ارتفاع الإنفاق على البحث والتطوير بنسبة 30.4% خلال عام 2024م    نجاح فصل التوأم الملتصق الجامايكي «أزاريا وأزورا» بالرياض    محافظ صبيا يؤدي صلاة الاستسقاء تأسياً بسنة النبي واستجابة لتوجيه خادم الحرمين الشريفين    الدحيلان عميداً لتقنية الأحساء    أمير القصيم يؤدي مع جموع المصلين صلاة الاستسقاء في جامع الأمير عبدالإله بن عبدالعزيز ببريدة    التضخم في السعودية يبلغ 2.2% في شهر أكتوبر 2025    تقني الشرقية تختتم "راتك 2025"    شراكة مجتمعية بين ابتدائية قبيبان وجمعية «زهرة» للتوعية بسرطان الثدي    هيئة التقييس الخليجية تشارك في أعمال الدورة ال48 لهيئة الدستور الغذائي (CODEX)    أول اجتماع لمكتب المتقاعدين بقوز الجعافرة    تعليم الطائف يناقش أداء المدارس    مصرية حامل ب9 أجنة    الثقوب الزرقاء ورأس حاطبة.. محميتان بحريّتان تجسّدان وعي المملكة البيئي وريادتها العالمية    أمير حائل يدشّن عددًا من الحدائق الجديدة بالمنطقة .    المنتخبات السعودية ترفع رصيدها إلى 22 ميدالية في دورة ألعاب التضامن الإسلامي    محافظ محايل يزور مستشفى المداواة ويطّلع على مشاريع التطوير والتوسعة الجديدة    البرازيل تمدد محادثاتها بشأن قضايا خلافية في قمة المناخ    تراجع أسعار الذهب 0.1 %    تحذير فلسطيني من تهجير قسري في قلنديا ينتهك القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف    المصلون يؤدون صلاة الاستسقاء في جميع مناطق المملكة    عقد شراكة بين فرع الهلال الأحمر السعودي وبيت الثقافة بمنطقة نجران    أمانة نجران تطلق حملة موسم التشجير لعام 1447    ورشة استراتيجية مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة 2026–2030    ستة معايير سعودية تقود عملية تطوير مؤسسات التعليم العالي عربيًا    رئيس برشلونة ينفي تقارير عودة ميسي    كمبوديا وتايلاند تتبادلان الاتهامات بالتسبب بمواجهات حدودية جديدة    ذاكرة الحرمين    الشلهوب: الرسائل المؤثرة.. لغة وزارة الداخلية التي تصل إلى وجدان العالم    الرياض تحتفي بانطلاق البطولة العربية للجولف للرجال والرواد    كريستيانو رونالدو: المونديال القادم هو الأخير لي    تجربة الأسلحة النووية مرة أخرى    القيادة تعزي رئيس تركيا في ضحايا تحطم طائرة عسكرية    خادم الحرمين يدعو لإقامة صلاة الاستسقاء اليوم    يجتاز اختبار القيادة النظري بعد 75 محاولة    شهدت تفاعلاً واسعاً منذ إطلاقها.. البلديات: 13 ألف مسجل في مبادرة «الراصد المعتمد»    وفد رفيع المستوى يزور نيودلهي.. السعودية والهند تعززان الشراكة الاستثمارية    الصادرات السعودية في معرض جاكرتا    وسط مجاعة وألغام على الطرق.. مأساة إنسانية على طريق الفارين من الفاشر    تعزز مكانة السعودية في الإبداع والابتكار.. إطلاق أكاديمية آفاق للفنون والثقافة    «مغن ذكي» يتصدر مبيعات موسيقى الكانتري    160 ألف زائر للمعرض.. الربيعة: تعاقدات لمليون حاج قبل ستة أشهر من الموسم    وزير الخارجية يستعرض مع نظرائه الأمريكي والهندي والألماني المستجدات    في دور ال 32 لكأس العالم للناشئين.. مواجهات صعبة للمنتخبات العربية    في الميركاتو الشتوي المقبل.. الأهلي يخطط لضم الألماني«ساني»    وسط جدل سياسي واسع.. الرئيس الإسرائيلي يرفض العفو عن نتنياهو    أوروبا وكندا تدعوان لتنفيذ اتفاق غزة    الوكالة الذرية تفقد القدرة على التحقق من مخزون اليورانيوم الحساس    القيادة تعزي الرئيس التركي    فرحة الإنجاز التي لا تخبو    فيصل بن فرحان ووزيرة خارجية كندا يستعرضان العلاقات وسبل تعزيزها    أمير جازان يشهد انطلاق أعمال ورشة الخطة التنفيذية لمنظومة الصحة 2026    جلسة حوارية حول "الاتصال الثقافي بين السعودية والصين" في قسم الإعلام بجامعة الملك سعود    وزير الصحة السعودي: الاستطاعة الصحية شرط الحصول على تأشيرة الحج    تحسين متوسط العمر في ضوء رؤية 2030    «محمية الإمام» تطلق تجربة المنطاد    دراسة: فيروس شائع يحفز سرطان الجلد مباشرة    بدء التسجيل لجائزة سلامة المرضى    أمير نجران يستعرض تقرير "التجارة"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إمام الحرم: الرشوة خيانة للأمة وبلاء على المجتمع وفخ المروءة وشباك الشهامة
نشر في مكة الآن يوم 04 - 05 - 2013

- واس:-دعا فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس المسلمين إلى أن تقوى الله بامْتِثال أوامِرِه، واجْتِنَابِ نَوَاهِيه وزَوَاجِرِه، فإنه -جَلَّ جلاله- مُطَّلِعٌ على بَاطِن الأمر وظاهِره، وخَلَجَاتِ الصَّدْرِ وسَرَائِرِه.
وقال في خطبة الجمعة التي القاها اليوم "أيها المسلمون في هذا الزَّمَان المُضْطرِم بِتَبَارِيح الماديات، الزَّخَّارِ بِمَشُوب المَقاصِدِ والنِّيَّات، المُشْتَجِرِ بِصُنوف المَبَادِئ والخِلال، والمَنَاقِب والخِصال، تَأتَلِقُ بَيْن ذَيَّاك الاحْتِدَام قيمَة، عزيزة كريْمَة، أنَاخَتْ فِي نَبِيل النُّفوس رَكائِبَها فَحَازَت بالصِّدْق مِنها شريف مَآرِبِها، قيمَةٌ أشْرَقت بِالصَّفَاء والجَمال، والطُّهر الأخَّاذِ المُنْثال، فَغَدَت في العالمين كتِبْرِ الأمثال، ومَا أمَرَ بِها الكتاب العظيم والسُّنَّة؛ إلاَّ لأنها النُّور الهَادِي في الدُّجُنَّة، تلكم هي الشَّفَافِيَّةُ والنَّزَاهة، وما أدْراكُم ما النَّزَاهة،إنها صِفَةٌ، بَلْ حُلَّةٌ جَمَعَتْ مِنَ الخيْرِ أكْمَلَهْ، ومِن العَفافِ أجْمَلَهْ، ومِنَ المروءة أرْفَعَها، ومِنَ شِيَم النُّبل أنْفَعَها.
وأوضح أن مِن بَرَاهِين النَّزَاهةِ ودَلاَلاتِها، وعظيم حُجَجِها وآياتِها قول الحق تبارك وتعالى: // يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ//، وقال: من أنوار السُّنَّة الَّتي أصَّلَت للنَّزَاهة أزكى مِنهاج، ورَسَمَتْ لِلْبَرِيَّةِ حَقيقَةَ الغِنَى البَهَّاج قوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري/ لَيْسَ الغِنَى عَنْ كثْرَةِ العَرَض، ولكنَّ الغِنَى غِنى النَّفس/ وقوله عليه الصَّلاة والسَّلام / دَعْ ما يَرِيبُك إلى ما لا يَرِيبُكم/، وقوله عليه أفضل الصَّلاة وأزكى التسليم / ومَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفُّه الله، ومَن يسْتَغْنِ يُغْنِهِ الله/ إنه البَيَانُ المُوجَز البَاهِر، السَّنِيُّ الطَّاهر، لِمَعَالِم الشَّفافِيَّة والنَّزَاهَة، والعَفافِ والنَّبَاهة.
وأكد الشيخ السديس أن هذه المَضَامِين السَّامِية، والمَفاهِيم المُتَلَألِئة الهَامِية، يَجِبُ إحْيَاؤها في أعماق الجَوَانِح، وإذْكاؤها في أطراف الجوارح، وأنْ تُشْرِق شَمْسُ الشَّفَافِية والنَّزاهة في أفئدةِ المُجْتمعات، كي تؤمَّها صَوْب الأمَانة والقَنَاعة، وتعطفها دُون النُّفوس الطَّمَّاعة، ونَزَواتِها المَنُوعَةِ الجَمَّاعَة؛ تأسِيسًا للحِفاظ على المُكتسَبات والأمجاد، ومُكافَحَةً للعَبَثِ والفَسَاد، وامْتشاقًا لأسْبَاب البناء والإعمار، والرِّفعة والازدهار، ولْيَكُنْ مِنكم بِحُسْبان أنَّ عَظمَة الإيْمَان ليْسَتْ في التَّجَرُّد مِنَ الدُّنيا، كلاَّ! بَلْ في امْتِلاكِها مِنْ مَشَارِع الحَلال، والكسْبِ الزُّلال، وبِنَفْسٍ قَنُوعَةٍ شَمَّاء، رَضيَّةٍ سَمْحَاءَ. // قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ //.
وقال فضيلته: َيُقابل النَّزَاهة ويُضَادّها، فِعْلَةٌ وبيلة رديئة، شنيعة وقَمِيئة، ما أَمَرَّ أَمْرَها، وأَضَرَّ دَرَّها ما تَفشَّت في أُمَّةٍ إلاَّ آذنت بِهَلاَكها، وأوقعَتها في الوَرَطاتِ وأشْرَاكها، إنَّها الرِّشوَة يا عِبَاد الله بُرْهان دَنَاءَةِ النَّفس ولُؤم الطباع، وحِيلة المَكْرِ والخِدَاع، وهي مِن كبائر الذُّنوب بالإجماع.
وأضاف الرشوة خيانة للأمة وبلاء على المجتمع، هي فخ المروءة وشباك الشهامة، وشراك الأمانة وقلة الديانة، تصيب مصالح الأمة بالإرباك ومشروعاتها بالعثار، وجهود المخلصين بالفتور والخور، فكم من مظالم انتهكت، وحقوق ضيعت بسببها، وكم فقدت ثروات وهدمت أسر وبيوتات، وأهدرت كفاءات، وضيعت طاقات من جرائها وأهلها لا كثرهم الله وهو حسبنا وحسيبهم وويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون، يقول تعالى // وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْأِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ//. قال الإمام القرطبي ~أي: لا تجمعوا بين أكل المال بالباطل، وبين الإدلاء إلى الحُكام بالحُجَج الباطلة. وفي زَجْرٍ آخر شنيع، ووصْفٍ للرَّاشين مُرِيع، يقول عزَّ اسمه // وَتَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ//، فَحَرَّم جلَّ شأنه سُحْت الأموال، وأوجَبَ على مُنْتهِكها بئس العقوبة والنَّكال، فَكَمْ مِن أقوامٍ وا أسَفَاهْ عَفَّرُوا وجُوههم بالرِّشْوَة في الرِّغَام وارْتكَسُوا بِجَمْرَةٍ مِن الحَرَام، مِنَ الذِّرْوةِ والسَّنَام، وعن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: لَعَن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرَّاشِي والمُرْتَشِي"، وزاد إبن حِبَّان والحاكم "والرَّائش: وهو الذي يَسْعى بينهما يسْتَزِيد ويُنقص. واسْتَحَقَّ الثلاثة اللَّعْن والإبعاد، لأنهم أتَوْا فَسَادًا وأَيَّ فَسَاد، فأي خير يرجى من هؤلاء.
وبين فضيلته أنَّ الرِّشوة تجعل الباطل هو الأحق، والحَقَّ مَرَامُهُ الأشق، وبها تروج سوق الفساد ومسالك الباطل وأساليب السحت وتستمرئ الأمة أبواب الحرام وطرق الإجرام والجرأة على الآثام، فَتُشتِّتُ كُلَّ مجموع، وتُكَدِّر كُلَّ يَنْبوع، وتُزْهق كُل مشروع وتُبِيحُ كُلَّ ممنوع، وتَعْتَاق كُلَّ إِبْدَاعٍ يَلُوح، وتَغْتال كُلَّ نُبوغٍ وطُموح، مُرَوَّجَةً بِعِبَارَاتٍ خَلاَّبَة، ومَعَانِيَ مُمَوَّهَةٍ كَذَّابة، هَديَّة تارة، ومُكَافأة أخرى، وتقديرًا للجهد تارة أخرى، مشيراً إلى أن الرِّشوة وإن زُخْرِفَت مَنَاظِرُها، وتَلَوَّنَتْ مَظاهِرُها هي رِشوَة، أخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من بني أسد يقال له إبن اللتبية على صدقة، فلما قدم قال: هذا لكم وهذا أهدي إليَّ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال / ما بال العامل نبعثه فيأتي فيقول هذا لكم وهذا أهدي إلي، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر هل يُهدى إليه أم لا ، والذي نفسي بيده لا يأتي بشيء إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته/.
وقال الشيخ السديس: أمَّة الإسلام وقد عَمَّ هذا البلاء واسْتشرى لَدَى فئام من الناس في أعقاب الزَّمن، الَّذين شُوِّه مِنهم الباطِن دون العَلَن، فَلَم يَرْقُبُوا في الله إلاًّ ولا ذِمَّة، ولَمْ يَجِلُوا من أحكام الشريعة، ومَا تقْتَضِيه النَّزَاهة وعلو الهِمَّة، فَدَنَّسُوا ذَواتهم وأقْوَاتَهم بخَبيثِ الرِّشوة والمَهَانة، والسُّحْتِ والخيانة، وظَنُّوا أَنْ قَدْ أخْصَبَ مَرْعَاهم، وتحَقَّق مُناهم، ولكن أَنَّى وهَيْهات، فَلَهم الخزي في دُنياهم، وإن لم يَتُوبوا النَّارُ مَثْوَاهم، عِيَاذًا بالله، وفي سنن أبي داود عن أبي أُمامَة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال/ من شفع لأخيه بشفاعة، فأهدى له هديةً عليها، فقبلها، فقد أتى بابًا عظيمًا من أبواب الرِّبا/.
وأضاف: َسُبْحان الله، وعَجبًا يا عِبَاد الله، رِشوَةٌ في الوظائف والترْقيات، رشوَة في المؤهلات والشهادَات، رشوَة في المعاملات والمقاولات والمناقصات والإخلال بالعقول والمواصفات، رشوَة لِتَمْزيق الصَّفِّ الجميع، رِشوَة في الإعمار والمشاريع ، بل غَدَا هذا المنكر الشَّنيع عند ضعَاف النُّفوس، أمرًا واجبًا، وحَتمًا لازبًا، وتلك الفواقِر والجنايات مُنْذِرة بِفَنَاءٍ قِيَمِيٍّ ذريع يُرْعِبُ المُجْتمعات ويُهَدِّدُها، ويَفْتِك بِمُقدَّراتها ويُبَدِّدُها، إذ الأمجاد والحضارات لا تبنى إلا على دعائم القيم المثلى والمثل العليا، وحينما تبتلى الأمم بالأمراض المعنوية يضعف شأنها، وتقوض دعائمها، وسلامة طرق مكاسبها، وإن من شر ما تصاب به المجتمعات أن تخوض فئام من ذوي المسؤوليات في أموال الأمة العامة بغير حق وأن تعطل الحقوق وتتعثر المشروعات تطلعًا إلى ابتزاز الجيوب دون عناء ولغوب، فَيَا مَنْ رَشَوْتَ بِشَرَرِ السَّعير لِتَنَال العَرَضَ الحَقير، لقد أتيتَ عَلَى دينِك بالتَّتبِير، ويَا مَنْ ارْتَشَيْتَ لَقد بُؤْتَ بِالخُسْرانِ والثُّبور، بِفِعْلٍ لَئيم يَبُور.
وبين الدكتور السديس أن مِن أهم عَوَامِل الإيغال في هذا السُّلُوك السَّخيط، تَنَصُّلُ فئام عن مسؤولِيَّة النّزاهة والإرْشاد، والتَّوَلِّي عن شرف الزَّجر عن مُسْتَنْقعات الارتشاء والفَسَاد، والمُدَاهَنة دون تَمَعُّرٍ ونكران، بل لَرُبَّما رُمِقَ المفْسِدُ بِعَيْنٍ مَكحولةٍ بتَبَسُّم واستحسان، ووُصِفَ بكياسة ودهاء واستذهان، والله المستعان، مؤكداً أنه َحَقيق بِذوي الحَزْم والنَّزَاهةِ الأعْلام، الأخذ على أيْدِي المُرْتَشين الفِدَام فَما شُرِعَت الزواجر ووضعت النُّظم إلاّ لتحقيق أعلى المقاصد ودفع الشرور والمفاسد، وأطْرِ كُلَّ منهومٍ وكاسد، // وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ //.
وقال إمام وخطيب المسجد الحرام : هذا الواقع الأليم المُثْخَنِ بالمَثالِبِ والمَزَالِّ، لَيَسْتصْرِخ المُجْتَمَعَاتِ جمْعَاءِ، لِتَعْزِيزِ قِيَم الشَّفافِية والمُرَاقبة، والنَّزاهة والمحاسَبة، وتحْصِين الأمة بوَازِع الدِّين، وقوة اليقين، والخوف من الجليل المتين سُبحانه، وأن تتَآلف الجهود وتَتَوَارَد الأمم على تمزيق مفاسِد الرِّشا ودَحْضِها، ونَبْذِها وَرَحْضِها، وبذلك تَزْكو الأمم وتَسُود، وتحقّق أسْمَى الأماني والقصُود، وتَبْلُغ مَجْدَها المعقود بإذن الله الواحد المعبود. تلك الرجاءات والآمال ومن الله نستلهم صالح الأقوال والأعمال وبلوغ الفلاح في الحال والمآل وما ذلك على الله بعزيز المنال فهو سبحانه ولي الفضل والنوال، // تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ//.
ومضى يقول: إنْ تُرَبَّى الأمَّة كافَّة على أكْرَم الأخْلاقِ والسَّجَايا، وأنْبَلِ الخِلال والمَزايَا، وأن يَتَنَزَّه ذَوُو المسؤوليَّاتِ والأمانات، عَمَّا وَضُحَ مِن شُبُهَاتِ المال وكَمَنْ، ويَخِفُّوا لِقَضاء مُعَاملاتِ المُرَاجعين دُون تلاعب بالمواعيد أو تَلَكُّؤٍ أو تَسْويفٍ أوْ مَنّ، أو تعثير في المشاريع بكل عذر شنيع يعود بالضرر على الجميع، أو اسْتِشْرَافٍ لاسْتِرْشاء، أو رُنُوٍّ لاسْتِهدَاء، وحينئذٍ يَا بُشْرَى للمُوظَّف الضَّمِين، والمسؤول الأمِين، الذي اتَّخذ النزاهة شعاره، والأمانة دِثاره، وإحقاق الحقوق بِدَارَه، وَسَمَا عَن دَنِيء الأعْرَاض، وسَفَاسِفِ الأغراض، وجَدَّ وسَعَى في نَزَاهَةِ رُوحِه ونَفْسِه، ونظافة يده ومسه، وشَفَافِية مشاعِرِه وحِسِّه، واعْتَبَرَ بِغَدِه وأمْسِه، وتَزَود بِخَير الزَّادِ لِسُؤال رَمْسِه، فكان بذلك في مُجْتمعه أوسع إصْلاحَا، وأسْرَع نَجَاحا.
وحمد الشيخ السديس الله أن الدولة خصَّت للنّزاهة ومكافحة الفساد الهيئات والمؤسسات وجُسِّدَتِ المسؤولِيَّات بذوي الكفاءات والقدرات، وعُزِّزت النَّزَاهة بِخِيَرَةٍ أمَاثِل، أَمَاجِد أفَاضِل، فضْلاً مِن الله وإنْعَامَا، وتَوْفِيقًا وإكرامَا، داعياً الجميع أفرادًا ومؤسسات التعاون معاً في تعزيز قيم النزاهة ومكافحة ألوان الفساد لنبلغ بالمجتمع مراقي الفلاح والرشاد.
وفي المدينة المنورة تحدث فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ على بن عبد الرحمن الحذيفي عن الخلق الحسن داعياً المسلمين إلى بذل الخير والكف عن الشر والحذر من عقاب الله جل شأنه.
وقال فضيلته في خطبة الجمعة اليوم: إن الإسلام جاء لتحقيق غاية عظيمة وجاء ليقوم بمهمة جسيمة ألا وهي القيام بحق الله تعالى وحقوق الخلق لقوله الله تعالى // وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا//, وما سوي هذه الغاية من عمران الأرض وتشريع الحدود وكف الظلم ونحو ذلك فهو تابع للغاية الكبرى التي هي الوفاء بحق الله وحقوق الخلق, والوسيلة إلى هذه الغاية والتمهيد إليها الخلق الحسن.
وأضاف: الخلق الحسن أساس القيام بحق الله وحقوق الخلق, والخلق الحسن بالإيمان أصل الوفاء بحق الله وحق العباد, وبذلك ترفع الدرجات وتكفر السيئات عن عائشة رضي الله عنها قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول / إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم /, فالخلق الحسن جماع الخير كله وهو كل صفة حميدة في الشرع والعقل السليم, وقال بعض أهل العلم، الخلق بذل الخير وكف الشر, والقول الجامع للخلق هو كل ما أمر الله به وجوبا أو استحبابا وترك كل ما نهى الله عنه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.