مازال العلماء مختلفين حول حدود حرم المدينةالمنورة منذ أكثر من 600 عام عندما أنكر بعض العلماء، دون وجه حق، وجود جبل ثور في المدينةالمنورة، كما يقول الباحث في تاريخ المدينةالمنورة الدكتور سليمان الرحيلي. والاختلاف الذي يتواصل بين العلماء والباحثين يتركز أوله في الحدود الشرقية والغربية للحرم، ثم تطور كما يقول الرحيلي إلى «الاختلاف بين النصوص الصحيحة في هذا المجال، وبين الأعلام التي عملت في السنوات الأخيرة في تلك الجهتين». وتتواصل في المدينةالمنورة حاليا اللقاءات بين الباحثين والدارسين، التي بدأت الاثنين الماضي محاولة لحسم الجدل القائم حول الحدود، حيث كلفت اللجنة الفرعية المشكلة من هيئة كبار العلماء في اجتماعها في المدينةالمنورة نهاية محرم الماضي مركز دراسات وبحوث المدينةالمنورة بجمع آراء الباحثين المختلفة في حدود الحرم ودراستها وتدقيقها، للخروج بتصور نهائي يتم الاعتماد عليه. معيار المسامتة مدير مركز ودراسات المدينة الدكتور صالح بن عواد المغامسي أوضح أن الباحثين يناقشون بعض الإشكالات العلمية الواردة من البعض حول التحديد القائم حاليا، مشيرا إلى أن أبرز الإشكالات المطروحة في الاجتماع الماضي «هل هناك حد للحرم وحد آخر للحمى؟ وكيفية الجمع بين الأحاديث الواردة بتحريم ما بين اللابتين، وقيام اللجنة الثانية بالأخذ بمعيار (المسامتة) وهو ما عليه الوضع القائم حاليا»، مبينا أن الباحثين ناقشوا تلك الإشكالات وقربوا وجهات النظر علميا ما أمكن والجمع بينها، مؤكدا أن اختيار اللجنة الفرعية لمركز دراسات وبحوث المدينة للقيام بهذه المهمة يعد اختيارا للمكان الصحيح لمثل هذه اللقاءات التي تفي بكل ما يتعلق بالمدينةالمنورة. وأكد المغامسي: رئيس اللجنة الفرعية الشيخ عبدالله بن منيع عضو هيئة كبار العلماء طالب باحترام وجهات نظر الباحثين وتدوينها، ومن ثم الرفع بها إلى اللجنة الفرعية لتقوم بطرحها ضمن جدول أعمال هيئة كبار العلماء في اجتماعها المقبل. وكانت اللجنة الفرعية عقدت أول اجتماعاتها نهاية الأسبوع المنصرم برئاسة الشيخ المنيع، بحضور عدد من أعضاء هيئة كبار العلماء: الدكتور عبدالله بن محمد المطلق، الدكتور محمد مسير مباركي، والدكتور محمد حسين آل الشيخ، بوجود 6 باحثين ومؤرخين من بينهم: الدكتور غازي التمام، الدكتور خليل ملا خاطر، الدكتور صالح الرفاعي، الدكتور سليمان الرحيلي، والشيخ صالح المغامسي. اتفاق واختلاف الدكتور عبدالرحمن الأنصاري يتفق مع رأي المغامسي في مسألة إبقاء الحدود كما هي قائمة الآن، يوضح الأنصاري أن: «الأصل هو إبقاء الحدود على ما هي عليه حاليا» معللا رأيه أن تحديدها تم خلال لجنة شرعية بتكليف من ولي الأمر . مضيفا: «طالبنا الباحثين في الاجتماع بمراعاة هذا الأصل واستصحابه». وردا على الباحثين المشككين في الحدود الحالية قال الأنصاري: «الشكك لن يتوقف إلى قيام الساعة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحددها بالكامل، ولا حتى صحابته، الذين اهتموا بهذا الجانب»، مستغربا الاهتمام بهذا الجانب طالما نعرف الحدود الأساسية للمدينة، مضيفا: أعتقد أن الفتوى التي صدرت قديما من مفتي الديار السعودية آنذاك الشيخ محمد بن إبراهيم فيها الكفاية «والمفترض أن يعمل بها». ويركز الدكتور الرحيلي على المفهوم الشرعي المعهود، ويرى أن تحديد حدود المدينتين المقدستين، وهما الوحيدتان في العالم اللتين حددهما الشرع، له حكمة نعرفها أو عرفنا بعضا منها، إضافة إلى أهمية النظر إلى حدود الحرم وحماه بمفهوم مدني وحضاري راق جدا في الحفاظ على المدن وتنظيمها وحمايتها من التلوث والحفاظ على الحياة الفطرية في محيطها. ويؤكد الدكتور الرحيلي ذلك حيث يقول: «إعادة دراسة حدود الحرم علمية بحتة تهدف إلى الملاءمة بين تحقيق النصوص الصحيحة فيها، وتلافي اللبس أو القصور عند تنفيذ أعلامها على الطبيعة، لاسيما في الشرق والغرب والحق أحق أن يتبع علماً وتطبيقياً بعيداً جداً عن أي اعتبارات أو تأثيرات أخرى». مصالح شخصية بالعودة إلى عالم الآثار الدكتور عبدالرحمن الأنصاري فإنه يرى أن لإعادة الجدل في هذا الموضوع مصالح شخصية «أعتقد أن هذا الجدل لن ينتهي لأنه قد تكون هناك مصالح في مد الجبل شمالا أو جنوبا، مثل إضافة أراض لتكون داخل حدود الحرم، لذلك أرى أن البقاء كما هو عليه الآن هو الأصلح». شراء داخل الحدود ومن جانب آخر فإن بعض المواطنين وخصوصا من خارج المدينةالمنورة عندما يرغبون في شراء أراض للسكن أو الاستثمار يفضلون أن تكون الأراضي المشتراة داخل حدود الحرم، ودلل على ذلك محسن الحربي (عقاري)، الذي يؤكد أن «أول سؤال يواجهنا من القادمين من خارج المدينةالمنورة والراغبين في شراء أراض للسكن إن كانت داخل أو خارج حدود المدينة، وبالتالي فالأسعار تختلف تماما بين داخل وخارج المدينة». قصور المسؤولية وكان بعض الباحثين قد حمل أمانة المدينةالمنورة مسؤولية عدم التزامها ببعض ما ورد من نتائج اللجنة السابقة لتحديد حدود الحرم عام 1420ه، بحجة أنها لم تتمكن من نزع بعض العقارات، لكن الدكتور سليمان الرحيلي لم يعلق على سؤالي حول تبرير الأمانة أو ما هي أهم النتائج التي لم تأخذ بها الأمانة في قرارات اللجنة فكانت إجاباته لي (كباحث) ومتخصص في تاريخ المدينةالمنورة وليس كعضو المجلس البلدي في المدينةالمنورة، ولا أعلم إن كان ما ذهبت إليه من حساسية موقعه في المجلس البلدي من الإجابة على السؤال، أم أنني مخطئ فيما اعتقدته، لكن الدكتور الأنصاري يرى أن تبرير الأمانة غير مقبول عند قوله: «خصوصا إذا كانت اللجنة واثقة في عملها» وبالتالي كان يجب على الأمانة أن تعود إلى اللجنة مرة أخرى لأخذ رأيها في هذا الموضوع (في إشارة إلى عدم تمكنها من إزالة بعض العقارات) واعتبر أن الأمانة قامت بعمل ليس من حقها أن تقوم به.