يوسف بن عبدالعزيز أبا الخيل - الرياض السعودية كان الخلاف قد وقع قديماً بين الفقهاء في مسألة الدعاء على الكفار، أهو على عامتهم، أم أنه على المحاربين منهم فحسب. والصحيح الذي يتماهى مع مقاصد الشريعة أنه لا يجوز الدعاء إلا على المحاربين منهم تناقلت بعض وسائل التواصل الاجتماعي ما حدث من بعض الدعاة أثناء لقائهم بوزير العمل، من تهديد أحدهم الوزير بالدعاء عليه إن لم يستجب لمطالبهم، وذكَّره أحدهم كيف دعوا على سلفه الدكتور غازي القصيبي - رحمه الله - لمَّا لم يستجب لما طلبوا منه، فأصابه الله بمرض السرطان الذي قضى فيه نحبه!!. لست معنياً هنا بالمسألة الأساسية التي جند أولئك الدعاة أنفسهم من أجلها، وهي تشغيل النساء، بقدر ما أنا معني بالحديث عن مسألة شرعية تتمثل في الدعاء على المسلمين عامة من جهة، وذكر أمواتهم بسوء من جهة ثانية. كان الخلاف قد وقع قديماً بين الفقهاء في مسألة الدعاء على الكفار، أهو على عامتهم، أم أنه على المحاربين منهم فحسب. والصحيح الذي يتماهى مع مقاصد الشريعة أنه لا يجوز الدعاء إلا على المحاربين منهم، عملًا بمتقضى قول الحق سبحانه: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم". ولا يمكن لمسلم يتدبر القرآن ويعمل بما جاء فيه، ويقدم أحكامه على أقوال الرجال، أن يدعي أن الدعاء عليهم لا يتنافى مع البر بهم والإقساط إليهم. بل إننا نجد في القرآن الكريم، وفي موضع آخر، ما يشير إلى أن الدعاء على من لا يستحق إنما هو اعتداء يحرمه الإسلام، ذلكم هو قوله تعالى: "ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين". يقول الشيخ محمد رشيد رضا في تفسيره المعروف ب(المنار):"أي أنه تعالى لا يحب المعتدين في الدعاء، كما لا يحب ذلك في سائر الأشياء. والاعتداء تجاوز الحدود فيها، وقد نهي عنه مطلقا ومقيدا، إلا ما كان انتصافاً من معتد ظالم بمثل ظلمه، وإن كان العفو عنه أفضل". ويقول القرطبي في (تفسير القرآن): "قوله تعالى إنه لا يحب المعتدين، يريد في الدعاء، وإن كان اللفظ عاماً. والمعتدي هو المجاوز للحد ومرتكب الحظر". ثم روى حديثا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول فيه:"سيكون قوم يعتدون في الدعاء". وتخصيص الدعاء على المعتدين من الكفار أمر وعاه سلف الأمة وعملوا به ودعوا إليه، فهذا شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله، يقول في مجموع الفتاوى (8/201): "الدعاء على جنس الظالمين الكفار مشروع مأمور به، وشرع القنوت والدعاء للمؤمنين، والدعاء على الكافرين. وأما الدعاء على معينين كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يلعن فلانا وفلانا فهذا قد روي أنه منسوخ بقوله تعالى: ( ليس لك من الأمر شيء)، وذلك لأن المعين لا يعلم أن رضي الله عنه أن يهلك، بل قد يكون ممن يتوب الله عليه". ويقول رحمه الله في مجموع الفتاوى أيضا ( 8/163)، عند استعراضه لمسألة الدعاء لأحد، أو على أحد بعينه في القنوت: "وإذا سَمَّى من يدعو لهم من المؤمنين، ومن يدعو عليهم من الكافرين المحاربين كان ذلك حسنا". بل إن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يفضل في مواقف كثيرة الدعاء بالهداية، حتى على المعتدين من الكفار، كما في قصة قدوم طُفيل بْن عَمرو الدوسي على النبي صلى الله عليه وسلم، والتي ذكرها البخاري في صحيحه، وقوله له: "يا رسول الله إن دوسا قد هلكتْ وأبتْ، فادع الله عليها، فقال: اللهم اهد دوسا وائت بهم". وكما في قصة حصاره صلى الله عليه وسلم للطائف، عندما طلب منه بعض الصحابة أن يدعو على ثقيف بقولهم، كما عند ابن حجر في فتح الباري: "يا رسول الله أحرقتْنا نبالُ ثقيف فادع الله عليهم، فقال اللهم اهد ثقيفا". بل إنه صلى الله عليه وسلم لم يدعُ حتى على من نال منه، كما في قصة أم أبي هريرة عند الإمام مسلم عندما أسمعتْ ابنها أباهريرة في رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا يكره، فدعا لها صلى الله عليه وسلم بقوله:" اللهم اهد أم أبي هريرة". والجامع لكل هذا قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه برقم (2599) عن أبي هريرة قال: قيل يا رسول الله ادعُ على المشركين، فقال: "إني لم ابعث لعَّانا، وإنما بعثت رحمة". وهكذا، فإذا كان الإسلام لا يجيز الدعاء على الكافر غير المحارب، فإن المسلم أولى وأحرى ألا يُدعى عليه. بل إن الدعاء لا يجوز في حق المسلم حتى ولو كان مقترفا للمعاصي، يدل على ذلك موقف النبي صلى الله عليه وسلم ممن دعوا على شارب الخمر بقولهم: "أخزاك الله"، إذ نهاهم صلى الله عليه وسلم بقوله: "لا تقولوا هكذا، لا تعينوا عليه الشيطان". ولقد أثارت تلك الحادثة أمراً آخر يتعلق بلمز مسلم وفد إلى ربه ينتظر عفوه ورحمته، ذلك هو الدكتور غازي القصيبي رحمه الله. ولمز الأموات أو سبهم محظور بقطعيات الشريعة. فقد بوَّب البخاري في صحيحه من كتاب الجنائز(باب ما ينهى من سب الأموات)، وروى من ثم حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم "لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا". ولقد نقل الحافظ بن حجر في (فتح الباري) على هامش شرحه لهذا الحديث، عن ابن رشد ما مضمونه أن لمز الميت لا يجوز مطلقاً إلا حيث تدعو الضرورة إلى ذلك، كأن يصير من قبيل الشهادة، كما أشار أيضاً إلى أن عائشة رضي الله عنها عملت بمقتضى هذا الحديث في حق من استحق عندها اللعن، فكانت تلعنه وهو حي، فإذا مات تركت لعنه. وتؤكد هذه الأحداث ونظائرها أن بعض من يقومون ب"الاحتساب" خارج مظلة الجهة الرسمية ينقصهم الحد الأدنى من العلم الشرعي العاصم من الوقوع في المخالفات الشرعية، والتي قد تُحوِّل الاحتساب نفسه إلى منكر، عندما يتجاوز الحد الشرعي في الحسبة. ولذلك اشترط الفقهاء في المحتسب أن يكون عالِما لكي يعلم، كما يقول الغزالي في ( الأحياء)، "مواقع الحسبة وحدودها ومجاريها وموانعها، ليقتصر على حد الشرع فيه". وبالإضافة إلى العلم، اشترطوا في المحتسب أن يكون ورعاً حسن الخلق، فبها كما يقول الغزالي أيضا، "تصير الحسبة من القربات، وتندفع بها المنكرات. وإن فُقدت لم يندفع المنكر. بل ربما كانت الحسبة أيضا مُنْكرة، لمجاوزة حد الشرع فيها". ولا أخال أن محتسباً ضمَّن احتسابه دعاءً بأخبث الأمراض على مسلم فارق الدنيا، إلا متجاوزاً لحدود الشرع في احتسابه، فاقدا لأبسط الشروط الشرعية التي حددها الشرع للاحتساب، مهما كان عليه من حسن النية!