فطر الله الناس على الاختلاف فيما بينهم حين النظر إلى بعض الأمور في هذه الحياة، وهو اختلاف مبني على عوامل كثيرة منها تكوينهم البيولوجي وظروفهم البيئية التي تحيط بهم وأساليب التنشئة التي تلقوها ونوع التعليم الذي نالوه وما شابه ذلك من جوانب ذات تأثير على التركيب العام للشخصية. وهذا الاختلاف الموجود بين الناس يؤدي بهم أحياناً إلى عدم قبول أفكار بعضهم بعضا، وهو ما يسبب لهم أحيانا مشكلات قد ينتج عنها شقاق ونزاع فيما بينهم. لكن ذوي السلطة منهم، سواء كانت سلطة فكرية أو اقتصادية أو سياسية أو غيرها، لا يعانون من ذلك، هم غالبا يوظفون مكانتهم وقوتهم السلطوية في فرض آرائهم على البقية وبالتالي ينهون قضية النزاع تلك. الإمام أبو حامد الغزالي له رأي في هذه المسألة، هو يرى أن الناس عادة لا يخرجون عن فئات ثلاث: فئة العوام، وفئة محبي الجدل، وفئة الخواص، وأن كل فئة من هذه الفئات الثلاث تختلف عن الأخرى في سمات الشخصية، وهذا ما يجعل طرق إقناع الناس متى وقع الجدال حول أمر ما، تتفاوت من فئة لأخرى. وعنده أن الفئة الأولى فئة العوام، لا يشكل أصحابها صعوبة في إقناعهم بالرأي، إما لأنهم ليسوا بالفطنة الكافية، وإما لأنهم شغلوا بالحرف والصناعات فألهاهم ذلك عن الاهتمام بما هو غيره. وأن الفئة الثانية، فئة محبي الجدل الذين دأبهم إثارة الشكوك والمماراة، يتفاوتون فيما بينهم، فبعضهم مفطورون على حب العناد والمكابرة، وهؤلاء لا ينفع معهم سوى القوة في فرض الرأي. وبعضهم الآخر مفطورون على حب المعرفة فهم يجادلون بغية الوصول إلى مزيد من العلم، ومثلهم يحسن إقناعهم بالملاطفة واللين. أما الفئة الثالثة، فئة الخواص من أهل الذكاء والبصيرة، فهؤلاء في رأيه خير ما يصلح لإقناعهم اتباع القياس المنطقي والخطاب العقلي. نلاحظ هنا، كيف أن الغزالي يتحدث من منطق ذاتي بحت، منطق يقول إن الصواب معه وحده، وإن الآخرين يختلفون معه ليسوا سوى محبين للجاج ومتعصبين للرأي، لذلك ينصب همه على البحث عن أنجح الطرق لتسويق رأيه وإلزام المخالفين به، فيستعين بالخطاب العقلي والقياس المنطقي مرة، وبالملاطفة واللين مرة، لكنه متى فشلت معه تلك الأساليب ويئس من إقناع المجادل، لا يجد بدا من اللجوء إلى القوة لفرض الرأي، فذلك عنده ضرورة لعلاج ما في المجادل من عناد ولجاجة وتعصب للرأي! من الواضح أن الغزالي لا يخطر بباله أنه يمكن أن يكون هو المتعصب للرأي، وأنه هو المجادل عنادا ولجاجة، ولأنه لا يخطر ذلك بباله، فإنه يجعل الفطنة في حسن انتقاء الأساليب التي تؤدي إلى قبول الآخرين لما يرى، أما التراجع والقبول برأي الآخر المختلف معه، فهذه لا ترد بالبال مطلقا، وكم مثل الغزالي بيننا! فاكس 45555382-1. للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة