الوطن الكويتية هناك من الناس من يؤجل النطق بكلمة الحق لأن الظروف غير ملائمة!.. أو لأن من يعتبرهم أعداء قد يستفيدون من الحق الذي ينطق به.. لهذا فانه يرى ان كتم الشهادة أكثر نفعاً للقضية الوطنية، ويرى كذلك ان هناك ضرورات متعلقة بالمصالح العليا للوطن تجعل الخرس فضيلة.. وهؤلاء لا ينتابهم أي تأنيب ضمير ويبدون مطمئنين تماماً لسلامة موقفهم لأنهم لا ينوون السكوت الى الأبد ولكنهم اعتزموا ان ينطقوا بالحق غداً بعد ان تهدأ الأمور وينقشع غبار المعركة!.وهناك بيت شعر شهير نطقت به العرب من قديم الأزل قد يفيد في تفسير هذا الموقف: «قالت الضفدع قولاً فسرته الحكماء.. في فمي ماء وهل ينطق من في فيه ماء؟».. وقائل هذه الجملة لا يعني أنه يعجز فعلياً عن النطق ولكن منعه مانع من الكلام كالخوف على نفسه أو خشية تأزم الموقف لو أنه تكلم الآن.ومن العجيب ان أصحاب مدرسة «في فمي ماء» يظنون أنه بامكانهم النطق غداً أو بعد غد ولا يدور بخاطرهم ان الألسنة المقطوعة لا تنبت من جديد. واذا كان الأديب باولو كويلو يرى ان الحقيقة لا تلبث طويلاً في جوف العارف بها لأنه لو حاول ابتلاعها واخفاءها فانه سيغص بها.. لذلك من الأفضل لسلامته الشخصية ان يلفظها من جوفه، فان الواقع يقول ان كويلو كان رومانسياً أكثر من اللازم لأنه لم يشهد – مثلنا- ليس اخفاء الحقائق والتعتيم عليها فقط، لكن خلق حقائق جديدة من العدم، وربما لم يعرف الأديب البرازيلي من يقلبون ويعدلون ويحورون في مفردات الحقيقة حتى يحيلوا الضحية مجرماً والجاني مجنياً عليه. ولا يعرف كويلو ان رجلاً شهيراً يملأ الشاشات ويطل على الناس يبيعهم ثرثرة لا تنتهي.. هذا الرجل شاهَد على التلفزيون ابنته الوحيدة وفلذة كبده وهي تتعرض للضرب والانتهاك والاهانة والتحرش الجنسي ولم يفتح فمه.. أدار وجهه الى الناحية الأخرى وتظاهر بأنه لا يري.هذا الرجل حرم نفسه مما يتمتع به كل أب في هذه الدنيا بل قل كل فرخ أو عصفور من ان يبسط حمايته على صغاره ويهش عنهم الطيور الجارحة، فاذا لم يستطع فانه يصرخ ويرفع عقيرته بالبكاء ويجعل الدنيا كلها تسمع ما حدث.. ان أي أب يفقد حلمه اذا تعرضت طفلته للأذى فينسى التوازنات وينسى البروتوكول وينسى حتى المهمة الموكولة اليه وينزع عن نفسه الثوب الذي ألبسوه ويقلب المائدة على رؤوس الجميع.. أما صاحبنا هذا فانه أبدى قدراً عظيماً من الحكمة وضبط النفس والتزم بالهدوء الذي تحث عليه الولاياتالمتحدة دائماً الأطراف التي تتعرض للعدوان الاسرائيلي، فظهر على الناس في صورة الفيلسوف الذي لا يريد ان يتحدث في أمر شخصي على شاشة مملوكة للجماهير وقال لمن سألوه عن سر صمته ان في فمه ماء. ربما كان من الأصح ان يقول لهم: في فمي بُفتيك!