثر من 100 ألف ريال، لأن راتبي لا يسمح بأكثر من ذلك». ويؤكد: «أنا الآن أصبحت كما يقول المثل: (لا في العير ولا في النفير)، والحمد لله على كل حال». قروض عينية أما عبدالله المحيا أحد العاملين في المجال العقاري فيعزو ضعف نسبة المالكين من السعودين لمسكن، إلى عدم توافر القروض العقارية؛ ويقول: «من الصعب على مواطن في متوسط العمر، أن يجمع مبلغا يكفي لشراء أرض في مكان جيد، ثم يبنيها، خصوصا إذا ما كان ذلك المواطن يعتمد اقتصاديا على راتبه الشهري، مهما كانت قيمة ذلك الراتب». ويضيف: «بالتالي فإن الأغلبية تلجأ للصندوق العقاري، وكلنا يعرف أن الصندوق العقاري يتأخر إلى أكثر من 15 سنة من طلب التقديم، ولا يأخذ المسؤولون عنه في الاعتبار التغيرات الاقتصادية، ومستويات التضخم». ويؤكد المحيا: «بالتالي فالمبلغ عند وصوله يصبح محدود النفع، وهنا يضطر كثيرون إلى أخذ قروض من البنوك، وهي قروض مرتفعة الفائدة، حتى يجد المواطن في نهاية الأمر أن معظم راتبه يذهب في تسديد القروض». ويضيف: «هنا أناشد المسؤولين عن الصندوق العقاري إعادة دراسة هذه القروض ومدى صلاحيتها للوقت الراهن». ويقترح على الجهات المسؤولة إلغاء القروض المادية وإعطاء قروض عينية تتمثل في مساكن متنوعة تناسب الدخل الشهري لطالب القرض ويتم سداد قيمتها العينية بدون فوائد. المضاربة والثراء أما سلطان الخريجي أحد العاملين في قطاع العقار كذلك؛ فيرى أن غياب ثقافة البيع والشراء والبحث عن الثراء السريع هي أحد معوقات تملك المسكن. ويضيف: «عندما ينشط سوق الأسهم تجد المواطنين يلجؤون إلى المضاربات بحثا عن الأرباح السريعة». ويضيف: «هذا أحد أهم الأمور التي أدت إلى انهيار سوق الأسهم، ما سبب خسائر فادحة». ويوضح الخريجي أن «هناك معادلة يجمع عليها الخبراء، وهي أنه في حالة ارتفاع سوق الأسهم ينخفض سوق العقار والعكس». ويضيف أن «غياب ثقافة البيع والشراء هي التي جعلت سوق العقار يظل مرتفعا، في الوقت الذي ترتفع فيه مؤشرات الأسهم، والسبب أن كثيرا من الناس عند ارتفاع سوق الأسهم يلجأ إلى الشراء في سوق العقار من أجل المضاربة». ثقافة البيت ويرى عبدالله البراهيم المهتم بالاقتصاد السعودي أن «أحد أسباب الحد من التملك هو النظرة الاجتماعية الانطباعية لطبيعة البيت». ويوضح أنه «انطبع في عقل السعودي أن البيت لا بد أن يكون واسعا، وذا ملاحق متعددة، وغرف كثيرة غالبها لا يستفاد منه». ويضيف: «علينا أن نتعلم كمجتمع كيف نتكيف مع الواقع، فالبيوت ذات الارتدادات العريضة ليس لها ضرورة». ويوضح: «بإمكان المرء أن يبني بيتا على مساحة 200 متر، ويكون بيتا جميلا ومريحا وأقل تكلفة». ويؤكد: «حتى الشقق في الوحدات السكنية ربما تكون خيرا ومناسبة لكثير من المواطنين». الادخار للمستقبل أما مريم القحطاني (مدرسة 37 سنة) فترى أن المشكلة لا تقع على عاتق الجهات المسؤولة فقط، «وإن كانت تتحمل جزءا من المسؤولية، بل يتحمل المجتمع بكل أصنافه المسؤولية ابتداء من التنشئة». وتضيف: «الوالدان يجب عليهما التخطيط الجيد لمستقبل أولادهما، ومساعدتهما على تخطي صعوبات المستقبل». وتقول: «هناك من الآباء الذين أعرفهم، يدخرون مبالغ مالية شهرية قليلة جدا لأبنائهم، ويعلمونهم ثقافة الادخار، حتى إذا ما كبر الابن أطلعه الوالد على ذلك، وشجعه على المزيد من الادخار، فإذا أصبح الابن في مرحلة تحمل المسؤولية، وجد أن هناك مبلغا لا بأس به يستطيع أن يبدأ به حياته». وتوضح: «بالتالي فإن الأب هنا يساعد ابنه على ظروف حياته، ويعطيه درسا عمليا في أهمية الادخار والتخطيط للمستقبل».