يغادر اليوم الأحد حجاج بيت الله المشاعر المقدسة متوجه بعضهم إلى مكةالمكرمة أو المدينةالمنورة والبعض الآخر إلى بلادهم، بعد أن أتموا الركن الخامس في الإسلام حج بيت الله الحرام. إن معظم الحجاج من مختلف الجنسيات في العالم ومختلف المذاهب يعودون إلى أوطانهم شاكرين الله عز وجل أن من عليهم بأداء فريضة الحج، شاكرين ومقدرين لحكومة المملكة العربية السعودية قيادة ومسؤولين وشعبا لدورهم في وضع جميع الإمكانات المالية والبشرية لخدمة حجاج بيت الله، وهي حقيقة يلمسها كل من قام بأداء فريضة الحج. ويغادر حجاج بيت الله المملكة العربية السعودية، وقد لا يعلمون حجم هذه الإمكانات التي سخرتها المملكة لخدمتهم، ومنها تخصيص حوالى 300 ألف مواطن مدني وعسكري لخدمتهم في موسم الحج منذ وصولهم وحتى سفرهم، منهم 30 ألف طبيب ومساعد طبيب، وتخصيص 17 مستشفى لرعاية المرضى من الحجاج وتجهيز 550 غرفة (إنعاش) لإجراء العمليات الطارئة والرعاية الطبية الخاصة، مسخرة فقط لخدمة حجاج بيت الله مجهزة بكامل الاستعدادات. وفي مجال البيئة والحفاظ عليها، فقد خصصت المملكة أكثر من 30 ألف عامل مهني لنظافة مكةالمكرمة والمشاعر المقدسة طيلة شهر الحج. وتقديرا لظروف المرضى الذين عقدوا النية للحج ولكن داهمتهم ظروفهم الصحية فقد تولى خادم الحرمين الشريفين استضافتهم ورعايتهم في قافلة خادم الحرمين الشريفين للحجاج برعاية صحية خاصة ومجانية. إن خدمة مليوني شخص من جنسيات ومذاهب وثقافات مختلفة في مدينة واحدة وفي مشاعر ذات مساحة صغيرة يتجمعون في نفس الوقت ويقومون بعبادات واحدة ويتحركون في أوقات محددة مع ضمان سلامتهم ورعايتهم الصحية؛ يعتبر عملا عظيما لا يمكن ولن تستطيع أي دولة في العالم الإسلامي أن تقوم بمثل هذا العمل الجبار، وهو عمل منظم باستعدادات مسبقة تبدأ في نهاية كل موسم حج. ورغم جميع التغطيات الإعلامية لموسم الحج إلا أنها لم تظهر هذا الإنجاز العظيم الذي تقوم به المملكة العربية السعودية لخدمة حجاج بيت الله الحرام بما يليق بحجم الجهد وعظمة الإنجاز. وكم كنت أتمنى أن تشارك الجامعات السعودية في دراسة لقياس مدى رضى حجاج بيت الله عن الخدمات المقدمة لهم من الحكومة السعودية، وأتوقع أن تكون نتائج هذه الاستقصاءات مبهرة للعالم أجمع وكافية للرد على المشككين في قدرة المملكة على إدارة الحج والحجيج وخدمة المسلمين، حتى يكاد الحاج يظن أن المملكة لا عمل لها سوى خدمة الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة وحجاج بيت الله والمعتمرين له. وفي رأيي الشخصي أن ظنه في مكانه لأنه أعظم عمل تقوم به المملكة هو خدمة الحرمين الشريفين والمسلمين من حجاج ومعتمرين، وهو شرف لها. إن اقتراحي اليوم بعد متابعتي للجهود الكبيرة التي بذلتها ولا زالت تقوم بها المملكة، هو أن يتم تحويل كل عمل في كل مجال خدمي إلى علم ينتفع به، علم اللوجستيك وعلم النقل وعلم إدارة الحشود وعلم الأمن والسلامة وعلم الرعاية الصحية وعلم فن التعامل والسلوكيات الإنسانية، وهي تخصصات تدرس في الجامعات، وإذا جاز لي الاقتراح فإنني أقترح أن تقوم وزارة الحج أو وزارة الإعلام بشراء ساعات بث إعلامي في غير قنواتنا السعودية أو العربية وإنما في قنوات عالمية وقنوات الدول الإسلامية، وهي ليست للدعاية وإنما لإعلام المسلمين في العالم حجم الجهود المبذولة بالصورة والأرقام والإحصائيات، مدعومة بنتائج الاستقصاء من حجاج بيت الله. وأخيرا أتساءل: أي قيادة في العالم تستطيع أن تتبنى مسؤولية حج خمسة آلاف حاج من الحجاج ذوي الاحتياجات وأبناء الشهداء الفقراء من المسلمين والعلماء والأدباء على حسابها الخاص وبرعاية خاصة؟ وكما أسلفت يصعب حصر الخدمات التي تقدمها المملكة للمسلمين من جميع أنحاء العالم، وأخيرا لن يبقى لنا إلا أن نسأل الله لحجاج بيت الله المغادرين أن يتقبل حجهم ويردهم إلى ديارهم وأهليهم سالمين غانمين، ونسألهم أن يتوجهوا بدعائهم لله عز وجل أن يحفظ المملكة وقيادتها رعاة الحرمين الشريفين من كيد الحاقدين والحاسدين ومن كل سوء يحاك لها. * كاتب اقتصادي سعودي