علي أن أحلق لحيتي، لكني لم أجد المرآة فوق المغسلة كيف اختفت! رحت إلى مرآة الخزانة. لم أجدها. علي أن أخرج إلى العمل ناعم الخدين! في يدي ماكينة الحلاقة ولا مرآة في الصالون، ولا في الحقيبة! ولا في الحمام! هل أنا أهلوس؟! لا مرآة حتى في المصعد ولا على مدخل البناية، لا مرآة في السيارة ولا في الواجهات! أين المرايا؟ لم أكن وحدي، بل رأيت الناس أفواجا حائرين! على الشرفات ينادون «وين المرايا»؟. في الشارع كان أهل المدينة يتظاهرون، نساء ورجالا بحثا عن المرايا التي انقرضت وابتلعتها الأرض! كان الناس ينظرون في عيون بعضهم كأشباح، أي حياة بلا مرآة لنتمشط ونحلق ونتفرج على وجوهنا وملابسنا؟ صرخت النساء «نريد مراياتنا»، في تلك اللحظات، اعتلى المنصة وفد من نقابة أصحاب محال الزجاج وخطب نقيب القزاز: «يا ناس، سامحونا، كل المرايا في البلاد صودرت من «رئيس البلدية». هذا الرجل المعجب بحاله الذي لا يرى سوى نفسه! زرع المرايا في الصالون، في المطبخ، مرايا على الجدران، مرايا تحت الماء في بركة القصر، حتى السمك مرايا. مرايا في السقف، مرايا من الموكيت، مرايا من السجاد، مرايا من شوك وصحون وملاعق! ليشوف حاله وين ما كان! مرايا في الحديقة والشرفة، مرايا في الكوريدور والمماشي! ويتظلل تحت شجرة مرايا. مرايا على كتفه كأنها نياشين! حتى الطرقات معبدة له بالزجاج اللامع الشفاف، وكذلك الحذاء كمرآة تلمع تحت الشمس. مرايا من كل الأنواع، مقعرة، مزدوجة، مرايا فيميه، مرايا بصفارين!. غريب أمره. لا يرى سوى نفسه.. يضخمها، يكبرها، ينفشها. هذا قصر من زجاج ماذا أفعل «أعد لي مرآتي لأحلق لحيتي لأقول صباح الخير». ذات صباح راح الناس ينظرون في عيون بعضهم.. صارت العيون مرايا، ضحكوا فرحوا عرفوا أنفسهم نزلوا إلى الشوارع.. شعرت المرايا بالغيرة من عيون الناس فغادرت القصر.. لم يجد رئيس البلدية مرآة وصار بلا عينين عندها تحطم كلوح زجاج، والزجاج عاد إلى أصله كرمل.. كان الرئيس نفسه من رمل!. يحيى جابر