وزير الصناعة والثروة المعدنية يستعرض فرص الاستثمار التعديني بالمملكة أمام 20 شركة صينية    توقيع (42) اتفاقية استثمارية خلال مشاركته في ملتقى الأعمال السعودي - الصيني ببكين    الدكتور عبدالله الربيعة يلتقي مفوضة الاتحاد الأوروبي للاستعداد وإدارة الأزمات والمساواة    الوحدة في بيئة العمل.. أزمة صامتة تهدد الإنتاجية    توصيات شوريًّة لإعداد القائمة الموحدة لأسعار القطاع الصحي العام    انطلاق قمة شنايدر إلكتريك للابتكار بالرياض بحضور حكومي واسع ومنتجات جديدة تحمل علامة صناعة سعودية    جمعية البر ببيشة تحتفل باليوم الوطني 95    المياه الوطنية: 1 أكتوبر المقبل فصل خدمة المياه نهائياً للعدادات غير الموثقة    ارتفاع الصادرات غير البترولية بنسبة 30.4% في شهر يوليو 2025    الأمين العام للأمم المتحدة يحذّر من مخاطر الذكاء الاصطناعي ويدعو لحظر الأسلحة ذاتية التشغيل    الأسبوع العالمي للتبرع بالأعضاء.. دعوة إنسانية تمنح الأمل لآلاف المرضى    اختتام برنامج سلطان بن عبدالعزيز العالمي للتدريب اللغوي في بشكيك    برعاية خادم الحرمين الشَّريفين تنظِّم جامعة أمِّ القُرى الملتقى العلمي 25 لأبحاث الحجِّ والعمرة والزِّيارة    محافظ محايل يرعى أحتفال الأهالي باليوم الوطني 95 في صدر الكرامة والذي نظمته بلدية المحافظة    الدولار يقترب من أعلى مستوى له في ثلاثة أسابيع    ولي عهد الكويت يشكر السعودية على دورها في دعم حل الدولتين    وزير الخارجية: لا يكفي إصدار البيانات ما لم تتحول إلى عمل حقيقي يغير واقع الاحتلال وعدوانه    وكيل وزارة التعليم للتعليم العام يشارك طلبة تعليم الطائف فرحة الاحتفاء باليوم الوطني ال95    بلدية وادي الدواسر تُفعّل مبادرات اجتماعية بزيارة المستشفيات    وزير الخارجية يترأس الاجتماع الوزاري رفيع المستوى للتحالف العالمي لتنفيذ حل الدولتين بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي والنرويج    في الجولة الرابعة من دوري روشن.. صراع القمة يجمع الاتحاد والنصر.. والهلال يواجه الأخدود    سجن لاعب مانشستر يونايتد السابق لعدم دفع نفقة أطفاله    في احتفاليتها باليوم الوطني..ديوانية الراجحي: المملكة بقيادتها الرشيدة تنعم بالأمن والرخاء والمكانة المرموقة    15 رئيس دولة و600 متحدث.. مؤتمر مستقبل الاستثمار.. مصالح مشتركة وأمن التجارة العالمية    الرئيس الأمريكي وقادة دول عربية وإسلامية في بيان مشترك: إنهاء الحرب خطوة نحو السلام    « البلديات والتجارة»: أبلغوا عن مخالفات السكن الجماعي    العمران والغراش يحتفلان بزواج مهدي    «راشد» يضيء منزل اليامي    تصعيد متبادل بالمسيرات والهجمات.. والكرملين: لا بديل عن استمرار الحرب في أوكرانيا    بزشكيان: طهران لن تسعى أبداً لصنع قنبلة.. إيران تتعهد بإعادة بناء منشآتها النووية المدمرة    أشرف عبد الباقي بطل في «ولد وبنت وشايب»    لجهوده في تعزيز الحوار بين الثقافات.. تتويج (إثراء) بجائزة الملك عبد العزيز للتواصل الحضاري    المركز السعودي للموسيقى بجدة يحتفل باليوم الوطني    رئيسة جمهورية سورينام تلتقي وزير الدولة للشؤون الخارجية    القادسية إلى دور ال16 في كأس الملك    كوب «ميلك شيك» يضعف تدفق الدم للدماغ    الرياض تستضيف مؤتمر العلاج ب«الجذعية»    الخطاب الملكي صوت الدولة ورؤية الحزم والعزم    الإبداع النسائي.. حكاية وطن    الملك سلمان.. نبضُ وطنٍ وقلبُ أمة    كيف يستخدم الناس ChatGPT فعليا    عزّنا بطبعنا: التعليم ركيزة القيم الوطنية    «كلاسيكو» الاتحاد والنصر.. مقارنة القيمة السوقية بين الفريقين    إنزاغي: سأعالج مشكلة الكرات الثابتة    فهد العجلان: ذكرى البيعة تجسد التحولات العظيمة وتمكين الإنسان في عهد الملك سلمان    طرح تذاكر دورة ألعاب التضامن الإسلامي بالرياض    لوحات تشكيليين تزين اليوم الوطني    اتحاد الكرة يدشن أخضر الفتيات تحت 15 عامًا    تسعيني ينافس الشباب باحتفالات الوطن    وطن شامخ    اليوم الوطني المجيد 95    البعثة الروسية لدى منظمة التعاون الإسلامي تحتفي باليوم الوطني السعودي ال95    أبناء وبنات مجمع الأمير سلطان للتأهيل يزورون مرضى مجمع الدمام الطبي    رحيل المفتي العام السابق الشيخ عبدالعزيز آل الشي "إرث علمي وديني خالد "    "هيئة الأمر بالمعروف" تشارك في فعاليات اليوم الوطني 95    القبض على مواطن لترويجه الحشيش وأقراصا خاضعة لتنظيم التداول الطبي بجدة    فقيد الأمة: رحيل الشيخ عبد العزيز آل الشيخ وعطاء لا يُنسى    المشي يقلل خطر الإصابة بآلام الظهر المزمنة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النساء بين زمنين: الفانوس والإنترنت!
نشر في شمس يوم 26 - 04 - 2011

قليلة هي الأوقات التي تتحدث بها أمي ونكون منصتين. دائما ما تكون مستمعة، هادئة، مطمئنة. إنها من النوع الذي يستمع لك حتى تنهي حكايتك وفكرتك. نادرا ما تظهر معارضة لك. دائما ما تتوج مجمل حديثها بأن يكون الرضا والاتفاق عنوانه. لن تستطيع أن تغضبها إلا بعد سنوات طويلة من الجهد. تبقى ساكنة متأملة صابرة. حتى ربما لا تشعر بوجودها لوهلة. لأنها تنظر إليك أولا وترعاك أولا. وتبارك ثمرتك أولا. حتى كأنه لا شيء من شأنها مهم. إنما هو رعايتها بشتى هذه الأحوال لك. وهذا ربما قد أوحى لي ولإخوتي بإثم عظيم. وذنب جسيم. في عدم إشراكها في همومنا. وهي قريبة. ولا في مشاكلنا وهي تسكننا.
قلت لها: أمي.. تلك الفجوة بين زمنكم وزمننا واضحة. فكأن بيننا جيل مفقود. ولكنها حكمة الله قد حلت. أقسم لك بالله أني تمنيت لو عشت في زمنكم.. زمن الفانوس.. والرعي.. وحسن الجوار.. والغدير.. والحب.. والأسرة.. والبيوت الحجرية الطينية المتلاصقة.. والسكون.. وكل ذاك. قالت: يا ولدي ذلك زمن قد بعد في سحيق الذاكرة، قد راح وانصرم وهو حي باستذكاره.. يا ولدي كنا نخرج بالغنم ونحن فتيات صغار في الظهار نرعى بها من باكورة الصباح.. بعد أن نصنع الإفطار لأبينا.. من البر والسمن والعسل.. ونبقى في تلك الأراضي نهش بالغنم ناحية الزرع لتعلف فيدر حليبها ويسمن جسمها.. ثم إذا شدت الشمس نارها.. وقربت الظهيرة عدنا إلى البيت.. وربما مررنا بالغدير فملأنا قربنا ماء نشرب منه وتشرب منه الماشية.. وجلسنا ناحية الظل من بيتنا نخدم أبانا ونلعب ألعابنا.. ونكيد لبعضنا مكايد وننسج لبعضنا دواهي من المكر.. أذكر من ذلك.. كانت صديقة لنا تضع في مكان سجودنا رؤوس شوك السلام قائما مخبأ في التراب حتى إذا سجدنا أصابنا، فكدنا لها بأنكل من ذلك.. كان يا ولدي زمنا هادئا.. لطيفا.. صادقا جدا.
أمي إذا تحدثت ننصت لها ونبتسم، فهي تحكي من الحكايا ما كون خميرة حياتها. وإذا أردت أن أصفها صفة بارزة واحدة فإنه هذا الهدوء والرأفة والتأني. حملته من أبيها الذي كان بهذه الصفة. قالت تحكي عنه: أبي.. هادئ الطبع.. لا يتكلم كثيرا.. يختلف معه أخواه فلا يجيب إلا خيرا. يبقى متأملا قد صحبته القطط حتى كثرت وانتثرت في البيت، فكان يطعمها من طعامه.. وتنام معه على فراشه.. وهي ما أصابه بالمرض. ولكنه مع هدوئه ذاك قد يغضب فإذا غضب دارت عيناه في محجرهما الذي اتسع.. دورة لا تخفيها أطر النظارة السوداء.. إذا غضب يفقد سيطرته.. فيصمت الأخوان اللذان يكبرنانه والجميع.. وأنا كذلك يا ولدي.. لا أغضب كما ترى.. وقلما في حياتي كلها أن أغضب.. ولكني إذا غضبت فتراني أخرى.. أفقد جأشي وحلمي.. لأنني لا أغضب مما قد حلمت عنه الدهر كله. فغضبي مباح يا ولدي. قلت لها: يا أمي.. هل تتذاكرون تلكم القصص والذكريات بينكن الآن وقد أصبحتن كبارا.. قالت: نعم يا ولدي.. نتذاكر.. ولكن الحياة أشغلتنا.. قضيت حياتي كلها في ولادة وتنشئة وتربية.. قضيت عمري من أجلكم وأجل أبيكم.. ما بين رعايتكم وانظر كم أنتم الآن.. وبين هم أكلكم.. ونجاحكم في مدارسكم.. ثم حين تكبرون تقبل مشاكلكم.. كلكم أتعبتموني صغارا وفي مقتبل شبابكم.. كان ليلي سهدا أنتظر عودتكم من سهركم.. ونهاري هما بشأن فلاحكم.. أدعو لكم سرا وجهرا.. ليلا ويوما.. لا أنفك أن أرى فيكم الصلاح والنجاح.. نعم.. يا ولدي.. نتذكرها تلك الذكريات القديمة.. قبل أيام لقيت صديقتي تلك التي حدثتك عنها في أحد الأفراح.. فأخذت بيدي، وهي تحبني.. وقعدت تحادثني وتسألني ثم رحنا نضحك على مشاغباتنا ولهونا الذي كان.
قلت لها: يا أمي.. وكيف كان الفرح الذي حضرته؟ قالت وعلى وجهها ابتسامة تعجب: يا ولدي.. عجب.. عجب.. باتوا يخصصون لنا غرفا حتى نرتاح ونهرب لها من الضجيج والإزعاج.. قلت: لا.. يا أمي.. أقصد البنات، هل رأيت بنات حلوات؟ كبرت ابتسامتها لتضحك: يا ولدي.. إذا عزمت وأنت مستعد فالبنات كثر.. ولكني قد عجبت من أمرهن. قلت: ولماذا هذا العجب من الحلوات؟. قالت: يا ولدي.. الواحدة لا تكاد تعرفها إذا رأيتها.. تذهب إلى المشغل فتقعد هناك ساعتين.. ثم تدخل قاعة الفرح وهي في حلة غريبة.. كأنها ساحرة أو بها مرض.. قد محيت ملامح وجهها وحل مكانه بياض البودرة الصناعي الناصع.. ثم الألوان الفاقعة قد انتشرت في أطراف الوجه وزواياه كأنه معرض ألوان.. لتتناسب ألوانه مع لون الثوب الذي تلبسه ولون الحذاء.. وكل واحدة تلبس فستانا فلا يمكن أن تلبسه مرة أخرى في فرح آخر.. يا ولدي قد تكلفن كثيرا.. كثيرا.. والثياب بها من التفسخ ما نستحيي منه نحن الأمهات الكبار.. فنهرب إلى غرفنا تلك.. أما ضجيج الرقص والطرب.. فحدث ولا حرج.. قلت لها أستعيد أنفاسها: وما رأيك أنت؟ قالت وهي تتنهد في أمل: يا ولدي.. كل هذه المظاهر كاذبة وخادعة.. كلنا تزوجنا.. وهؤلاء البنات سوف يتزوجن وسيصبح الزواج فيما مضى ذكرى.. فلماذا لا نجعله ذكرى فرح لا هم وقلق لإرضاء الآخرين.. لماذا هذا التفاخر.. والعادات التي نخلقها فنبذر ونبذخ ونضيع أموالنا وفضائلنا حتى نعجب الناس.. ولا يعجب الناس غير التراب في وجوههم.. يا ولدي.. كانت زينتنا خفيفة وبسيطة لا تغير ملامحنا ولا تخيف من يرانا.. يسهل وضعها وتسهل إزالتها.. كانت وجوهنا صادقة كأرواحنا.. يا ولدي إنك ترى إحداهن اليوم بزينتها فتعجب بها فإذا أزالتها أنكرتها.. وحلفت أنها ليست تلك التي رأيتها أول مرة.. من يقدر الآن يا ولدي أن يفعل كل الأشياء ببساطة وهدوء.. أجبتها في تأييد: لا أحد.. لا أحد.. قل ما تجدين.. قل.
انتهى حديثي مع أمي تلك الليلة. وبقلبي الليلة شوق لها ولحديثها الهانئ وتعاليم حياتها الصادقة. بشوق لصمتها وإنصاتها واهتمامها. كم يحب كل منا أمه.. ولكن كم يظفر أحدنا بأم كأمي؟!
مدونة عبدالله الزهري
http://rosebreeze.blogspot.com/


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.