يستخدم هذا التعبير المجازي (سقف من زجاج) على نطاق واسع لتوصيف حالة يمنع من يتعرض لها من الصعود رأسيا بعد حدّ معين بحاجز شفاف غير مرئي ولكنه محسوس مثل السطح الزجاجي النظيف الشفاف الذي لا يحجب الرؤية ولكن رأس من يبنى فوقه يرتطم به إن حاول تجاوزه. وهذا الحاجز يمكن أن يكون أنظمة وقوانين أو عوائق إدارية أو قيودا دينية واجتماعية أو حتى وصايا تآمرية ممن يملكون قرار الصعود في الدوائر الحكومية والمنظمات الخاصة. ويمكن توسيع هذا المفهوم المجازي ليشمل التمدد الأفقي في مختلف الاتجاهات حينما يمنع من يتعرض لهذه الحالة من التمدد أو الاتصال بمحيطه بإحاطته بصندوق من زجاج. ومثلما ينطبق تعبير السقف الزجاجي بهذا المفهوم المجازي على البشر يمكن تطبيقه من باب أولى على الأسعار بل ان السقف والقاع السعري مفاهيم اقتصادية قديمة ومتعارف عليها ولها أصولها وغاياتها وتحليلاتها. وبالنسبة لأسعار النفط لم نتبين مثل هذا السقف السعري للنفط منذ انهيار الحواجز المصطنعة التي كانت تقيمها الشركات المنتجة للنفط (الأخوات السبع) التي كانت تحجب بها حقيقة الطلب على هذه السلعة الاستراتيجية خلال فترة ما قبل حرب أكتوبر 1973. فبعد ذلك التاريخ أصبحت أسعار النفط بلا سقف لتقفز من 4.75 دولار/برميل إلى ما يزيد على 140 دولارا/برميل مع فترات من السيطرة السعرية المحدودة بتفضيل الخيارات بعيدة المدى كنسبة وتناسب بين حجم الاحتياطات والسعر التي كانت تقودها المملكة بمساندة بعض الدول ذات الاحتياطيات الكبيرة داخل أوبيك. وذلك من خلال توزيع حصص الإنتاج بين الدول الأعضاء والالتزام بها لتتحدد بموجبها الأسعار. ولكن مع عدم قدرة أوبيك للتوصل لمعادلة إنتاجية ملائمة مع الدول المنتجة للنفط من مصادر تقليدية من خارج المنظمة ومن مصادر أخرى غير تقليدية كالنفط الصخري والنفط الرملي، ومع ترك الحبل على الغارب بالنسبة للأسعار للحصول على مكاسب وقتية و(بناء احتياطيات مالية) لبعض الدول، زادت جدوى الإنتاج من المصادر الهامشية وغير التقليدية خارج نطاق المنظمة، فأصبحت تشكل تهديدا حقيقيا لدول المنظمة وايراداتها المستقبلية خاصة مع عجز معظمها عن تنويع اقتصاداتها تنويعا يضمن لها دخلا حقيقيا من مصادر أخرى، ما أجبرها على الدفاع عن حصصها الإنتاجية من النفط أمام طوفان الوفرة النفطية في الأسواق العالمية برفض تخفيضها، رغم المصاعب التي تواجهها من تردي الأسعار، على أمل خروج المنتجين الهامشيين من خارج المنظمة ومنتجي النفط من مصادر غير تقليدية من السوق أو إجبارهم على التفاهم على صيغة جديدة طرحت من خلال قمة العشرين الأخيرة، وقد تظهر قريبا على شكل منظمة عالمية أعلى من أوبيك، لتنظيم صناعة النفط عرضا وطلبا على المستوى العالمي. وسواء كانت نقطة التعادل للنفط الرملي الكندي 10 دولارات أو 20 وكانت نقطة التعادل للنفط الصخري الأمريكي والاسترالي ولدول أخرى 58 دولارا أو 62 أو 66 أو أقل أو أكثر فإن الحقيقة الثابتة الآن هي أن هذه المستويات السعرية أصبحت تشكل سقفا من زجاج لأسعار النفط العالمية لا يمكن تجاوزه مستقبلا ما لم يتعرض العالم لحرب أو كوارث بيئية توقف جزءا كبيرا من الامدادات النفطية الحالية والمتوقعة خلال السنوات القليلة القادمة. ولذلك أرى أن المطلوب من الدول المنتجة حاليا للنفط والتي تذوقت حلاوة الأسعار القياسية المرتفعة وبناء الاحتياطيات المالية في السابق أن تستعد فعلا لا قولا للمرحلة القادمة التي يبدو أن من اهم ملامحها: العجز عن بناء احتياطات مالية مستقبلية كبيرة وربما حتى صغيرة، وضرورة التكيف التدريجي مع مستويات أقل من الانفاق الاستهلاكي، والتفكير جديا باستثمار الجزء الأكبر من احتياطاتها المالية الحالية في مشروعات تنويع للاقتصاد والدخل. ولا بد من التنويه قبل الختام إلى أن ما أوردته لا يتعارض مع الثقة بالله وبقدرة بلادنا على تجاوز هذه المحنة ولكن توقع حدوث تطورات اقتصادية مستقبلية سلبية يدفعنا للحذر ويشيع فينا روح التفاؤل عند تحقيق اقل قدر من الأفضل.. والله من وراء القصد.