«أمانة المدينة» تعلن عن توفر عدد من الوظائف‬ للرجال والنساء    نائب وزير الخارجية ونظيره الكولومبي يستعرضان العلاقات الثنائية بين البلدين    أسرتا باهبري وباحمدين تتلقيان التعازي في فقيدتهما    رئيس "الغذاء والدواء" يلتقي شركات الأغذية السنغافورية    الوحدة يحسم لقب الدوري السعودي للدرجة الأولى للناشئين    «حرس الحدود» ينقذ مواطنًا خليجيًا فُقد في صحراء الربع الخالي    الرياض: الجهات الأمنية تباشر واقعة اعتداء شخصين على آخر داخل مركبته    اختيار هيئة المحلفين في المحاكمة التاريخية لترامب    أرمينيا تتنازل عن أراضٍ حدودية في صفقة كبيرة مع أذربيجان    سلام أحادي    تجمع مكة المكرمة الصحي يحقق انجاز سعودي عالمي في معرض جنيف الدولي للاختراعات 2024    حائل.. المنطقة السعودية الأولى في تطعيمات الإنفلونزا الموسمية    المرور بالشمالية يضبط قائد مركبة ظهر في محتوى مرئي يرتكب مخالفة التفحيط    نوادر الطيور    التعريف بإكسبو الرياض ومنصات التعليم الإلكتروني السعودية في معرض تونس للكتاب    وفاة الممثل المصري صلاح السعدني    وزير المالية يعقد مؤتمراً صحفياً للحديث عن النتائج الرئيسية لاجتماعات اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية    موعد مباراة السعودية والعراق في كأس آسيا تحت 23 عامًا    «القوى السعودية» تحصد تسع ميداليات في رابع أيام الخليجية    استبعاد الحمدان إشاعة.. ونيفيز يعد بالتأهل    النصر يفقد لويس كاسترو في 4 مباريات    أمير عسير يتفقد مراكز وقرى شمال أبها ويلتقي بأهالي قرية آل الشاعر ببلحمّر    مدرب الفيحاء: ساديو ماني سر فوز النصر    المملكة ضمن أوائل دول العالم في تطوير إستراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي وفقًا لمؤشر ستانفورد الدولي 2024    ضيوف الرحمن يخدمهم كل الوطن    الرمز اللغوي في رواية أنثى العنكبوت    بطاقة معايدة أدبية    وزارة الخارجية تعرب عن أسف المملكة لفشل مجلس الأمن الدولي    اكتشاف خندق وسور بجدة يعود تاريخهما إلى القرن 12 و13 الهجري    السديري يفتتح الجناح السعودي المشارك في معرض جنيف الدولي للاختراعات 49    إخلاص العبادة لله تشرح الصدور    أفضل أدوية القلوب القاسية كثرة ذكر الله    "الرياض الخضراء" يصل إلى عرقة    كلوب: ليفربول يحتاج لإظهار أنه يريد الفوز أكثر من فولهام    ضبط مقيم بنجلاديشي في حائل لترويجه (الشبو)    "الأرصاد" ينبه من هطول أمطار غزيرة على منطقة مكة    مساعد وزير الدفاع يزور باكستان ويلتقي عددًا من المسؤولين    متحدث الأرصاد: رصد بعض الحالات الخاصة في الربيع مثل تساقط البرد بكميات كبيرة.    "أبل" تسحب واتساب وثريدز من الصين    بينالي البندقية يعزز التبادل الثقافي بين المملكة وإيطاليا    الزبادي ينظم ضغط الدم ويحمي من السكري    السينما في السعودية.. الإيرادات تتجاوز 3.7 مليار ريال.. وبيع 61 مليون تذكرة    التلفزيون الإيراني: منشآت أصفهان «آمنة تماماً».. والمنشآت النووية لم تتضرر    الشاب محمد حرب يرزق بمولوده الأول    مسح أثري شامل ل"محمية المؤسس"    النفط يقفز 3%    "الجدعان": النفط والغاز أساس الطاقة العالمية    فوائد بذور البطيخ الصحية    السودان.. وخيار الشجعان    «سلمان للإغاثة»: اتفاقية لدعم برنامج علاج سوء التغذية في اليمن    تخلَّص من الاكتئاب والنسيان بالروائح الجميلة    غاز الضحك !    أمير الباحة: القيادة حريصة على تنفيذ مشروعات ترفع مستوى الخدمات    محافظ جدة يشيد بالخطط الأمنية    أمير منطقة الرياض يرعى الحفل الختامي لمبادرة "أخذ الفتوى من مصادرها المعتمدة"    تآخي مقاصد الشريعة مع الواقع !    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على محمد بن معمر    سمو أمير منطقة الباحة يلتقى المسؤولين والأهالي خلال جلسته الأسبوعية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصويغ ل «عكاظ»: عملت بوصية القصيبي وقرأت كتاب «الشيخ»
نشر في عكاظ يوم 22 - 10 - 2021

بمزيج عميق من إرث قصيمي وهوية حجازية تتشكل شخصيته المؤثرة، إذ يجمع بين دراسته الأكاديمية وشغفه المعرفي ليقتحم عالم الوظيفة من باب الدبلوماسية والإعلام، ولم يتوقف عند هذا الحد، بل جعل الكتابة رئة ثالثة له. وبين دهاء الدبلوماسي وحصافة الإعلامي وروح ابن البلد امتاز الكاتب الدكتور عبدالعزيز الصويغ بروحه المرحة الساخرة التي تصنع النكتة في جزء من ثانية. ولم تتوقف روح النكتة عنده عند هذا الحد العابر، بل حولها إلى كتب شهد الجميع بفرادتها ليضيفها لرصيده الكتابي المميز في مجالات الدبلوماسية والسياسة والنفط. استضفناه في «عكاظ»، وخرجنا منه بالحوار التالي:
• د.عبدالعزيز دعنا نبدأ من أرض البدايات، ونختصر كل هذه المرحلة التأسيسية في سؤال واحد، ما الذي تبقى من الطفل القصيمي الجداوي في ذاكرة الحياة؟ وكيف تصف طفولتك وشبابك؟ وما أبرز المحطات فيهما؟
•• لم يختلف سؤالك هنا عما هو دارج في مجتمعنا.. فأول سؤال يسألك عنه البعض، حتى لا أقول أكثر الناس، في بلدي عند أول لقاء لك معهم هو: «ويش تعود»؟! وإن كنت أرى أن سؤالك هنا في مكانه في السياق. ومع إيماني بما جاء في حديث رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام: «دَعُوهَا فَإنهَا مُنْتِةُ»، فذكر النسب أو الوطن، على سبيل الافتخار والتكبر، هو بلا شك من دعاوى الجاهلية التي أبطلها الإسلام. غير أن الولوج في السيرة الذاتية للتعريف بضيف «عكاظ» لا مشاحة فيه.
وأبدأ بتأكيد أنني ولله الحمد نشأت وفي فمي ملعقة لا أقول أنها من ذهب، ولكنها كانت من فضة، مقارنة بأقراني فقد كنت طفلاً محظوظاً يستمتع بكل مباهج الحياة. كانت مدينة جدة جميلة كما هي اليوم، صحيح أنها كانت أقل اتساعاً، لكن الجو الاجتماعي فيها كان جميلاً ولطيفاً، ولم تكن فيه العقد الموجودة الآن، أو لأقل التي كانت موجودة منذ سنوات قليلة ماضية. وقد أوردت في مقدمة كتابي (خارج الصندوق: مسيرة حياة) بيتاً لأبي فراس الحمداني لوصف طفولتي وحياتي ومسيرتي، يقول فيه:
الحَمدلله حَمدًا دَائِماً أبَدا ... أعطانيَ الدهرُ ما لم يعطهِ أحدا
وإذا أردت الأصل، أو: «ويش أعود»، فإنه وفق ما يرويه والدي، وجدتي أم والدي رحمهما الله، وما قرأته من وثائق أمدني بها بعض الأقرباء من العائلة، تعود أسرة آل الصويغ إلى قبيلة خزرجية النسب، من فروع بني خدرة بن عوف بن الحارث بن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر بن أمرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد القحطاني، ومن ذرية الصحابي الجليل أبو سعيد الخدري واسمه سعد بن مالك بن سنان بن عبيد، وهو من أهل بيعة العقبة وشهد بدر.
تربى أبي وأعمامي في القصيم ثم عادوا إلى المدينة عندما توفي جدي إبراهيم الصويغ. ولا أعرف الكثير عن جدي إبراهيم -رحمه الله- سوى أنه توفي، كما علمت من والدي، في مدينة بريدة بمنطقة القصيم، فقررت جدتي -رحمها الله- العودة إلى المدينة تجرجر خلفها أبناءها عبدالكريم، وحمزة وحسين، وبناتها، في طريق وعر، حيث يحكي والدي -رحمه الله- كيف أنه وقع في حفرة في الطريق فقالت جدتي لأكبر أبنائها عبدالكريم، أن يتركه، لولا أنه أشفق عليه وحمله على كتفه بعضاً من مسافة الطريق، هذا رغم أن والدي كان أقرب أبنائها إلى قلبها، رحمهم الله جميعاً.
وتنتشر مساكن آل الصويغ في المملكة بمناطق ومدن عديدة من المملكة، منها منطقة الحجاز في المدينة المنورة وجدة، ومنهم في دولة الكويت. وتوزّعت قصة عائلتي من فرع آل الصويغ بين الحياة في المدينة المنورة، والانتقال إلى مدينة جدة، حيث بدأ والدي قصة كفاحه التي حفر فيها في الصخر، حتى وفقه الله ورزقه من أكثر من مصدر.
• كشفت في السنوات الأخيرة عن روح ساخرة مضمرة، هل ستتحول المقالات والتعليقات يوماً ما إلى عمل أدبي وليست سيرة حياتية؟
•• الكتابة الساخرة تحتاج كاتباً من نوع خاص؛ لذا لا يجيدها كل كاتب، بل تتطلب مهارات خاصة، كما أن لها قراءها لأن هناك، كما ظهر من بعض مقالاتي الساخرة، من لا يعرف كيف يقرأ مثل هذه المقالات ويستوعب ما بين سطورها وكلماتها، ففي الكتابة الساخرة:
«مش أي.. أي
ولا زي.. زي
ولا كل مين قال أنا باكتب
كتيييب» !!..
وأعرف أنك أطلعت على كتابي (خارج الصندوق: مسيرة حياة)، فهل تري في سيرتي تلك غير انعكاس لسخرية القدر حتى كدت أن أعنونها «مسخرة حياة»، بدلاً من «مسيرة حياة».. لو تركت لقلمي يا صاحبي العنان، ولم أعمد إلى «الدبلوماسية» في انتقاء كلماتي لخشيت أن تتحول تلك السيرة، أو المسيرة، من «عمل أدبي»، إلى شيء آخر.. قد تختار له، لو شئت، صيغة أخرى... وضع أنت التشكيل الذي تراه للكلمة!!
• هل تعتقد أن ما كتبته عن سيرة حياتك إنسانياً وعملياً كافٍ؟
•• ما كتبته يمشي الحال وفق ما تسمح به المساحة.. وظروف المكان والزمان.. لذا أنا راضٍ عنه إلى درجة كبيرة.
• لماذا دخلت مضمار الكتابة عن عالم النفط بقوة؟ وهل لدراستك في جامعة الملك سعود تأثير في هذا التوجه؟
•• كنت أدرس الدكتوراه في الولايات المتحدة (1971/‏1976)، وكانت أزمة النفط -آنذاك- في أوجها بعد المقاطعة التي قادتها المملكة العربية السعودية بنجاح ضد الولايات المتحدة ودول الغرب في حرب رمضان/ ‏أكتوبر 1973. لذا كانت رسالتي للدكتوراه عن استخدام النفط كأداة سياسة في الصراع العربي الإسرائيلي، ربطت فيها بين المشكلة الفلسطينية واستخدام العرب للنفط كسلاح واعتبرتهما قضيتين متلازمتين لا يمكن التفريق بينهما.
ورغم أنه لا علاقة بين أسعار النفط والمشكلة الفلسطينية، لكن رأيت أن هناك علاقة بين تسييس النفط وتلك المشكلة. وأخرجت من هذه العلاقة مصطلحاً سياسياً هو (بتروبوليتكس Petro-Politics) لوصف الاستخدام السياسي للنفط كسلاح تسيطر فيه الدول المنتجة للنفط على المبيعات والكميات المنتجة من النفط لتحقيق أهداف سياسة لصالح قضاياها السياسية.
ولمعرفة قوة سلاح النفط في تلك الفترة، أعترف المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في تقريره عام 1973 بقوة سلاح النفط بالقول: «قلب الانتصار العربي ترتيب القوة وفتح الباب أمام إمكانية نشوء موازين سياسية جديدة. وفوق ذلك فإنها كانت إلى حد بعيد امتداداً حقيقياً على الساحة السياسية الدولية منذ الثورة الصينية».
كان هذا هو الوضع بعد نجاح العرب في إبراز أحد عناصر قوتهم.. لكن أصبح هذا الأمر مجرد نظرية لم يعد لها مكان في السياسة العربية المضطربة التي فقدت طريقها وأصبحت في التيه لا مكان لها من الإعراب، فذهب سلاح النفط أدراج الريح كغيره من مكامن القوة العربية الأخرى.
من الجامعة إلى الخارجية
• تشربت العمل السياسي والدبلوماسي دراسة وممارسة وتأليفاً، كيف ترى هذه المحطة الطويلة من حياتك؟
•• كان أول مكان قصدته بعد التخرج من قسم العلوم السياسية بكلية التجارة بجامعة الرياض هو وزارة الخارجية اتجهت لها أنا وصديقي العتيد الدكتور علي الغامدي المتخرج من كلية الآداب. لكن كان كلانا ينتظر طلب الجامعة له للعمل معيداً في كليته. وقد سبقني هو ثم بعدها بأسبوع جاء طلب مدير الجامعة الدكتور عبدالعزيز الخويطر لي للمعيدية.
لم تكن الخارجية خياري الأول بل التدريس الذي ما تركته، بعد حوالى ثلاث سنوات من التدريس ورئاسة قسم العلوم السياسية، إلا بعد إغراء العرض بالعمل وكيلاً مساعداً لوزارة الإعلام للإعلام الخارجي الذي وجدت فيه تحديّاً كأول مسؤول في هذا الموقع المُستجد، أضع الأسس لهذه الوكالة المُستجدة. لذا قلت عندما دُعيت عندما كنت سفيراً في كندا، لإلقاء محاضرة بدعوة من أستاذ العلوم السياسية بجامعة كونكورديا الدكتور هنري حبيب (05 أبريل 2007)، الذي قدمني بأنني كنت أستاذاً في الجامعة وترقيت لوكيل وزارة ثم سفيراً لبلادي، وأكدت على قدسية مهنة التدريس الجامعي الذي افتقدته كثيراً، وقد أدرج الدكتور حبيب محاضرتي التي كانت بعنوان: (الثوابت الأساسية للسياسة الخارجية السعودية) ضمن مادة كان يُدرسها لطلبة العلوم السياسية في الجامعة، فقمت بطباعتها في كُتيب ليتم توزيعها على طلاب المادة.
لذا أوكد أن للتدريس مكانة استثنائية وهي من أكثر المحطات التي مرت في حياتي إثارة، وعملت على العودة لها لكن حالت بيني وبينها الظروف.
• كيف كانت تجربتك القريبة عملياً من الأمير الراحل سعود الفيصل؟
•• تجربة ثرية سادتها الصراحة في التعامل ومواقف التأييد من سموه لكثير من القرارات التي كنت أتخذها في صالح العمل، وأبلغ بها سموه بعد إنجازها، رغم أنني أتجاوز في بعضها صلاحياتي الوظيفية، ولا أنسي الموقف الإنساني الرائع الذي وقفه سموه حين وافق على تحويل عملي من سفير في كوريا الجنوبية، بعد صدور أوراق اعتمادي، إلى قنصل عام في هيوستن بالولايات المتحدة الأمريكية، لمتابعة علاج زوجتي هناك حيث كان فيها أشهر مركز لعلاج السرطان وهو مركز إم. دي. أندرسون التابع لجامعة تكساس في مدينة هيوستن. والحديث عن عملي في هيوستن يطول.
عندما التقيت الأمير سعود في مكتبه بوزارة الخارجية بالرياض، خلال الأيام الأولي من انتقالي للعمل في الوزارة كان سموه يعرفني وله اطلاع على مهامي السابقة. وكان سؤاله الأول لي: ما أسباب انتقالك من وزارة الإعلام؟ فاختصرت إجابتي بالقول: إن من حق كل وزير أن ينتقي الرجال الذين يعملون معه، وقد شعرت بأنني لم أكن منهم.
لم أكن أريد أن أطيل عليه في سرد حكايات طويلة لم أجد من المناسب أن أقحمه فيها، ولم أكن في حاجة إلى تبرير قضية نقلي وأسبابها، باختصار رحب بي الأمير سعود، وقال إنه يتطلع إلى أن أكون أحد العاملين معه في الوزارة، وكلفني بترؤس الإدارة الإعلامية بوزارة الخارجية، وأن أُصبح «المتحدث الرسمي» باسم الوزارة، ونظراً للظروف آنذاك، أطلقت على المهمة الثانية، من باب الطرافة، اسم «الساكت الرسمي» باسم وزارة الخارجية! وقد شبهت حساسية هذه المهمة بكلمات أغنية مشهورة للموسيقار فريد الأطرش، كتبها الشاعر مأمون الشناوي يقول فيها:
«ما اقدرش اقول آه ما اقدرش اقول لأ
يمكن اقول آه غيري يقول لأ».
بالطبع لم يكن هذا الأمر مصدره وزير الخارجية، ولكنه يعود لطبيعة الفترة الزمنية للأمور آنذاك. فقد نلت من سموه الدعم الكامل في عملي، وكان هذا الدعم استثنائياً عندما عُينت مديراً عاماً لفرع وزارة الخارجية بمنطقة مكة المكرمة، بعد انتهاء فترة عملي في عضوية مجلس الشورى بعد عام 2002م. ويُحسب لسمو الأمير سعود الفيصل أنه كان سباقاً في التفكير بأهمية وجود متحدث رسمي باسم الجهات الحكومية، خاصة تلك التي في حجم وزارة الخارجية. فما عجزت عنه وزارة الخارجية، نجحت فيه بعد سنوات وزارة الداخلية. حين قام الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية -رحمه الل-ه بتعيين متحدث رسمي للوزارة في منتصف عام 2004، أنهي معاناة طويلة من البحث عن المعلومة الصحيحة، وخاصة بعد الأحداث الإرهابية غير الاعتيادية التي طالت مرافق مهمة في السعودية.
وهناك بالطبع تجارب كثيرة لا يسمح المكان هنا لعرضها، لكنني أفتقد الرجل وأذكر كثيراً من خصاله ومكارمه، وشذرات من عمله وإخلاصه وتفرغه لمهامه. وكانت عنده قدرة استثنائية، في سنوات مرضه الأخيرة، على تحمل كثير من الآلام في سبيل القيام بمسؤولياته، وقد وصفت مغادرته وزارة الخارجية بأنه «الرحيل الأول»، وهو رحيل توقعته حين كتبت في الثامن من فبراير 2015 تغريدة في «تويتر» قلت فيها: «قلبي مع الأمير سعود الفيصل: أشعر بوجود صراع داخلي بين عقله وجسده، العقل يريد والجسد لا يتجاوب... منتهى الإحباط لرجل غزير العطاء». ورغم وفاة الأمير سعود الفيصل، يبقى بالنسبة لي وزير الخارجية الذي أعرف، مستحيل أن نعوضه -رحمه الله-.
• كيف اقتحمت عالم الإعلام وبملفات إشرافية مهمة في مرحلة ساخنة؟ وما أهم المواقف التي لن تنساها؟
•• لا أعتبر نفسي كاتباً بالمعنى العادي للكلمة، وقد تزامنت أول مساهمة لي في الكتابة الصحفية مع تدريسي لمواد كان علي أن أجد مراجع علمية لها، أو أن أقوم بكتابة دروسها ومحاضراتها من منطلقات مفهومي للمادة التي أُدّرِسها وتكييفها مع متطلبات مجتمعنا. كان أول مقال كتبته، كما أذكر، هو جزء من بحث مطول عن السياسة الخارجية السعودية اجتزأت منه مقالاً كتبته في «صحيفة الجزيرة» بتاريخ 24/‏12/‏1977، بعنوان: «معادلة السلام السعودية، قوة الأمة العربية = إجماع على الحرب - إجماع على السلام». بعدها اجتذبتني جريدة الجزيرة، ورئيس تحريرها العتيد الأستاذ خالد المالك، لكتابة مقال أسبوعي، وكتبتُ أيضاً في مجلة اليمامة مقالاً أسبوعياً تحت اسم (نافذة)، أخذته من برنامج سياسي تحليلي كنت أقدمه في التلفزيون السعودي، تحت اسم «نافذة على الأحداث» اقترح الصديق الدكتور فهد العرابي الحارثي، رئيس تحرير مجلة اليمامة في ذلك الوقت، أن أختصره ليكون «نافذة»... وهو ما تم. وعندما تأسست جريدة «الشرق الأوسط» التي صدر عددها الأول في 4 تموز/‏ يوليو 1978م، دعاني رئيس تحريرها الصديق القديم الأستاذ عثمان العمير للانضمام إلى كتابها.
وبالطبع هناك كثير من المواقف التي يتعرض لها الكاتب لا يتسع المجال هنا لعرضها، كان أحدها في أوائل مساهماتي الكتابية مع الشرق الأوسط. فإثر التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد بين السادات وبيغن في 17 أيلول/‏سبتمبر 1978، كانت السعودية من أشد المعارضين لهذه الاتفاقية، وانتهي القرار السعودي بقطع العلاقات الدبلوماسية مع مصر في أبريل 1979. وكنت أؤمن شخصياً، وما زلت، أن هذه الاتفاقية قادت إلى إضعاف الجبهة العربية، وحققت الهدف الإسرائيلي/‏ الأمريكي في تفكيك الأمة العربية، وأن الرئيس السادات كان، ربما بحسن نية، أحد حلقات المخطط الذي قاد إلى تفكيك منطقتنا العربية ووصولها إلى ما نحن فيه اليوم من تشرذم.
كتبت قبل أيام من قرار إعادة العلاقات مع مصر في عام 1987، مقالاً مطولاً في جريدة الشرق الأوسط بعنوان: «العرب ومصر... وكامب ديفيد»، أكدت فيه على أهمية العلاقات العربية مع مصر، واختتمته بصيغة قلت فيها «إن على العرب أن يتعاملوا مع مصر وكأن ليس هناك كامب ديفيد، ويتعاملوا مع كامب ديفيد وكأن ليس هناك مصر». هذه المعادلة رأيت فيها الحل العملي للخروج من شبكة التعقيدات التي تحيط بمسألة العلاقة العربية - المصرية.
عُقد بعد أيام من نشر هذا المقال مؤتمر القمة العربي الاستثنائي في عمان (أكتوبر 1987) ورأى ضرورة عودة مصر إلى الصف العربي. وبالطبع عادت العلاقات بين السعودية ومصر وبقية الدول العربية تباعاً، لكن مقالي هذا أثار وقتها الأستاذ أحمد الصالحين الهوني، رئيس تحرير جريدة العرب الدولية، فكتب مقالاً افتتاحياً في الصفحة الأولي من الصحيفة يهاجمني فيه، مدعياً -يرحمه الله- أنني كتبت مقالي الذي أطالب فيه بعودة العلاقات مع مصر بحكم اطلاعي على بعض الملفات المتعلقة بالأمر بحكم موقعي في وزارة الخارجية، حيث كنت رئيسا للدائرة الإعلامية بالوزارة. ومن يعلم دواخل الأمور يعرف أن قراراً بأهمية وحساسية القرار الذي اتخذته المملكة (الملك فهد) بإعادة العلاقات مع مصر لم يكن يعرفه أحد في وزارة الخارجية مهما علا شأنه!!
ولعلي أضيف هنا أن مواقف الحساسية لم تقتصر فقط على العاملين في الحقل الإعلامي بل طالت أيضاً بعض الزملاء عندما انتقلت إلى وزارة الخارجية فقد شكل، على ما يبدو، استمراري في كتابة عمودي الصحفي، في صحيفة «الشرق الأوسط» آنذاك، حساسية، حتى لا أقول غيرة بعض الزملاء، الذي ذكرني أحدهم بأمر سامٍ بعدم قيام السفراء بالكتابة في الصحف، وأن هناك من هم أكثر منك مقدرة كتابية، توقفوا التزاماً بهذا الأمر. فكان ردي عليه بأني أعرف عن الأمر السامي، وكان يسري على وكلاء الوزارات أيضاً، ولكن أنا عندي استثناء من هذا التوجيه الكريم. ولما سألني من أعطاك هذا الاستثناء، قلت له: من فوق.. «فَبُهِتَ الَّذِي سَألَ»!!
• هل العمل الدبلوماسي يصنع صداقات عابرة للحدود ومديدة؟ أم صداقات عابرة للوقت كما هي عابرة للحدود؟
•• لم أعمل في الخارج سوى سنوات معدودة، أولاها في هيوستن كقنصل عام للمملكة، وكان ذلك بطلب مني ولظروف خاصة، والثانية في كندا كتهيئة للتخلص مني على دفعتين: الأولي، بالتعيين كسفير في أوتاوا، والثانية، بالتقاعد بعدها بسنة ونصف. لذا فقد كان عملي الدبلوماسي هو العابر للوقت.. وتقاعدي كان عابراً للحدود. لذا أقول أنني ساهمت في تأصيل نهج إداري جديد يمكن أن يحل محل مبدأ «الركل إلى أعلى»، وهو «الركل إلى الخارج»!
• زوجتك الراحلة احتلت مكانة أثيرة في حياتك.. هل ترى أن الوفاء يعوض الغياب؟
•• لا تفارقني ذكريات اليوم قبل الأخير لوفاتها رحمها الله، حيث كنت أنام إلى جانبها، وأتأمل حياتها تنزوي أمامي يوماً بعد يوم، وهي تتألم وتتحدث هاتفياً مع صديقاتها ومحبيها، تخاطبهم وتطمئن عليهم.
ولا يفارقني أيضا، ذلك الموقف الحزين والمؤلم قبل بضعة أسابيع من دخولها في المرحلة النهائية المتأخرة من حياتها وهي تسألني: «هل تُحبني بعدما أصبحت على هذه الصورة؟»، قلت لها وأنا صادق في ذلك: «بل أُحبك أكثر، ولا أراك إلا كما في يوم زواجنا وأنت في السابعة عشرة من العمر». لذا فذكرها اليوم ليس مجرد وفاء، بل افتقاد لإنسانة أحببتها وكان لها مساهمات إيجابية في حياتي.
• لابنتك معزة في قلبك، وتباهٍ بإنجازاتها. ماذا تحقق حتى الآن من طموحاتك فيها؟
•• تقصد بناتي.. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كانت له ثلاث بنات فصبر عليهن وسقاهن وكساهن كن له حجاباً من النار).. ومن نعم الله عليّ أن رزقني بخمس بنات، وولد. وهكذا، فأنا ولله الحمد لدي بنتان احتياطي!!
وقد حرصت في تربية أبنائي على نهج اتّبعه والدي -رحمه الله- في تربيتنا وتعليمنا، إخواني وأخواتي وأنا، فقد شجعت أبنائي على التعلّم، وتركت لهم حرية الاختيار من دون تدخل مني، سواء في تعليمهم أو حتى في زواجهم. واقتصرت مهمتي على التوجيه والنصح دون فرض الرأي، آخذاً بمقولة منسوبة إلى أمير المؤمنين علي بن إبي طالب تقول: «لا تكرهوا أولادكم على آثاركم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم». لذا فقد أخذ كل من الأبناء طريقه الخاص به من دون تدخل من الوالدين، وكنتُ أشجع كلاً منهم على ما أراه فيه من ميول، حصلت ابنتي الكبرى (غادة) على درجة الدكتوراه عام 2012، من كلية إدارة الأعمال في جامعة مانشستر البريطانية، وعملت مديرة لإدارة الموارد البشرية في أكثر من شركة خاصة، وتعمل حالياً على تأسيس شركتها الخاصة.
أما ابنتي (ريم) فحاصلة على البكالوريوس في العلوم اختصاص العلاج الطبيعي من جامعة الملك سعود عام 1995، ثم درجة الماجستير التنفيذي في إدارة الأعمال (EMBA) من الجامعة الأمريكية بالقاهرة عام 2016. وهي أخصائية مرخص لها في العلاج الطبيعي، وقامت في عام 2008 بتأسيس مركز التأهيل المتطور CENTRE REHAB ADVANCE» لعلاج ذوي الاحتياجات الخاصة.
وكانت لابنتي (منال) اهتمامات في تعليم الأطفال، وحصلت خلال عملي كسفير في كندا، حيث كانت ترافقني هناك، على دبلوم في الطفولة المبكرة من الأكاديمية الكندية للتعليم Academy Montessori.
أما ابنتي (سارة) فقد كانت ميولها في الرسم والتصميم منذ صغرها، وحصلت على بكالوريوس في التصميم الداخلي (Design Interior) عام 2007 من جامعة دار الحكمة بجدة، وتعمل مديرة إقليمية في قسم التصميم في أيكيا/ ‏السعودية.
ودرس ابني (فيصل) الإدارة وتخرج ببكالوريوس في إدارة التسويق من الولايات المتحدة من جامعة بارك في كانساس سيتي - ميسوري، عام 2011 للحصول على درجة الماجستير في إدارة الأعمال MBA، وهو يعمل حالياً.
أما ابنتي الصغرى وآخر العنقود (مها)، فقد حصلت على الماجستير في تحليل وحل الأزمات من جامعة Lauderdale Fort بولاية فلوريدا الأمريكية عام 2017، وتعمل حالياً في شركة الاتصالات السعودية.
• لو عاد بك الزمن إلى الوراء، ما القرار الذي ستتخذ نقيضه الآن؟
•• لا أؤمن بمقولة - لو أني فعلتُ كذا لكانَ كذا وكذا. فما قدَّرَ اللهُ وما شاءَ فعلَ فإن لو تفتحُ عملَ الشيطان. وقد عملت في مسيرتي وقراراتي وفق نهج حديث ابنِ عبَّاس، رضي الله عنهما، التي تقول جزئية منه: «اعلم: أنَّ الأمَّةَ لو اجتمَعتْ على أن ينفعوك بشيءٍ، لم يَنفَعوكَ إلَّا بشيءٍ قد كَتَبه اللهُ لك، وإنْ اجتمعوا على أن يَضُّرُّوك بشيءٍ، لم يضرُّوك إلَّا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليك، رُفِعتِ الأقلامُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ».
• هل للعرب أمل في المستقبل؟
•• يقول المثل العربي الشهير: (يُقرأ الكتاب من عنوانه)، والوضع العربي الحالي -للأسف- لا عنوان له، ولا يمكن قراءته لأن عناوينه اختلطت بعضها بالبعض الآخر، كما أن أكثر العرب لا يجيدون إلا قراءة الماضي. ولا أريد أن أبدو متشائماً لكن لا شيء في الوضع العربي الحالي يعطي ولو بعض ضوء بأن المستقبل سيختلف كثيراً عن الحاضر، بل ربما يكون أكثر قتامة. لذا فإن الوضع العربي الراهن يحتم علينا ان نضع الأصبع على الجرح وإن أوجع، وأن نتعدى مرحلة الكلام إلى مرحلة الفعل.
• في حياتك.. لمن تقرأ، تسمع، تشاهد، تشكي؟
•• أذكر هنا نصيحة لأستاذي الدكتور غازي القصيبي حين كان يدرسنا مادة العلاقات الدولية في كلية التجارة بجامعة الرياض (الملك سعود).. كان يحثنا على القراءة بقوله: «اقرأوا كل شيء.. حتى ولو كتاب رجوع الشيخ إلى صباه». وقد بحثت بالفعل عن الكتاب وقرأته! لكن وقبل هذا قرأت عندما كنت في مصر للدراسة وأنا في السادسة من العمر مجلة ميكي وسندباد، ثم روايات أرسلو بين، وقصص أجاثا كريستي البوليسية، وروايات دار المعارف المترجمة لأدباء عالميين، التي كانت تباع بقروش معدودة، كما كنت أقرأ لكتاب مصريين كيوسف السباعي وإحسان عبدالقدوس، وعرب مثل غادة السمّان، وأحلام مستغانمي، والطيب صالح، وكتاب سعوديين مثل عبدالله القصيمي، وعبدالله الجفري، وعبده خال وغيرهم.
وأشاهد الأفلام والمسلسلات العربية والأجنبية، خاصة الكلاسيكية القديمة والفكاهية. أما شكواي فهي لله تعالي وحده. بعد وفاة والدي وزوجتي.. وأحياناً لابنتي الكُبرى غادة.
• ما الذي تبقى في حياتك من رفاق الأمس؟
•• رفاق الأمس أكثرهم رحل، لذا فكلما يذهب صديق أشعر بفداحة رحيله.. وقد كتبت بعد رحيل أحد هؤلاء أقول:
وفقدت اليوم صديقاً آخر...
ألقي بالروح.. وودع
تحركت يدي نحو الهاتف
طلبت رقمه..
وكأنني أسمع على الطرف الآخر
صوتاً يقول:
«الهاتف المطلوب غير موجود في الخدمة...
صاحبه انتقل إلى رحمة الله».
• ماذا يعني لك الحب؟
••الحُب له ألف معنى ومعنى.. والحبُ الصادق لا يتغير بتغير الزمان والمكان والطقس. لذا قلت في إحدى قصائدي، أخاطب الحبيبة:
أُحبك في كل الفصول.. وفي كل الأوقات
في الشتاء، وفي الصيف، والربيع
وفي الخريف.. عندما ينضخ كلانا
أُحبك أكثر..
أنا معك ألغي كل العطل والإجازات
وأبقي بجوارك إلى الأبد.
• أخيراً: اختر 6 أسماء ووجه لكل واحد منهم رسالة؟
•• محمد بن سلمان: لقد تأخرت علينا أيها الشاب الجسور أكثر من أربعين سنة! لكن.. ما تحقق بفكرك وعزم وحزم وإرادة سلمان حرقت مراحل كان يمكن أن تؤخرنا سنوات أخرى، بلادنا أحوج إليها في عصر لا مكان فيه إلا لأوِلي العزم والهمة. ونتوقع الكثير من أميرنا الشاب.
- والدي.. رحمه الله: لو خيروني أن أختار أباً.. لما اخترت غيرك أبي.
- والدتي.. رحمها الله: كُنت أنا أول طرحها، واستطاعت بذكائها الفطري أن تكون حجر الزاوية ومكان القلب في حياة أبي، وفي حياة أبنائها وبناتها، لها مواقف ضعف ومواقف قوة، وهي تلامس القلب في الحالتين.
- زوجتي ثريا رحمها الله: كانت وما زالت حُب عُمري مكانها محجوز في القلب.. إلى الأبد.
- أبنائي... حفظهم الله: الذين يحتلون حشاشة قلبي، وأرى من خلالهم الحياة كأحلى ما تكون.
- الدكتورغازي القصيبي: في الليلة الظلماء يُفتقد البدر..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.