ودع لبنان أمس العلامة الشيخ محمد حسين فضل الله عن 75 عاما، إثر إصابته بنزيف داخلي، حيث أدخل المستشفى في بيروت قبل أسبوع في مراجعة عادية، إلا أنه أصيب فجر الجمعة بنزيف داخلي حاد تسبب في وفاته. ونعاه أهله ومكتبه في مؤتمر صحافي عقد وسط بكاء ونحيب المئات من محبيه في جامع الإمامين الحسنين في الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث اعتاد فضل الله الصلاة هناك. ومما جاء في بيان النعي «شكلت فلسطين الهم الأكبر لحركته منذ ريعان شبابه وحتى الرمق الأخير، قائلا لن أرتاح إلا عندما يسقط الكيان الصهيوني، كما أنه وقف في مواجهة الفتن بين المسلمين، رافضا أن يتآكل وجودهم بفعل العصبيات المذهبية الضيقة، معتبرا أن كل من يدير فتنة بين المسلمين ليمزق وحدتهم ويفرق كلمتهم هو خائن لله ورسوله وأن صام وصلى». ونعاه رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري قائلا «إنه واحد من أبرز أركان المرجعية الإسلامية الرشيدة.. والذي بفقدانه تفتقد الأمة داعية من طلائع الدعاة إلى الوحدة الإسلامية، وصوتا مدويا من أجل نصرة قضايا الحق والعدالة ومقاومة الظلم والعدوان، وداعما من أبرز دعائم قيام لبنان نموذجا للتعايش بين الحضارات والأديان وظهيرا للمقاومة ظل حتى الرمق الأخير». ولد فضل الله في نوفمبر 1935 في العراق، وبدأ دراسته للعلوم الدينية في سن مبكرة جدا، ثم أصبح أستاذا للفقه والأصول في الحوزة العلمية الكبرى في النجف. عاد إلى لبنان عام 1966. وأسس حوزة «المعهد الشرعي الإسلامي»، وشكل بذلك نقطة البداية لكثير من طلاب العلوم الدينية. كما رعى العديد من المشاريع الخيرية والاجتماعية. هو كاتب غزير الإنتاج ألف أكثر من 40 كتابا عن الإسلام والسياسة والمرأة، إضافة إلى العديد من القصائد الشعرية، ومن مؤلفاته: «أسلوب الدعوة في القرآن»، «الإسلام ومنطق القوة»، «فقه الشريعة» الذي يضم آراءه الفقهية الكاملة ليسترشد بها مقلدوه. ولفضل الله 11 ولدا، سبعة أبناء وأربع بنات. عرف فضل الله بانفتاحه على العصر في فتاواه، رغم تمسكه بأصول الدين. وقال عنه وزير الصحة اللبناني محمد جواد خليفة إثر إعلان نبأ وفاته «لقد جسد السيد فضل الله التحرر والسير إلى الأمام ومجاراة العلم والتطور مع مراعاة الثوابت». ووصف المؤرخ الأب أنطوان ضو، الأمين العام للجنة الحوار الإسلامي المسيحي في لبنان، فضل الله بأنه كان «مرجعية مستقلة وقائمة بحد ذاتها. له اجتهادات خاصة وهو مميز عن غيره من المرجعيات بانفتاحه». وأشار ضو الذي كانت له جلسات حوارية عديدة مع فضل الله حول الحوار الإسلامي المسيحي، إلا أن الراحل «كان يرى أن العلاقات المسيحية الإسلامية في لبنان تستند إلى أسس لاهوتية وفقهية وليس فقط اجتماعية». وينقل عن المرجع العراقي الراحل محمد باقر الصدر قوله لدى عودة فضل الله إلى لبنان «كل من خرج من النجف خسر النجف إلا السيد فضل الله، فعندما خرج من النجف خسره النجف». فضل الله يعتبر من أشد المنتقدين للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط وتحالفها مع إسرائيل، لكنه أشاد بالرئيس باراك أوباما في بادئ الأمر قائلا إنه «لا يعوزه الصدق»، عندما قال إن إدارة الولاياتالمتحدة ليست في حالة حرب مع الإسلام، ومع ذلك انتقد في وقت لاحق الإدارة الأمريكية قائلا إنها تخدع العرب والمسلمين عبر إيهامهم بأنها ترسم سياسات بعيدة عن سياسات الرئيس السابق جورج بوش.