د. صالح السلطان الإقتصادية - السعودية مع أنشطة وزارة التجارة والصناعة المشاهدة والمشكورة في تنظيم ومراقبة الأسواق، طالب كثيرون الوزارة بالتدخل في التسعير بصورة أوسع كثيرا مما هو قائم. بل بالغ مطالبون بأن تسعر كل شيء تقريبا. والمقال تعليق مختصر على هذه المطالبات. التسعير شكل من أشكال التنظيم والتدخل الحكومي في السوق، والنقاش هنا اقتصادي وليس فقهيا أو قانونيا. إلا أن هذا لا يمنع الاستعراض باختصار شديد وفي نهاية المقال للرأي الفقهي في التسعير. في النقاش الاقتصادي، هناك نوعان من التسعير: تسعير سقفي أي وضع حد أعلى للأسعار وتسعير أدنى، أي وضع حد أدنى للأسعار، وأشهر مثال وضع حد أدنى للأجور. ومن ثم يفهم أن التسعير كلمة عامة تعني تسعير السلع وأسعار الخدمات، وتسعير أجور اليد العاملة. تتدخل الحكومات في التسعير بصورة مستمرة أو مؤقتة. التدخل المستمر يكون عادة في حالتين: 1 - خفض أسعار سلع منتجات أساسية عن أسعار التكلفة أو السعر التوازني، عبر تقديم دعم (تحمل بعض التكلفة) مباشرة، أو عبر دعم المنتجين (غالبا المزارعين). 2 - عبر تنظيم السوق عادة في حالة الاحتكار أو ما يشبه الاحتكار وكون السلعة من الضروريات، للحد من رفع الأسعار عن الأسعار التوازنية أو التكاليف الحدية. أشهر أمثلة التسعير التنظيمي "الاحتكار الطبيعي natural monopoly، وتسعير الدواء. كما تتدخل الحكومات أحيانا في بعض الأسواق لمنع الأسعار من الارتفاع إلى السعر التوازني، ويحدث هذا التدخل بصورة مؤقتة، عادة في ظرفين: 1 - إما خلال الأزمات، من خلال تسعير سلع يحتاج إليها عامة الناس، ويقترن بالتسعير عادة تقنين الكميات المباعة، ووجود شكل من أشكال الدعم الحكومي. 2 - وإما بوضع حد أعلى لزيادة سعر سلع (شاملا الخدمات) وأشهرها الإيجارات، في ظروف وجود اختلال كبير بين العرض والطلب. والهدف في كلتا الحالتين مكافحة التضخم. والمملكة لا تطبق حاليا سياسة رقابة الإيجارات السكنية، ولكن سبق أن فرضتها إبان طفرة السبعينيات ومطلع الثمانينيات من القرن الميلادي الماضي. ولم تؤيد هيئة كبار العلماء الاستمرار في هذه السياسة، لأنها رأت فيها نوعا من الهدر لحرمة المال. التحليل الاقتصادي النظري والمشاهدة في مختلف أنحاء العالم أفادت بأن التسعير كثيرا ما يتسبب مع مرور السنين في تعميق الاختلالات بين العرض والطلب. لماذا؟ بينت المشاهدات أن الناس لهم قدرة كبيرة على التحايل على القيود السعرية. يتطلب تطبيق التوسع في التسعير قدرات إدارية وفنية كبيرة. هل يعني ذلك الدعوة إلى الركون إلى قانون العرض والطلب وعدم تدخل الحكومات؟ ليس الأمر بهذا التبسيط. من المهم التعرف على خصائص السلع، وأن تحلل إنتاجا وتكلفة وبيعا وطلبا، وأن تدرس جيدا آثار ومحاسن وعيوب التدخل، كما أن من المهم أن تدرس أسباب الاختلال بين العرض والطلب، وأن يعمل على حلها، حتى لا يتحول التسعير المؤقت إلى دائم. أما من ناحية فقهية، فمن يطلع على ما كتب في كتب فقهية عن التسعير، يجد رأيين رئيسين: المنع من التسعير. لأن الأصل حرمة المال، والتسعير فيه اعتداء على هذه الحرمة. جواز التسعير عند الحاجة، وقد يكون واجبا أحيانا. لن أدخل في عرض هذه الآراء، لضيق المساحة، خلاف أن بإمكان القارئ المهتم أن يرجع إلى كتاب ذي صلة، ومقالات كثيرة متناثرة هنا وهناك. ويلحظ من الكتابات المعاصرة، أن عامة أو جمهور الفقهاء المعاصرين يرون جواز التسعير عند الحاجة. وبحث تفاصيل هذه الحاجة ليس محصورا في الفقهاء وأهل القانون. من أشهر القائلين بجواز التسعير عند الحاجة الإمام ابن تيمية. ومن يرغب التوسع فله الرجوع إلى كتابه "الحسبة" الذي تكلم فيه عن التسعير وعن تصرفات تجارية أخرى كثيرة غير مشروعة.