الأهلي يسحق أبها بخماسية ويضمن التأهل إلى دوري أبطال آسيا للنخبة 2024-2025    جامعة الملك عبدالعزيز تمكّن القبول النسائي بالقطاع البحري    199 مليار ريال مساهمة قطاع الطيران في الناتج المحلي    نيابة عن ولي العهد.. وزير البيئة يرأس وفد المملكة في المنتدى العالمي للمياه    الرياض يتعادل والحزم يهبط رسميًا    ضبط 16023 مخالفًا للإقامة والعمل وأمن الحدود    منتخب العلوم والهندسة يحصد الجوائز بآيسف 2024    المملكة رئيسا للمجلس التنفيذي للألكسو حتى 2026    الرئاسة العامة تستكمل جاهزيتها لخدمة حجاج بيت الله الحرام هذا العام ١٤٤٥ه    التخصصي: الدراسات السريرية وفرت نحو 62 مليون ريال    إصابة ناقلة نفط بصاروخ أطلقه الحوثيون قبالة سواحل اليمن    فيضانات أفغانستان تزهق الأرواح وتدمر الممتلكات    قانون التعبئة يهدد بهروب المزيد من الأوكرانيين    الأرصاد: أجواء شديدة الحرارة في الشرقية والوسطى مع دخول الصيف    تشيلسي يتوج بلقب الدوري الإنجليزي للسيدات للمرة الخامسة على التوالي    القبض على 3 مقيمين بالمدينة المنورة لترويجهم «الشبو» المخدر    رئيس وزراء اليونان والعيسى يناقشان الموضوعات المشتركة بين البلدين    تشخيص حالة فيكو الصحية «إيجابي» ووضع منفذ الاعتداء قيد التوقيف الاحتياطي    عرعر تحتضن صالون أدب    هيئة تقويم التعليم والتدريب تعلن إطلاق استطلاعات الرأي لجودة التعليم الجامعي وبرامجه.    تشافي يستبعد قرب الإطاحة به من تدريب برشلونة    "إرشاد الحافلات" يعلن جاهزية الخطط التشغيلية لموسم الحج    توطين تقنية الجينوم السعودي ب 140 باحثا    ورشة عمل لبحث أخلاقيات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي مع عدة جهات حكومية    افترقوا بحب معشر العشاق    حلبة النار تشتعل بفيوري وأوسيك    إتاحة مزاد اللوحات للأفراد ونقلها بين المركبات عبر أبشر    جامعة الملك فيصل تحصد الميدالية الذهبية عن اختراع جديد    من ينتشل هذا الإنسان من كل هذا البؤس    مجسم باب القصر يلفت انظار زوار وسط بريدة    «غرفة بيشة» تساهم في دعم حفل تكريم المشاركين في مبادرة أجاويد ٢    "تعليم الطائف" يعتمد حركة النقل الداخلي للمعلمين والمعلمات    نعمة خفية    الأمير سعود بن نهار يرعى حفل اطلاق الاستراتيجية الجديدة لغرفة الطائف    البحث العلمي والإبتكار بالملتقى العلمي السنوي بجامعة عبدالرحمن بن فيصل    المربع الجديد: وجهة لمستقبل التنمية الحضرية بالسعودية    قائد فذٌ و وطن عظيم    إندونيسيا: الكوادر الوطنية السعودية المشاركة في "طريق مكة" تعمل باحترافية    متحدث «الداخلية»: مبادرة «طريق مكة» توظف الذكاء الاصطناعي والتقنية لخدمة الحجاج    «الحج والعمرة»: لا تصاريح عمرة ابتداء من 16 ذو القعدة وحتى 20 ذو الحجة    سفارة المملكة في قرغيزستان تحذر المواطنين بأخذ الحيطة والحذر والابتعاد عن أماكن التجمعات    دراسة: الشركات الألمانية لا تسوق للسيارات الكهربائية بشكل جيد    استمرار هطول أمطار على جازان وعسير والباحة ومكة والمدينة    تيليس: ركلة جزاء الهلال مشكوك في صحتها    جيرارد: فخور بلاعبي الاتفاق    الهلال يخطف تعادلاً مثيراً من النصر بعد حسم "روشن"    السمنة والسكر يزيدان اعتلال الصحة    رئيس جمهورية موريتانيا يغادر جدة    العلماء يعثرون على الكوكب "المحروق"    الأمير سلمان بن سلطان يرعى حفل تخرج طلاب وطالبات البرامج الصحية بتجمع المدينة المنورة الصحي    مستقبلا.. البشر قد يدخلون في علاقات "عميقة" مع الروبوتات    طريقة عمل الأرز الآسيوي المقلي بصلصة الصويا صوص    طريقة عمل وربات البقلاوة بحشو الكريمة    ولي العهد في المنطقة الشرقية.. تلاحم بين القيادة والشعب    «الأحوال»: قرار وزاري بفقدان امرأة «لبنانية الأصل» للجنسية السعودية    جامعة الملك خالد تدفع 11 ألف خريج لسوق العمل    حراك شامل    أمير تبوك يرعى حفل جامعة فهد بن سلطان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حصيلة سنة من حكم الإخوان ألغت ادعاءات 85 عاما
نشر في عكاظ يوم 27 - 12 - 2013

في البدء، شكل صعود الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر منعطفا هاما في تاريخ أرض الكنانة والمنطقة برمتها، مما حدا بالكثيرين إلى توقع حدوث تغييرات جذرية وعميقة في مسار القضايا المحورية لشعوب المنطقة والصراعات الدائرة فيها. وعند المنتهى ومع السقوط المدوي والسريع للإخوان وتهاوي حكمهم بفعل الرفض الشعبي، شكل قصر عمر تجربة الحكم وتدني وهزال النتائج المتحققة، محفزا لدى الكثيرين للتراجع عن كل الرهانات المتعاظمة حول التأثيرات المتوقعة للإخوان في البداية.
وأمام مفارقة البدء والمنتهى، كان من الطبيعي أن تتجه الاهتمامات إلى تقييم أداء الإخوان المسلمين في حكم مصر، من خلال إثارة الأسئلة حول أسباب الفشل، ومراجعة كافة مقولاتهم التأسيسية، لاسيما تلك التي تدعو إلى إقامة نظام الخلافة الإسلامية على امتداد الرقعة الجغرافية لدول العالم الإسلامي، وإحلال الشريعة محل الأمة أو الشعب كمصدر للسلطات، وتقدير مدى صحة هذه المقولات وقابليتها للتحقيق في الواقع، وصولا إلى حصر المحددات الحاكمة لمسار تعاطي الإخوان مع نظام الحكم من حيث قدرتهم على فصل الدعوي عن السياسي، والتعامل مع النخب السياسية، والاستجابة لمتطلبات الإصلاح ومدى الالتزام بقواعد العملية الديمقراطية، ومن ثم استخلاص السمات الأساسية لنموذجهم في الحكم، حول ذلك اعتبر الكاتب والباحث في العلوم السياسية الدكتور عمار علي حسن، أن تجربة الإخوان المسلمين في حكم مصر كانت فاشلة بكل المقاييس، عازيا الفشل في حواره مع «عكاظ» إلى عشرة أسباب منها انفرادهم بوضع قواعد المنافسة السياسية بما يحد من فرص تداول السلطة، وغياب العدل الاجتماعي، وتضييق الحريات العامة، وغياب أي مشروع للتنمية، وتدني قدرة الدولة على تقديم الخدمات للمواطنين، واستمرار غياب الأمن، والتسبب في إحداث انقسام خطير للمجتمع للمرة الأولى في تاريخ مصر، وتعريض الأمن القومي المصري للخطر كما تجلى في معالجة أزمة سد النهضة، ورأى أن سقوط الجماعة الأم في مصر سيؤدي إلى سقوطها تباعا في بقية الدول العربية والإسلامية، لافتا إلى أن أولويات الإخوان في الحكم انحصرت في الاستيلاء على الدولة المصرية وتسخير كل إمكانياتها لخدمة تصورهم عبر العالم، وأشار إلى أن الإخوان تعاملوا مع الثورة على أنها مجرد فرصة للقفز على السلطة، وخانوا الثوار ومبادئ الثورة حتى قبل تنحي مبارك، واستبعد حسن، شروع الإخوان في المراجعة المنهجية لأدبيات خطابهم، متوقعا استمرارهم في خيار المواجهة، فإلى تفاصيل الحوار:
• ما تقييمك لتجربة جماعة الإخوان المسلمين في حكم مصر؟
•• كانت تجربة فاشلة بكل المقاييس. هم ظلوا عقودا من الزمن يزعمون أنهم "الحل" ولديهم "مشروع نهضة" وأنهم يشكلون أملا ووعدا للأغلبية الكاسحة من الناس، لكن حين حازوا السلطة ظهر أنهم بلا رجال دولة، وبلا مشروع، ولا رؤية. وثبت للمصريين المسافة الشاسعة بين أقوالهم وأفعالهم.
• وما أسباب الفشل في رأيك؟
•• هي أسباب مركبة، منها عدم الخبرة، والسعار الذي أصابهم بغية ابتلاع الدولة، وفي ظني أننا يمكن أن نجملها في عشرة أسباب على النحو التالي:
الأول: الخروج على خط الثورة ومطالب الثوار، حيث التنكيل بالشباب، وخطف الدستور في ليلة لا تنسى، والانفراد بوضع قواعد المنافسة السياسية بما يمنع تداول السلطة، وغياب العدل الاجتماعي، وتضييق الحريات العامة، وتهديد الوحدة الوطنية والعيش المشترك، وإهانة المواطنين، واستعلاء الجماعة الحاكمة، رغم تخلفها ورجعيتها، عليهم، علاوة على تقليص الديمقراطية في مجرد "صندوق انتخاب" وهو مجرد إجراء من إجراءاتها العديدة إلى جانب قيمها وأنساقها التي غابت تماما عن الذهنية الإخوانية المثقلة بعبء الاستبداد على مستوى الخطاب والممارسة والتاريخ والبنية الداخلية للجماعة. كما حصرت الجماعة الشرعية في عملية "شكلية" تتمثل في حصد الأصوات، وتصرفت على أنها قد حازت صكا على بياض من المصريين تفعل بهم ما تشاء، ونسيت أن الشرعية مشروطة باحترام الدستور والقانون وتنفيذ الوعود وتقديم الإنجازات.
الصدقات السياسية
الثاني: غياب أي مشروع للتنمية، وتراجع الاقتصاد بطريقة مخيفة، حيث زيادة معدلات التضخم والبطالة وارتفاع الأسعار بمستوى غير مسبوق، في مقابل ارتفاع نسبة من وقعوا تحت خط الفقر، وتدني قدرة الدولة على تقديم الخدمات للمواطنين، بينما استمر الإخوان في معالجة هذا الأمر بالطريقة التي ألفوها طيلة حياتهم، وهي تقديم الصدقات السياسية. صحيح أن المواطنين المصريين قبلوا بهذه الطريقة عندما كان الإخوان في المعارضة، لكنهم رفضوها رفضا مطلقا من سلطة تقدمت إلى الكراسي الكبرى تزفها وعود مفرطة زائفة.
الثالث: استمرار غياب الأمن، حيث لم ينجح مرسي في تحقيق مطالب الناس بتحديد "وظيفة أمنية" للشرطة مختلفة عن تلك التي كانت متبعة أيام مبارك، حيث انحرفت من حماية المجتمع إلى قهره لحساب السلطة. كما لم يستجب مرسي لكل مطالب تطهير أجهزة الأمن بل سعى وضغط عليها لتكون في خدمته وجماعته على حساب المصلحة العامة، وهو ما ترفضه أغلبية رجال الشرطة إلى الآن.
الرابع: التسبب في إحداث انقسام خطير للمجتمع للمرة الأولى في تاريخ البلاد بهذا القدر الجارح، وعودة جماعة الإخوان إلى ممارسة العنف بشتى ألوانه الرمزية واللفظية والمادية، علاوة على إكراه السلطة وتجبرها، والذي قاد إلى استشهاد العشرات خلال سنة من حكم مرسي، وإصابة المئات، وحبس وتعذيب الآلاف.
تدمير مقدرات الدولة
الخامس: افتقاد مرسي وجماعته إلى أدنى درجة من الكفاءة في إدارة الدولة، فيما غاب مبدأ "الاستحقاق والجدارة" عن عملية تعيين الذين يتولون الوظائف القيادية العامة وهم إما إخوان (عاملون منتسبون متعاطفون) أو متأخونون أو منسحقون يأتمرون بأمر الجماعة، وهذا نوع من الفساد الإداري، يدمر مقدرات الدولة. فالإخوان لم يجربوا في تسيير أمور دولة من قبل، ولم يعترفوا بغياب هذه الإمكانية عنهم، بل كابروا وتصدروا المشهد الرسمي، ورفضوا فتح أي باب أو نافذة لتعاون أصحاب الكفاءات الحقيقية معهم، وتصرفوا وكأن الدولة أحد مشاريعهم الخاصة.
السادس: ترك مرسي الفرصة كاملة لمكتب الإرشاد للتحكم في زمام أمور الدولة، رغم أنه بلا أي حيثية قانونية أو مشروعية، وطاعته هو شخصيا، بل انصياعه التام، لإرادة التنظيم الدولي للإخوان، وإظهار ولائه للجماعة على حساب الوطن، إلى الدرجة التي اقتنع فيها الكثير من المصريين بأن مرسي لم يكن سوى مندوب الجماعة في الرئاسة، أو وفق التعبير الإخواني: "الأخ مرسي مسؤول شعبة الرئاسة".
السابع: خداع الشعب والكذب المتوالي والفاضح عليه، والإمعان في تضليله، إذ وجد الناس بمرور الأيام أن كل ما وعد به مرسي أثناء حملة انتخابات الرئاسة كان محض تلاعب بمشاعر ومصالح الناس، واتسعت الفجوة بين القول والفعل، ففقدت السلطة مصداقيتها ومشروعيتها الأخلاقية، ولم تلح في الأفق أي بادرة أمل في إمكانية مراجعة الإخوان لأنفسهم أو تغيير نظرتهم وسياستهم.
تقديم مصالح التنظيم
الثامن: تعريض الأمن القومي للخطر، وهو الذي ظهر في معالجة أزمة "سد النهضة"، واتخاذ خطوات حيال سوريا من دون ترتيب مع الجيش، بما فتح الباب أمام تورطه في حرب خارجية لحساب مصالح جماعة الإخوان وارتباطاتها وتحالفاتها، وكذلك فتح الباب أمام إمكانية وضع المعلومات الاستخباراتية التي تهم الدولة المصرية أمام أعين التنظيم الدولي للإخوان، بما يمكنه من استغلالها لصالحه على حساب أمن البلاد. كما انفتح مرسي على أعضاء من الإخوان غير مصريين، على رأسهم حركة حماس، للتدخل في الشأن المصري، وإيذاء شعب يحكمه، وأقسم على رعاية مصالحه.
التاسع: عدم الانشغال بمصالح مصر، وتقديم مصالح تنظيم الإخوان عليها، وهي مسألة بانت في معالجة أزمة "الخلية الإخوانية" في الإمارات، وفي اتفاق الهدنة بين حماس وإسرائيل، وفي التعامل مع ملف حلايب وشلاتين، وأخيرا في خطابه الأخير الذي هدد فيه بالدم، غير عابئ بأرواح المواطنين، سواء كانوا معارضين أو مؤيدين له.
العاشر: الإضرار بصورة مصر في الخارج، إذ بدت وكأنها "دولة راعية للإرهاب" أو باتت على شفا هذا التصنيف الخطر، وقد اتضح هذا بجلاء من خلال تحالف الإخوان سرا مع الجماعات التكفيرية والإرهابية في شبه جزيرة سيناء وغيرها. كما تجلى ضعف تقدير الرؤساء وكبار المسؤولين لمرسي في زياراته الخارجية المتتابعة، التي لم تحقق أي فائدة تذكر للبلاد، بينما لم يزر أحد من الرؤساء مصر في ظل حكم مرسي إلا أمير قطر السابق، الذي كان مقصده الحقيقي هو دخول قطاع غزة من الأراضي المصرية.
التهام الحلفاء
• في ضوء فشل الإخوان في حكم مصر كما ذكرت، ما توقعاتك لتأثير ذلك الإخفاق على نظرائهم في تونس والمغرب لاسيما مع تصاعد الرفض الشعبي للإخوان في تونس؟
•• صنعت مصر جماعة "الإخوان المسلمين" سنة 1928 فصنعوا ظاهرة "الإسلام السياسي" في العالم بأسره، إما انسلاخ منهم أو تأس بهم أو مضاهاة لهم أو امتدادا لجماعتهم التي جعلت مقصدها ما تسميه "أستاذية العالم" فساحت في الأرض وراء هذا الحلم بعيد المنال. وبانكسار الإخوان بعد إزاحة حكمهم في مصر، تتعرض فكرتهم للانطفاء، وتتساقط شعاراتهم الأخلاقية، ويتصدع تنظيمهم، ما يفتح بابا وسيعا أمام أسئلة منطقية عن مستقبل الإسلام السياسي برمته، لاسيما أن سقوط الإخوان في مصر تبعته مظاهرات لأعضاء التنظيم في بلدان شتى. وأعتقد أن السقوط الأخلاقي والسياسي للجماعة الأم سيؤدي إلى سقوطها في بقية الدول العربية والإسلامية لكن تباعا.
• غير بعيد عن السؤال السابق، وإمعانا في رصد المفاعيل الثابتة والمتغيرة في أسلوب تعاطي الإخوان مع نظام الحكم، هل من ارتباط بين إخفاق تجربة الإخوان المسلمين في مصر وفشل تجربتهم في السودان وغزة؟
•• تجربة الإخوان في السودان تقول بوضوح إنهم يأكلون حلفاءهم، ويتشبثون بالسلطة حتى لو على حساب وحدة التراب الوطني، ويمنعون غيرهم من الوصول إليها حتى لو سعى إلى ذلك بالطرق الشرعية السلمية، ويفشلون في تحقيق ما وعدوا به الجماهير. أما في غزة فإننا أمام تجربة "القرصنة السياسية" بكل معنى الكلمة، واستعمال الديمقراطية لمرة واحدة، والقسوة الشديدة في معاملة المختلفين، والتآمر على المستقبل، والمتاجرة بالدماء، وبيع القضية ورهنها لحساب أطراف خارجية.
التفكير الأممي
• وماذا كانت أولويات إخوان مصر من واقع مراقبتك لأدائهم في تجربة الحكم؟
•• تمثلت أولوياتهم في الاستيلاء على الدولة المصرية ثم تسخير كل إمكانياتها لخدمة تصورهم عبر العالم، لأنهم لا يؤمنون بالفكرة الوطنية، ويفكرون بطريقة "أممية" يصبح فيها الإخواني ولو من كوريا أقرب إليهم من المسلمين المصريين الذين يعيشون معهم، ويقتسمون معهم الزاد والماء.
• اعتبر البعض أن الشعب المصري اختار الإخوان عبر صناديق الانتخاب لا حباً فيهم ولكن كرهاً في القمع، فما قراءتك للعلاقة بين الطرفين في ضوء مظاهرات 30 يونيو؟ وما تقديرك لخسارة الجماعة لشعبيتها؟
•• الشعب المصري لم يصوت على مشروع الإخوان في الحقيقة، إنما أراد أن يمنحهم فرصة، لاختبار مقولاتهم وشعاراتهم وادعاءاتهم، ولا تنس أنهم أظهروا بعد رحيل مبارك انضباطا في التعامل مع الجيش، وتحدثوا طويلا عن الاستقرار ودوران عجلة الإنتاج واحترام مؤسسات الدولة وأن لديهم مشروعا للنهضة. لكن ثبت أن كل هذا كان نوعا من التسويق السياسي الفارغ والدعاية الرخيصة والتحايل، وحين اكتشف المصريون هذا خرجوا ليخلعوهم وينزعوا منهم سلطة لم يفعلوا أي شيء يدل على أنهم يفهمون متطلباتها والتزاماتها ومهامها.
القفز على السلطة
• تقودنا هذه الإجابة إلى التساؤل عن مدى التزام الإخوان المسلمين بمطالب ثورة يناير التي شاركوا في إنجاحها؟
•• الإخوان تعاملوا مع الثورة على أنها مجرد فرصة للقفز على السلطة، وخانوا الثوار ومطالب ومبادئ الثورة حتى قبل تنحي مبارك، حين ذهبوا للتفاوض مع نظامه على حساب الشعب والثورة، ولو كان النظام قد منحهم شيئا لباعوا الجميع من أجل مصالحهم، فهذه عادتهم طيلة حياتهم، خدمة السلطة والتحايل عليها، لحين تأتي الفرصة التي يأكلونها فيها. فعلوا هذا مع الملك فاروق وعبدالناصر والسادات ومبارك والمجلس العسكري بعد ثورة يناير.
• ذكرت أن الإخوان وظفوا الثورة للقفز على السلطة، فما تفسيرك إذن لاتجاههم في الاستئثار بالسلطة رغم تناقض مسلكهم مع الواقع السياسي الجديد الذي فرضته ثورة يناير؟
•• ظل الإخوان يقولون للجميع أنهم ليسوا "طلاب سلطة" وحتى حين بدت عليهم الرغبة رفعوا شعار "مشاركة لا مغالبة" لكن لما دنت لهم الأمور سعوا إلى السيطرة على كل شيء من خلال عملية "أخونة" ممنهجة للدولة، ولو استمر حكمهم لصنعوا ميليشات مسلحة تابعة لهم، واستولوا على الجيش وحولوه إلى "جيش إخواني" مهمته الأولى هي قمع معارضيهم، وليس الدفاع عن البلاد.
• هل يمكن القول بناء على نواتج تجربة حكم الإخوان في الحكم، أن الشعوب العربية تعرفت بما يكفي على الإخوان المسلمين في السلطة بعدما كان التعرف عليهم قاصرا على تجربتهم في السجون والمنافي؟
•• أعتقد أن خبرة سنة مع الإخوان ألغت ادعاءات خمسة وثمانين عاما، ولو لم يصلوا إلى السلطة ويجربهم الناس، لظلوا بالنسبة لهم هم "الوعد" و"الأمل" و"الحل"، ورب ضارة نافعة، فلهفتهم على الحكم كشفت نواياهم، وعرت المكبوت والمضمر سنوات طويلة، وأجابت على آلاف الأسئلة المعلقة في أذهان الناس. ولو أنفق خصوم الإخوان السياسيين تريليون دولار لإقناع المصريين بحقيقتهم ما نجحوا في إزالة التعاطف معهم، والتعامل معهم على أنهم أصحاب "مظلومية" كما يروجون عن أنفسهم، لكن حيازة الحكم حققت هذا الهدف بأيدي الإخوان أنفسهم.
الخيارات الثلاثة
• بالنسبة للخيارات المطروحة أمام الجماعة الآن، هل تتوقع أن تجري الجماعة عمليات مراجعة داخلية عميقة؟ وما مدى أهميتها بالنسبة لحاضر الجماعة ومستقبلها؟ وألا ترى أنه من الضروري أن تطال المراجعة المواقف والسياسات والقيادات والمؤسسات؟
•• بعد ثورة يونيو في مصر أصبح أمام الإخوان ثلاثة خيارات:
الأول: خيار إلى الأمام: ويعني مراجعة الأفكار والأدوار وإبداء الاعتذار عما اقترفته الجماعة في حق الشعب المصري من أخطاء أثناء تواجدها في الحكم. وتقديم تصور جديد يؤلف بين الجماعة وبين فكرة "الوطنية" ويظهر إيمانها الجازم بالتعددية السياسية والفكرية وتداول السلطة، وقطعها بأن الديمقراطية لا تعني فقط "صندوق انتخاب" إنما هذا مجرد إجراء من حزمة إجراءات يجب أن تواكبها قيم ونسق للحرية الشخصية والعامة والتسامح والانفتاح وتكافؤ للفرص واحترام حقوق الإنسان، وكذلك إعادة ترتيب صفوف الجماعة بما يقود إلى تنحية القادة المنحدرين من "التنظيم الخاص" الذي مارس العنف والإرهاب وتقديم الإصلاحيين على حساب المنتمين إلى أفكار سيد قطب التكفيرية. وبعد هذا يمكن للمجتمع أن يعيد بشكل طوعي دمج الإخوان، فكرا وتنظيما، ولن يبقى سوى وضع هذا التنظيم تحت سلطان الدولة، مراقبة ومحاسبة، وليس إبقائه على صيغته الحالية، وكأنه دولة داخل الدولة.
الثاني: خيار إلى الخلف: وهو الدخول في مواجهة عنيفة وأعمال عدائية وإرهابية ضد المجتمع ومؤسسات الدولة، وفي مطلعها القوات المسلحة، انتقاما من إسقاط سلطة الإخوان، ورغبة في إفشال السلطة التي حلت محلهم، وإرهاق الدولة وأنهاك قواها، وإجبار أهل الحكم على تقديم تنازلات جذرية أو فارقة. وهذا الخيار يعني ببساطة انتحار الإخوان، لأنه لا يمكن لتنظيم أن ينتصر على شعب، أو يهز أركان دولة راسخة مثل مصر، لديها تجربة في التعامل مع الإرهاب، وسبق لها أن انتصرت عليه غير مرة.
الثالث: خيار الثبات في المكان: وبمقتضاه يدخل الإخوان في تفاوض مع السلطة الجديدة، يعيدهم إلى الحياة العامة تحت طائلة المشروعية القانونية والشرعية السياسية، فيخوضون غمار الانتخابات البرلمانية والمحلية وربما الرئاسية، ويظهرون تسليمهم التام بما جرى، لكنهم يبطنون عكس ذلك من خلال تمويل وتحريك بعض التنظيمات التكفيرية التي تمارس الإرهاب لاستنزاف الدولة. والإخوان اختاروا الخيار الثالث، وحتما سيفشلون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.