في بداية العقد الحالي كتبت مجلة النيوزويك الأمريكية على غلافها بالخط العريض سؤالا يقول: هل أصبحت أمريكا بلا أخلاق؟ هذا السؤال أثار العديد من ردود الفعل في أمريكا ليس على المستوى الإعلامي فحسب، بل على مستوى الأبحاث والدراسات التي ظهرت بهدف تحليل المشكلة ومعرفة أسبابها وسبل علاجها. النيوزويك جاءت إثارتها لهذا السؤال نتيجة لعوامل عديدة منها سلسلة الفضائح المتتالية التي عصفت خلال تلك الفترة بشركات أمريكية ضخمة مثل انرون ووورلدكوم وآرثر اندرسون وتايكو ودلفيا، إضافة إلى زيادة انتشار أشكال مختلفة من الجرائم في المجتمع الأمريكي مثل الرشوة والتحرش الجنسي والمخدرات. الولاياتالمتحدة أخذت هذا الموضوع على محمل الجد، حيث لم تتوقف تلك البحوث والدراسات وإجراءات العلاج حتى يومنا هذا، حتى أن الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر أصدر كتابا بعنوان «مبادئنا المندثرة: كارثة الأخلاق الأمريكية»، ظهرت بعده عدد من المؤلفات المماثلة والتي تحذر من أن هذا الانحدار الأخلاقي سيؤذن بزوال الولاياتالمتحدة ما لم يتم تداركه والتعامل معه بجدية. وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر أثير سؤال آخر في أمريكا هو «لماذا يكرهوننا؟» في محاولة للإجابة على أسباب انتشار موجة العداء للولايات المتحدة في أنحاء مختلفة من العالم. وفي حين أن الولاياتالمتحدة وفق رأيي الشخصي تعاملت بإيجابية مع السؤال الأول، إلا أنها تعاملت بغرور وعدم واقعية مع السؤال الثاني، فبررت زيادة حالة العداء ضدها بأنه نابع من الغيرة والحسد ومعاداة الحرية والديموقراطية وأسلوب الحياة الأمريكي. اليوم آن لنا كمجتمع أن نسأل أنفسنا ذات السؤالين وبصدق تام: هل نحن على خلق؟ ولماذا يكرهوننا؟ هل نحن على خلق؟: سؤال يمكن الإجابة عليه من خلال العديد من الوسائل، منها وبشكل مبسط مدى انتشار الجرائم بأشكالها المختلفة، وملاحظة بعض أنماط السلوك العام السائدة في المجتمع. ففي الوقت الذي نجد فيه أن جرائم الفساد المالي كانت هي الدافع لإثارة هذا السؤال في أمريكا، فقد شهد مجتمعنا خلال السنوات الماضية بروزا واضحا وانتشارا لجرائم مثل الرشوة والنصب والاحتيال وسرقة المال العام بصورة لا يمكن وصفها إلا بالمؤثرة والمخيفة. حيث أدت على سبيل المثال لا الحصر قضايا توظيف الأموال والاحتيال على مستويات الأفراد والشركات إلى فقدان شريحة كبيرة من أبناء المجتمع لمدخراتهم. وأخيرا جاءت كارثة سيول جدة لتظهر لنا وبشكل مرعب قمة جبل جليد الفساد المالي من سرقة للمال العام وانتشار للرشوة والمحسوبية تسببت في إزهاق أرواح عشرات الأبرياء وإتلاف الممتلكات وخسائر مادية بعشرات الملايين من الريالات. من ناحية أخرى فقد شهد العقدان الماضيان انتشارا متزايدا لجرائم لم تكن معهودة بهذا الشكل من قبل مثل المخدرات والعنف الأسري واغتصاب المحارم والقتل والانتحار. فبالنسبة للمخدرات على سبيل المثال، فإنه بالرغم من الجهود الجبارة التي تقوم بها وزارة الداخلية وإحباطها لعمليات تهريب كميات ضخمة جدا من المواد المخدرة للبلد، إلا أن التقارير تشير إلى أن نسبة الإدمان خلال الخمس سنوات الماضية ازدادت بمقدار 4 أضعاف ما بين رجال ونساء وأطفال. الإحصاءات الخاصة بالجرائم ليست هي السبيل الوحيد للإجابة على سؤال هل نحن على خلق؟.. حيث إن مجرد ملاحظتنا للسلوك العام في مواقع مختلفة كالشارع والبيت وأماكن العمل أو خارج حدود البلد تقدم لنا مؤشرات وإجابات مقلقة على ذلك السؤال. إن قيادة السيارة في شوارعنا تظهر لنا بوضوح درجة عالية من العدوانية والتهور وقلة الاحترام المتبادل بين الناس.. وأنا هنا لا أتحدث عن مجرد حالات محدودة أو عابرة، بل هو مظهر غير منقطع تراه طوال وجودك على المقود في شوارعنا. وهو يصدر من كافة الفئات شبابا أو كبارا، مواطنين أو مقيمين. ويكفي أن نقول هنا إن إحدى مدن المملكة ضربت رقما قياسيا في عدد المضاربات عند إشارات المرور والتي تستخدم فيها الأسلحة البيضاء ويكون الدافع لها مجرد نظر أحد السائقين إلى الآخر. هذه العدوانية وعدم مراعاة مشاعر الآخرين نراها ليس فقط في الشارع، ولكن في مكاتب العمل من قبل الموظفين والمراجعين على حد سواء. كما أن إحصاءات قضايا العنف الأسري العالية تعكس وجود تلك الروح العدوانية تحت أسقف المنازل أيضا. خلاصة القول: إننا بحاجة إلى الإجابة بواقعية وصدق على هذين السؤالين دون ترديد لعبارات مستهلكة مثل: «نحن أكثر الشعوب تمسكا بالدين ودراسة له في مدارسنا وبالتالي أكثرها تمسكا بالأخلاق» أو «إنهم يكرهوننا بسبب الغيرة والحسد». هذه هي الإجابات الخاطئة وعلينا أن نبحث عن الإجابات الصحيحة لكي يتسنى لنا حل مشاكلنا بصدق وواقعية.