إن التمتع بصحة نفسية جيدة في العمل، مهم جدا في المؤسسات على اختلاف أحجامها، بدءا من الأفراد الذين يعملون بمفردهم، وانتهاء بالمؤسسات الضخمة التي توظف آلاف الأشخاص. ويرى أحد المتخصصين في هذا المجال، أن واحدا من كل 4 أشخاص، معرض للمشكلات النفسية في مرحلة ما من مراحل حياته. واليكم التفاصيل من تقرير "فوربس" لهذا الشهر: في الحقيقة، قد نتبع الأساليب الصحيحة للمحافظة على صحتنا الجسدية، فنحن نمارس التمارين الرياضية ونتناول الطعام الصحي، لكن عددا قليلا منا يعي حالة صحته العقلية. وغالبا ما نتحدث عن هذا الموضوع وكأنه مرض خطير أو معيب، بدل التركيز على كيفية الحفاظ على صحة نفسية جيدة. لهذا، كيف يمكننا تغيير ذلك، وكيف يمكن للمؤسسة أن تساعد في تعزيز الصحة النفسية لدى موظفيها؟ الحفاظ على الصحة النفسية في العمل يرضي الجميع: الموظفين وأصحاب العمل والزملاء والزبائن: بدأت العديد من المؤسسات تعترف بتأثير الصحة النفسية على العمل؛ فهناك 50% من الأمراض التي تستمر لفترة طويلة لها علاقة بالصحة النفسية. كما تقر المؤسسات بمنافع توظيف عاملين يتمتعون بصحة نفسية جيدة، لكونهم أكثر إنتاجية من غيرهم. وتوصلت دراسة أجرتها جامعة (ورويك-Warwick) في بريطانيا، إلى أن الناس السعداء أكثر إنتاجية بنسبة 12% لاسيما في الشركات التي تقع في مراكز المدن، وفي عدد من المهن مثل: المحاماة والمحاسبة. إن بيئة العمل الصحية يمكنها أن تؤدي إلى خلق ميزات تنافسية أخرى، فالحفاظ على بيئة تسهم في نجاح المواهب يعمل على تحسين العمل. كما أن أصحاب الأعمال الذين يتبعون خدمات تحافظ على صحة العاملين النفسية، يلاحظون أن نسبة ترك الموظفين للشركة قد انخفضت بشكل ملحوظ. تحتاج المؤسسات إلى التعامل مع صحة الموظفين النفسية على نحو جدي: يظهر تأثير ذلك في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، فإذا كنت تمتلك مؤسسة فيها 20 أو 30 أو 40 موظفا، فلن تتوافر لك الموارد الكافية التي تمكنك من تقليل مستوى التقصير. وتعاني هذه المؤسسات من هذا الأمر بشكل أكبر من المؤسسات الضخمة، لكونها تتمتع بهيكلية أقل كثافة ورسمية. لكن هذه المؤسسات قادرة على التعامل مع مواضيع الصحة النفسية بشكل أفضل، وهي تميل إلى فعل ذلك من ناحية تجارية بحتة. ومثال ذلك: إذا أخذ كبير المهندسين في شركة هندسية أجازة مرضية طويلة، فستعمل الشركة على تغطية تكاليف العلاج ليعود إلى عمله بسرعة. وبشكل عام، يجب علينا أن نبذل المزيد من الجهد لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، لاسيما أنها بحاجة إلى المساعدة في التعامل مع بعض المشكلات المتعلقة بالصحة النفسية. وقد نجد في الوقت نفسه، أن أفضل الممارسات لا تصدر عن الشركات الكبيرة بل على العكس من ذلك، فبعض المؤسسسات الصغيرة تتمتع بأفكار ممتازة للتعامل مع هذا الأمر؛ فهي قد تسمح للموظف بالعمل من المنزل أو توفر له وقتا للترفيه أو تشجعه على تناول الطعام الصحي، وهذه الممارسات لها تأثير كبير ويمكن تنفيذها بتكاليف بسيطة. لا يقتصر التعامل مع الصحة النفسية على الموارد البشرية، بل يمتد ليشمل المؤسسة بأكملها: يقول أغلبية الناس في الشركات إنه يجب تطوير الأدوات وأطر العمل. لكن في الحقيقة عليها أن تكون أكثر عملية، وتبدأ بتطوير الإدارات العليا أولا. وعليها أيضا ألا تجعل برامج عملها مقتصرة على أقسام الموارد البشرية، فالمؤسسة بأكملها يجب أن تدير برامج عملها، وعلى الجميع تقبل ذلك، لاسيما القادة بصفتهم المثل الأعلى لباقي الموظفين. علاوة على ذلك، يجب أن يكون الموظفين منفتحين حيال تأثيرات الصحة النفسية على العمل، فلا تزال ثقافة التغاضي عن المشكلات النفسية منتشرة في المؤسسات، لكن إن لم يتحدث الشخص عنها أولا، فلن تتمكن المؤسسة من خلق بيئة عمل توفر المساعدة لموظفيها. وليس من المهم تحديد من يعاني من هذه المشكلات، بل يجب أن تعترف الشركة بأن لديها موظفين يتمتعون بنقاط قوة وضعف من الناحية النفسية والجسدية، وأن عليها دعمهم. ويجب أن يشعر الموظف بإمكانية التعبير عن مشكلته لمديره المباشر، وأن بإمكانه أن يأخذ إجازة من العمل عند الضرورة. فقد أثبتت بعض الدراسات أن واحدا من بين 6 موظفين سيعانون من القلق أو الاكتئاب أو التوتر، في أي سنة من سنوات خدمتهم. إن المشكلات المتعلقة بالصحة النفسية غير مقيدة؛ فهي لا تتعلق بكمية المال الذي تكسبه أو برتبتك الوظيفية، كما أنه ليس بإمكانك التنبؤ بالأشخاص المعرضين لمثل هذه المشكلات. فضلا عن أن تقبل فكرة وجود أشخاص يحتاجون إلى المساعدة، في مرحلة من مراحل حياتهم الوظيفية، يعد خطوة في الطريق الصحيح. دور قادة فرق العمل: إن اعتراف شخص ما بأنه يعاني من مشكلة خطوة صعبة للغاية. لذلك، من المهم أن يستعد المدير المباشر لذلك، إذ عليه ملاحظة ما إذا كان أداء أحد الموظفين قد تغير، أو أنه بدأ بالتأخر عن ساعات العمل الرسمي. ولا يتعلق الأمر بتدريب المديرين على ممارسة علم النفس، بل عليهم أن يلاحظوا ما إذا كان الموظفون متفاعلين مع العمل أم لا. كذلك أن يكونوا أكثر قربا لأعضاء فريقهم. التدخل المبكر يحدث فرقا كبيرا: إن السببين الرئيسين وراء الإجازة الطويلة هما: الاضطرابات العضلية الهيكلية، واضطراب الصحة النفسية. ويمكن علاج هذه الاضطرابات بشكل فعال وبتكلفة بسيطة إن تم العلاج في وقت مبكر. ومن الجدير بالذكر أنه يجب على الشركة ألا تعتمد على معدل تغيب الموظف عن عمله، في تحديد ما إذا كان العاملون يعانون من اضطرابات أم لا، فأغلب العاملين يذهبون إلى عملهم وهم يعانون من مشكلات نفسية وجسدية. ولتوضيح العلاقة بين الصحة النفسية والجسدية، إليكم هذا المثال: ليس من الجيد أن تتمرن يوميا لمدة 11 أو 12 ساعة، لتستعد لسباق الجري؛ فالراحة جزء مهم من التدريب. في حين يعتقد أغلب الناس أن هذا الأمر غير مهم للصحة النفسية. والعكس صحيح، فالراحة مهمة جدا للصحة النفسية، وتعرض الدماغ للتوتر المستمر له تأثيرات سلبية. وتعتقد المؤسسات أن الإجازات المرضية، هي المقياس الوحيد لتحديد مدى تعرض الموظف لاضطرابات نفسية أو جسدية، لكن من المقاييس المهمة الأخرى هي مدى اندماج الموظف في العمل. وسيبدو هذا جليا في فرق العمل الصغيرة، إذ سيلاحظ أعضاء الفريق تراجع أي فرد عن مستوى عمله، كما سيلاحظون إذا بدأ أحدهم بالتأخر عن ساعات العمل الرسمية، أو إذا صار أكثر انفعالا من ذي قبل. خطوات بسيطة لكن تأثيرها قوي وسريع: إن موضوع الصحة النفسية مهم جدا للمؤسسات والمجتمعات والعائلات. لهذا فإن الجميع يهتم بمعرفة ما الذي يمكن فعله تجاه ذلك. وقد تحدث الممارسات البسيطة فرقا كبيرا، منها: توفير الدعم والتأييد من قبل كبار الموظفين، ونشر الوعي بأهمية التدخل المبكر، وغير ذلك من الأمثلة المستقاة من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة.