زيارات الخير    سدايا تنظم ورشة عمل لبحث أخلاقيات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي    الملاحة الجوية السعودية الراعي الرئيسي لمؤتمر مستقبل الطيران    شاطئ "زاعم".. إيقونة الجمال بسواحل تبوك    الهيئة العامة للعقار: 18 تشريعا حتى الآن من أجل مستقبل العقار السعودي    سفارة المملكة في قرغيزستان تحذر المواطنين بأخذ الحيطة والحذر والابتعاد عن أماكن التجمعات    الأهلي يقسو على أبها بخماسية ويتأهل للنخبة الآسيوية    تيليس: ركلة جزاء الهلال مشكوك في صحتها    التعاون يتغلب على الشباب بهدف في دوري روشن    البرق يضيء سماء الباحة ويرسم لوحات بديعة    ضبط أكثر من 16 ألف مخالف لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    الإبلاغ عن الاحتيال المالي على «مدى» عبر «أبشر»    المنتخب السعودي للعلوم والهندسة يحصد 27 جائزة في آيسف 2024    المملكة تتسلم رئاسة المؤتمر العام لمنظمة "الألكسو" حتى العام 2026م    «باب القصر»    "مبادرة طريق مكة" تواصل تقديم وتسهيل خدماتها في ماليزيا    كيان عدواني غاصب .. فرضه الاستعمار !    موسكو تتقدم في شمال شرق أوكرانيا    أهمية إنشاء الهيئة السعودية للمياه !    منشآت تنظم أسبوع التمويل بالشراكة مع البنوك السعودية في 4 مناطق    «حرس الحدود» بجازان يحبط تهريب 270 كيلوغرام«قات»    «الأرصاد»: مدن المملكة تسجل تنوعاً مناخياً فريداً يعكس واقعها الجغرافي    أمير عسير يُعزّي أسرة «آل مصعفق»    الهلال يحبط النصر..    الخبز على طاولة باخ وجياني    كيلا يبقى تركي السديري مجرد ذكرى    مدير الشؤون الإسلامية في جازان يزور إدارة المساجد ومركز الدعوة بالريث    جماهير المدينة (مبروك البقاء)!    نيابة عن ولي العهد.. وزير البيئة يرأس وفد المملكة في المنتدى العالمي للمياه    إسرائيل تواجه ضغوطا دولية لضمان سلامة المدنيين    الرئاسة العامة تستكمل جاهزيتها لخدمة حجاج بيت الله الحرام هذا العام ١٤٤٥ه    التخصصي: الدراسات السريرية وفرت نحو 62 مليون ريال    إصابة ناقلة نفط بصاروخ أطلقه الحوثيون قبالة سواحل اليمن    فيضانات أفغانستان تزهق الأرواح وتدمر الممتلكات    رئيس وزراء اليونان والعيسى يناقشان الموضوعات المشتركة بين البلدين    تشيلسي يتوج بلقب الدوري الإنجليزي للسيدات للمرة الخامسة على التوالي    تشخيص حالة فيكو الصحية «إيجابي» ووضع منفذ الاعتداء قيد التوقيف الاحتياطي    "إرشاد الحافلات" يعلن جاهزية الخطط التشغيلية لموسم الحج    توطين تقنية الجينوم السعودي ب 140 باحثا    حُكّام مباريات اليوم في "دوري روشن"    البحث العلمي والإبتكار بالملتقى العلمي السنوي بجامعة عبدالرحمن بن فيصل    جامعة الملك فيصل تحصد الميدالية الذهبية عن اختراع جديد    نعمة خفية    من ينتشل هذا الإنسان من كل هذا البؤس    "تعليم الطائف" يعتمد حركة النقل الداخلي للمعلمين والمعلمات    المربع الجديد: وجهة لمستقبل التنمية الحضرية بالسعودية    قائد فذٌ و وطن عظيم    إندونيسيا: الكوادر الوطنية السعودية المشاركة في "طريق مكة" تعمل باحترافية    «الحج والعمرة»: لا تصاريح عمرة ابتداء من 16 ذو القعدة وحتى 20 ذو الحجة    السمنة والسكر يزيدان اعتلال الصحة    رئيس جمهورية موريتانيا يغادر جدة    الأمير سلمان بن سلطان يرعى حفل تخرج طلاب وطالبات البرامج الصحية بتجمع المدينة المنورة الصحي    طريقة عمل الأرز الآسيوي المقلي بصلصة الصويا صوص    طريقة عمل وربات البقلاوة بحشو الكريمة    ولي العهد في المنطقة الشرقية.. تلاحم بين القيادة والشعب    «الأحوال»: قرار وزاري بفقدان امرأة «لبنانية الأصل» للجنسية السعودية    جامعة الملك خالد تدفع 11 ألف خريج لسوق العمل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إمبراطورية العثمانيين الجدد في سواكن.. «أرض الميعاد»!
حفيد فخري باشا.. استعاد المدينة المهملة للثأر من محرقة اسماعيل باشا.. أم ل «مآرب آخرى»؟
نشر في عكاظ يوم 26 - 12 - 2017

أخيرا وجدت لها الإمبراطورية العثمانية القديمة، موطئ قدم، في القارة الأفريقية، لتجدد فيه حياتها، بعد غياب دام لثلاثة قرون، إثر طردها شر طردة، رفضا لاستباحتها النسل والعرض والأرض.
لكن الغريب أن الاستباحة تعود هذه المرة، إلى السودان، الذي لشعبه مع العثمانيين، صولات وجولات، تزينت بها كتب التأريخ، وألفتها مسامع السودانيين، وتغنى بها شعراء الثورة والسلم، ليجدوا أنفسهم فجأة أمام حفيد اسماعيل باشا، وفخري باشا، الرئيس التركي أردوغان، وهو يقف على أنقاض عرش أجداده العثمانيين، في سواكن المطلة على البحر الأحمر، باختياره مدينة ليست لها خارطة على طريق «الحج التركي»، ليعلن رغبته في أن يفد إليها معتمري وحجاج بلاده، فيشدوا لها الرحال، ويتزودون منها «بما خفي»، قبل أن ينطلقون إلى الأراضي المقدسة.
وبعدما أعلن أردوغان أن السودان أهداه «السيطرة على سواكن»، عسكريا ومدنيا تحت ظل «لافتة الاستثمار» على غرار «الشركات متعددة الجنسيات»، برر تخطي الأتراك مسار الحج، وتجاوزهم طريقه، وصولا إلى سواكن، ثم العودة إلى المسار الصحيح، بالإدعاء أن أحفاد العثمانيين يرغبون في رؤية إرث أجدادهم، والتفاخر بالإنتماء لهذه الأرض التي عاشوا فيها.
ويبدو أن أردوغان لم ينبهه أحد من مستشاريه بأن خدعة الاستثمار للموانئ السودانية مرفوضة شعبيا، إذ سبق أن وقف وزير النقل السوداني، مكاوي عوض، أمام البرلمان السوداني في 15 نوفمبر الماضي، لينفي ما تردد حول تأجير ميناء بورتسودان (الذي يبعد 50 كيلومترا عن سواكن) ل«شركة دبي للموانئ» واصفا ما قيل بأنه «مجرد إشاعة»، لأنه لا وجود لأي رغبة أو مساعي للدولة السودانية لتسليم الميناء لهم سواء بغرض تشغيله أو تأجيره، متعهدا بعدم خصخصة الميناء أو تشريد العاملين، ومؤكدا سعي السودان للتطوير والتحديث والتنمية.
إلا أن أردوغان برر من سواكن، الإتجاه الجديد، بالرغبة في بناء أسطول عثماني حديث، بصيغة مبتكرة يقبلها السودانيون أحفاد الملك نمر (حارق جده اسماعيل باشا)، ليمرر عليهم بناء حوض بحري لصيانة السفن المدنية والعسكرية.
بات واضحا منذ اللحظة الأولى أن حفيد العثمانيين، تململ فور وصوله سواكن، وهو يتأسف على مشهد الآثار المدمرة، بعد خروج الإمبراطورية العثمانية مهزومة ذليلة عائدة إلى أراضيها في تركيا، بعدما قتلوا وأبادوا الآلاف من أبناء الشعب السوداني، ونكلوا به صنوف العذاب.
فكانت صفقة القرن من سواكن، ليعلن عبرها للعثمانيين الجدد اعتبارها أرض الميعاد، واستعادة المجد عبرها، ولو على أنقاض حضارات البلدان الأخرى، واعدا أبناء جلدته بإنزالهم في منازل الأولين، ومنه ينطلقون إلى حيثما يريدون، يبحرون في البحر، برايات رابعة، وكأنه يريد القول أنهم فئة لا تهزم.
واستبق حفيد العثمانيين اعلان أرض الميعاد، بخطبة عصماء أمام البرلمان السوداني، أراد خلالها محو تاريخ بلادهم، بعدما زعم أن البلاط العثماني، لم يرتكب فظائع وجرائم في الأراضي التي سبق أن حكمها، ليفتح آلف سؤال وسؤال أمام السودانيين، الذين ظلوا يتفاخرون في تاريخهم بواقع الحروب ضد الظلم العثماني، ويعتزون بصمودهم أمام حقبة الاستعمار العثماني للسودان «1821 – 1885»، ويروون لأبناءهم في كتبهم الدراسية، أن الإمام محمد أحمد المهدي طرد المحتل التركي، بعد حقبة دموية في تاريخ السودان، شهدت معاملات قاسية تشمل القتل والاسترقاق والضرائب الباهظة، كما يهتف الوطنيون بشجاعة المك نمر الذي دبر المكيدة ولم يرض الذل والإهانة له ولأخوته في شمال السودان، فرد على عنجهية اسماعيل باشا نجل محمد علي باشا، واحتقاره له بوغز «الغليون» في جبهته، بأن حرقه وتخلص منه، ليكتب صفحات في القوة والشجاعة والإباء وعزة النفس.
لكن المخجل أنه رغم أن مريم الصادق حفيدة المهدي طالبت اردوغان بالإعتذار عن الفظائع العثمانية، قبل أن تقول له مرحبا، كان هتاف التأييد عاليا من النواب المعينين في البرلمان السوداني، الذين قاطعوه وهو يلقي خطابه الشهير، بتغيير التاريخ، مكبرين مهللين بالفاتح، العائد إلى عرش أجداده.
وقبل أن ينشغل السودانيون بعشرات الأسئلة، في الشارع العام، حول ماهية التاريخ الحديث الذي عليهم ابتلاعه دون تذوقه، دست لهم في أسافير التواصل الاجتماعي، إيجابيات الحضور التركي، علهم يتغنوا طربا بملحمة «مهند ولميس»، فظلت آلاف الرسائل «المدسوسة» تستفسر عما إذا كان الغزاة الجدد اصطحبوا معهم أبطال تلك الملحمة بسحنتهم الشهيرة، فيما مررت أيضا رسائل أخرى «حقيقية» تروي معايشة الواقع المروري المؤلم على جسر الملك نمر، وتقزم خطواتهم وقوفا من أجل عبور موكب حفيد العثمانيين، ويصبح تداول رجل التاريخ وبطل السودان، محل سخط في عباءة «التلبك المروري»، ونسوا عمن تسبب في السطو على مسار طريقهم الحيوي، قبل أن يسطو على مسار تاريخهم القديم، وربما الحديث، إن استمر تمدد «رابعة»!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.