يولدُ المرءُ وله عينان يُبصرُ بهما محيطه، بأبعاده الدقيقة، كما هي في الواقع المنظور، إضافةً إلى عينٍ ثالثةٍ مجازيّة، تَرى ولا تُرى ولا تكتفي بالبصر بل يرافقها حكم صاحبها الشخصيّ والنفسيّ؛ فهي ترى الأشياءَ والمواقف في الأغلب بصورةٍ مكبّرةٍ ومضخّمة، (...)
تشي كلمة (الوهم) في معناها التداولي بكثير من السلبيّة؛ فتشير إلى الغفلة والغلط والسهو والزلل الذي قد يورد صاحبه مسالك الهلاك، فهو من الظنّ، و«بعض الظنّ إثم»، لكن هناك بعض آخر للوهم، وجوانب أخرى له، تكشف عن شيء منه أحداث يوميّة معيشة، ووقائع تاريخيّة (...)
تعبر حياة المرء أسماء تركت أثرًا لا يُمحى في النفس والسلوك، ومن المفارقة أنّ بعض أصحاب تلك الأسماء لا يدركون ما تركوه من أثرٍ في نفوس غيرهم، وهذه الأسماء لا تنحصر بالأشخاص، بل قد تكون حالات إنسانيّة، وتجارب شخصيّة، وظواهر بيئيّة، ومدناً قصيّة أو (...)
دأبت المملكة العربيّة السعوديّة منذ عهد موحدها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيّب الله ثراه- على تقديم نماذج حضاريّة تتعدّى محيطها الإقليميّ؛ لتغدو نموذجًا عالميًّا للمدنيّة والتنمية، فقد كان مساها الحضاريّ في بناء الإنسان المتحضّر أبرز (...)
كان علماء اللغة والنحاة قبل أن يأخذوا من أعرابيّ كلمةً أو أسلوبًا من لغته، يختبرونه ببعض الأسئلة والحوارات التي تبدو وكأنّها عفويّة، في إجراءٍ يشبه المقابلات الشخصيّة في عصرنا، وغايتهم من ذلك التحقّق من فصاحة لغتهم، والتأكّد من أنّهم لم يخالطوا من (...)
شرّع الله الأعياد لعباده جزاء لطاعةِ أو نسكٍ أو مشاركة مَنْ أدّاهما، فهي تشريع ربانيّ يحملُ حِكمًا ومقاصد بسطها علماء الشريعة في كثير من الكتب والخطب، فالعيد من شعائر الله وأيامه، ومحلّه التعظيم، وإظهار البهجة والسرور كما جاء في الذكر المسطور: (ذلك (...)
لا تظهر القصيدة إلى المتلقي إلّا بعد أن يأذن لها صاحبها بالظهور، وهذا لا يجري عادةً إلّا بعد أن يشعر بأنّها قد وصلت إلى ذروة النضج الفنيّ والموضوعيّ –من وجهة نظره- بعد مخاض طويل؛ فإذا هي مسكٌ يتضوّع بين الناس، يموتُ صاحبها وتبقى خالدةً مزروعةً على (...)
رافق الفنُّ الوجودَ الحضاريّ للإنسان منذ تاريخه القديم بوصفه أبرز مظاهر الإبداع الإنسانيّ، عبر تدفقه في الحياة بكلّ أطيافها، وظواهرها المفهومة من قبل الإنسان تارة، والغامضة لديه تارة أخرى، فكان حاضرًا في التجربة الإنسانيّة بأفراحها وأتراحها، وبنشوة (...)
حين أطلق الفيلسوف الإغريقيّ سقراط، حكمته «اعرف نفسك» كان يرى إلى أنّ قيمة الوجود الإنسانيّ تأتي من الإنسان نفسه؛ أي من وعيه بذاته، وبنائه المعرفيّ الذي ينطلق من واقعه المدرك والمعيش. «اعرف نفسك» هكذا يبدأ التغيير، ويبدأ التأسيس لكلّ من رام التحليق (...)
يأتي شهر رمضان المبارك حاملًا معه ذكرى وجوهٍ عزيزة رحلت، وفيضًا من حكايات لا تنضب، نسجتها خيوط حبّ وحنان، وطفولة وشباب، وأمكنة وحارات شهدت بدء صيامنا، وتشكيل وعينا ووجداننا.
الأبعاد الإيمانيّة والروحانيّة لشهر رمضان المبارك معروفة متداولة ومشهورة (...)
يرى فلاسفة القيم، والتيار الحيويّ الذي يمثله سبينوزا ونيتشه ودولوز وغيرهم، أنّ الأفكار وحدها لا يمكن أن تحقّق ذاتها، ووجوها من دون فضاء مستعدّ يقبلها، ويتفاعل معها، ويستجيب لندائها؛ فالحقيقة، -على سبيل المثال- عندهم زمانيّة في وجودها، إي أنها مسار (...)
عاشت الجزيرة العربيّة دهرًا من المعاناة والعزلة، وشظف العيش والقلة، في ظلّ قلقٍ دائم من مجهولٍ جاثم، لا يكاد يغادر حاضرة أو بادية، فإضافة إلى قسوة الطبيعة الجغرافيّة والمناخيّة، وغياب الأمن والأمان، والسلطة المركزيّة الجامعة لقرونٍ طوال؛ كان تشتّت (...)
يبدأ تعلُّم الكتابة عادةً بقلم الرصاص، ولاسيما عند الأطفال، لخصائص عمريّة وتربويّة؛ حيث سهولة الاستعمال، وخفّة الحركة، إضافة إلى إمكانيّة المسح والتعديل التي تُعدُّ من أبرز ما يميّز استعمال قلم الرصاص؛ ليكتب الطفل، ويمحو، ويصحّح بكلّ سهولة ويسر، (...)
تتعدّد نواقل المعنى، وأساليب التعبير عنه؛ فهناك الموسيقى، والرسم، والنحت، واللغة، بيد أنّ الأخيرة وما تتضمّنه من فنون تعبيريّة ومهارات بلاغيّة تتّكئ عليها بغية إيصال المعنى أو شيء منه تظلّ الأكثر شيوعًا، واستعمالًا في نقل المعنى، والتعبير بين الناس (...)
تعبّر الأفكار من وجهة نظر أصحابها، والمؤمنين بها عن حقائق ثابتة ومطلقة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، وأدوات هذه الحقائق التي تشكّل مادة الفكر هي المفاهيم التي تسهم في جعلها متحقّقة على المستوى العمليّ، بعد أن كانت نظريّة تميل إلى (...)
طُلب من أديب معاصر -في سؤالٍ افتراضيّ- أن يختار كتابًا واحدًا ليس غير، يصحبه في رحلة طويلة إلى جزيرة بعيدة؛ فأجاب من دون تردّد: معجم «لسان العرب» ولخّص مسوغات اختياره؛ بأنّه معجمٌ لا يقتصر على شرح معاني الكلمات وتوضيحها، بل يتجاوزه إلى دراسة الثقافة (...)
تتخذ عبارة «الوعي بالذات» أشكالًا متعدّدة، ومعاني متوالدة قد تفضي في معناها العميق المتداول -أحيانًا- إلى الجهل بالذات!! إذ تتعدّد استنادًا إلى الحقل المعرفيّ أو الإنسانيّ الذي توظّف فيه هذه العبارة إلى حدّ باتت معه دارجة على الأفواه بما تحمله من (...)
الفنّ ليس شيئًا مضافًا إلى الحياة، ولا هو فائضٌ شعوريّ يمكن الاستغناء عنه، إنّه أحد محدّدات معنى الوجود الإنسانيّ؛ إذ يتسرب إلى تفاصيل الحياة اليوميّة، ويحيط بها ويظهر ما كان محتجبًا عن الأنظار مفصحًا عن كينونته، فالفنّ لا يكتفي بالوظيفة الكشفيّة، (...)
يواجه كثيرٌ ممّن درّس الأدب سؤالًا ملحًّا من طلّابه، وبعض متذوّقيه يتعلّق بصدق الموضوع الفنيّ المعالج في الأعمال الأدبيّة، من مثل: هل تلك الأحداث حقيقيّةً؟ وهل كان المشهد كما عُبّر عنه؟ هل ما وصفه المبدع، وتحدّث عنه، وعالجه يستحق تلك اللغة الواصفة (...)
تفخرُ كلّ أمة بلغتها، وتعدّها أجمل اللغات وأرقها، ويعود كلّ ذلك إلى ما تحمله اللغة من قيم رمزيّة، ووظائف متعدّدة، وجماليات متنوّعة يميّزها أهلها، ومن الصعوبة بمكان حسم المفاضلة بين اللغات من حيث القدرة التعبيريّة، والطاقة الجماليّة، بحياديّة ورضًا (...)
يشكّل المكان بدء التأسيس الحقيقيّ لنمط وجود الإنسان، ولعلّه الجانب الأوضح في العمران الإنسانيّ، فللمكان سطوته الكبيرة على قاطنيه، ويذهب علماء إلى أنّ الإنسان نتاج بيئته الجغرافيّة، ومنهم الألماني «فردريش راتسل» القائل ب«أنّ الإنسان ليس شيئًا أكثر من (...)
من نافلة القول إنّ النصّ الأدبيّ يعتمدُ في إبراز جماليّاته على البلاغة اللغويّة، ومراعاة مقتضى الحال، والمواءمة بين مستويات النصّ المتعدّدة، وسياقاته المتشعبّة التي قد تتخطّى حدوده؛ لتشرك المتلقي وإطاره التاريخيّ والنفسيّ والاجتماعيّ في بلوغ الغاية (...)
فُطر الإنسان على حبّ الاستقرار والبقاء فيما يُسمى «منطقة الراحة»، إذ في ارتياد المجهول مغامرة غير مضمونة العواقب، وخروج عمّا تعوّده من الأنماط والوقائع، وخبره من الأساليب الاجتماعيّة والذوقيّة والجماليّة، وأوضح ما يُجلي هذا الأمر ذاك الصراعُ الأزليّ (...)
اللغةُ فضاءُ الإنسان الذي يدرك من خلالها محيطه ونفسه والآخر؛ إذ لا شيء يدرك إلّا من خلال اللغة بحسب تعبير الدكتور عبدالسلام المسدي، وهذا يعني أن لا شيء يدرك خارج سلطة اللغة. واللغةُ بحرٌ زاخر تصعب الإحاطة به، لذلك حرص المبدعون ولاسيما في العصر (...)
ثمّة ظواهر اجتماعيّة لم تأخذ حقّها من الدرس، مع أنّ في دراستها ما يضيف إلى النظريّة النقديّة والثقافيّة، ويقرّبهما من الحياة المعيشة، ويلقي الضوء على طبيعة النشاط الإنسانيّ بصوره المتعدّدة، ومنها ظاهرة استعمال منبّه السيارة «البوري» المحتفظة (...)