صحف عالمية: الهلال يصنع التاريخ في كأس العالم للأندية 2025    ترمب يتعهد بتمرير العديد من سياساته بعد قرار المحكمة العليا    مقتل 18 سائحًا من أسرة واحدة غرقًا بعد فيضان نهر سوات بباكستان    12 جهة تدرس تعزيز الكفاءة والمواءمة والتكامل للزراعة بالمنطقة الشرقية    الشيخ صالح بن حميد: النعم تُحفظ بالشكر وتضيع بالجحود    إمام وخطيب المسجد النبوي: تقوى الله أعظم زاد، وشهر المحرم موسم عظيم للعبادة    5 شراكات جديدة لدعم مستفيدي إنجاب الشرقية    إحباط محاولة تهريب أكثر من 732 ألف حبة من مادة الإمفيتامين المخدر    بلدية فرسان تكرم الاعلامي "الحُمق"    تمديد مبادرة إلغاء الغرامات والإعفاء من العقوبات المالية عن المكلفين حتى 31 ديسمبر 2025م    مكاسب الهلال من بلوغ دور ال16 في كأس العالم للأندية    مدير جوازات الرياض يقلد «آل عادي» رتبته الجديدة «رائد»    مواعيد مواجهات دور ال16 من كأس العالم للأندية    استشهاد 22 فلسطينيًا في قصف الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة    شاموسكا إلى التعاون.. واتفاق بين نيوم وجالتييه    وزارة الرياضة تحقق نسبة 100% في بطاقة الأداء لكفاءة الطاقة لعامي 2023 -2024    الصين تؤكد تفاصيل الاتفاق التجاري مع الولايات المتحدة    طقس حار الى شديد الحرارة على معظم مناطق المملكة    رئاسة الشؤون الدينية تُطلق خطة موسم العمرة لعام 1447ه    القبض على وافدين اعتديا على امرأة في الرياض    استمتع بالطبيعة.. وتقيد بالشروط    د. علي الدّفاع.. عبقري الرياضيات    في إلهامات الرؤية الوطنية    ثورة أدب    أخلاقيات متجذرة    كرة القدم الحديثة.. عقل بلا قلب    القادسية.. موسم ذهبي وأرقام قياسية في موسم مثالي    البدء بتطبيق"التأمينات الاجتماعية" على الرياضيين السعوديين ابتداءً من الشهر المقبل    رسميًا.. رونالدو مستمر مع النصر حتى 2027    نجران ترسم مستقبلها الإستثماري بنجاح مبهر في منتدى 2025    أمير جازان يستقبل رئيس محكمة الاستئناف بالمنطقة    أمير الشرقية يُكرِّم "مجموعة مستشفيات المانع" لرعايتها الطبية منتدى الصناعة السعودي 2025    شبكة القطيف الصحية تطلق مبادرة "توازن وعطاء" لتعزيز الصحة النفسية في بيئة العمل    الأمير تركي الفيصل : عام جديد    تدخل طبي عاجل ينقذ حياة سبعيني بمستشفى الرس العام    القبض على 3 مخالفين لنظام أمن الحدود ظهروا بمحتوى مرئي في صبيا    مفوض الإفتاء بمنطقة جازان يشارك في افتتاح المؤتمر العلمي الثاني    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي، ويناقش تحسين الخدمات والمشاريع التنموية    لوحات تستلهم جمال الطبيعة الصينية لفنان صيني بمعرض بالرياض واميرات سعوديات يثنين    ترامب يحث الكونغرس على "قتل" إذاعة (صوت أمريكا)    الخارجية الإيرانية: منشآتنا النووية تعرضت لأضرار جسيمة    تصاعد المعارك بين الجيش و«الدعم».. السودان.. مناطق إستراتيجية تتحول لبؤر اشتباك    حامد مطاوع..رئيس تحرير الندوة في عصرها الذهبي..    تخريج أول دفعة من "برنامج التصحيح اللغوي"    غروسي: عودة المفتشين لمنشآت إيران النووية ضرورية    تحسن أسعار النفط والذهب    أسرة الزواوي تستقبل التعازي في فقيدتهم مريم    الجوازات: جاهزية تامة لاستقبال المعتمرين    في جولة الحسم الأخيرة بدور المجموعات لمونديال الأندية.. الهلال يسعى للتأهل أمام باتشوكا    عسير.. وجهة سياحة أولى للسعوديين والمقيمين    وزير الداخلية يعزي الشريف في وفاة والدته    استشاري: المورينجا لا تعالج الضغط ولا الكوليسترول    "التخصصات الصحية": إعلان نتائج برامج البورد السعودي    نائب أمير منطقة مكة يستقبل القنصل البريطاني    أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الصحة بالمنطقة والمدير التنفيذي لهيئة الصحة العامة بالقطاع الشمالي    من أعلام جازان.. الشيخ الدكتور علي بن محمد عطيف    أقوى كاميرا تكتشف الكون    الهيئة الملكية تطلق حملة "مكة إرث حي" لإبراز القيمة الحضارية والتاريخية للعاصمة المقدسة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القوة الصامتة في القطيف ... إلى أين؟!
نشر في أنباؤكم يوم 24 - 08 - 2012

بعد البيان العلمائي السباعي الأخير، الذي أشعل شمعة للتفاؤل، بينما واجهه البعض هداهم الله بالتشاؤم والقدح، أكاد أجزم بسبب تراكم القرائن حولي في نقاشات مختلفة ومن متابعاتي المتفرقة لمجريات الساحة، بارتفاع مؤشرات العقلانية المطلبية في المنطقة القطيفية، في اتجاهات صاعدة، تعبر في الغالب عن واقعٍ فكري إيجابي مكتوم، لا شك أن البعض، بل ربما الكثيرين غيري، قد لامسوه أيضاً خلال حواراتهم الفكرية البينية مع الآخرين من أبناء المنطقة، وذلك لا يعني طبعاً إلغاء الآخر أو نهاية مواقفه السابقة، وكل ذلك طبعاً بخصوص الموقف من تلك الأزمة الأخيرة في الواقع القطيفي المر، حيث يتجمع حالياً ما ينبئ عن أن المراهنة على الوعي أو على تفضيل الخيارات الواقعية في الفترة الأخيرة، باتت مراهنة واقعية واعية، هي أقرب للصواب ولجني الأرباح منها للخطأ والخسارة في ذلك الرهان الصعب، الذي كانت تقلقه كثيراً أصوات مخالفة منفعلة مرتفعة كثيراً ... في وقتٍ قد مضى ربما إلى غير رجعة ... وأظن أن هذا ما يؤكده صدور هذا البيان في هذه الفترة بعد فترة من الصمت.
لقد تغيرت آراء وقناعات الكثيرين من أبناء المنطقة كما يبدو، ممن أخذهم الحماس بعيداً في بدايات موج مد الربيع العربي، الذي شحن الجماهير بكثير من المشاعر المفرطة، ونسج للناس لوحة تقبع فيها دولة طوبى، فكان المخالف حينها أشبه بصفرٍ على الشمال، أو أي شيءٍ من هذا القبيل. وكما يبدو مؤخراً على السطح، فقد ظهرت لنا أصوات مختلفة ضمن شرائح ثقافية وعمرية وأيديولوجية متنوعة، تدرك الواقع المحلي والبشري وضروراته بعمق أكبر، أو تتجه باتجاه ذلك، وذلك طبعاً بعد خوض غمار تلك التجربة البشرية المرة، التي تعد بالإصلاح بطرق مندفعة نوعاً ما، حيث يراد للأزمة هنا، وإن لم يشعر البعض بذلك، أن تكبر يوماً بعد يوم، لتكسر واقعنا، ثم تعيد ترتيبه من جديد، إن استطاعت طبعاً تجميع أجزائه المتفرقة والمحطمة بعد ذلك، وهي تجربة مررنا بها وعشنا فيها ضمن حقل البارود ورهانات مستحيلة كادت أن تحرق كل المنطقة وما زرعه أبناء القطيف وغيرهم في المراحل السابقة بتأنٍ وفي تؤدة في فترة السلم والأمن والأمان النسبي السابق، الذي يزعج البعض الاعتراف به، والذي لم يعجب البعض بسبب مثاليات مفرطة عاطفية، آن لها أن تخفف من حدتها، وأن تعرف الواقع.
إن مما لا شك فيه بالتأكيد، أن المطالبة بالعدل والإصلاح، مطالبة وطنية مشروعة لا يمكن الجدال فيها ولا الاعتراض عليها. ولا شك أن المسؤولين في هذا البلد، يدركون أن الفساد والظلم خطر يتهدد أمننا الوطني وسلمنا الاجتماعي. لكنهم أيضاً، يدركون أن دوائر المصالح وتناقضاتها واسعة جداً ومتداخلة ومعقدة، ما يعني استحالة الحق إلى نقيضه عندما يكون إحقاق الحق بطريقة مثالية مؤدياً للباطل، وهذا ما يجب أن ندركه ونحذره، حيث أن الأحلام المثالية لا تعالج الواقع، والنوايا الطيبة والخيرة لا تسوغ ولا تبرر ولا تقلل من خطر تجاوز حدود الوطن الأمنية، للإصلاح بما لن يؤدي في واقعه التجريبي، ومؤداه ونتيجته الحقيقية الواقعية، إلا إلى الإفساد، وتهديد أمن الوطن وأمانه، الذي هو أمن المواطنين وأمانهم ورفاههم واطمئنانهم، وذلك عندما يستفحل الأمر وتتفاقم المشكلة.
إنها لعبة واقعية كبيرة، لها قواعد وقوانين من نسيج الواقع، لا يمكن تجاوزها ولا استبدالها. فلا بد من الانصياع لشروطها بالاعتراف بأن الإصلاح لعبة الواعين والأذكياء وحدهم فقط، الذين يدركون الواقع، ويمكنهم الدخول فيها بفهم وعلم حين يتم تعلم شروطها وضوابطها الأرضية، النابعة مما جعله الله وأقره ضمن السنن والقوانين الأرضية، لا الحالة الصوفية أو الرومانسية أو الأسطورية. فهي هنا، ليست لعبة حماسية، يجوز دخولها بالانفعال والحماس والحقوق والشعارات وحدها فقط، دون التسلح بالمنطق والفهم والعلم والتخطيط والواقعية.
ومن الحق أن نقول، إن شعب القطيف بلا شك شعبٌ طيب، ونواياهم نوايا خيرة. حيث لا مجال هنا، للطعن في النوايا في الأعم الأغلب. والواجب هنا، هو الرد على كل مفتنٍ ممن يتصيد عليهم الزلة، أو يبحث لهم عن العثرة، ساعياً لزجهم وتوريطهم في الفتن، أو مبتغياً الانقضاض عليهم، أو تجييش الآخر ضدهم، ضمن لعب طائفي غير نظيف بتاتاً. لكن أيضاً، فأساليب القوم (أي أهل القطيف) في النهاية بالتأكيد ليست واحدة، فهي اجتهادات بشرية متنوعة ... تتوزع في مناطق مختلفة بين الصواب والخطأ والواقعية والمثالية والأحلام واليقظة والاعتدال والتطرف ... وهكذا. والنسيج الاجتماعي دائماً فيه الخير والشر والنضج والوعي وخلاف ذلك ... الخ.
لذا، فنحن هنا لسنا معصومين دائماً بلا شك، ومن الخطأ أن ندعي ذلك أو أن نوهم أنفسنا بما ليس في الواقع، ومن الجيد بل من الواجب، أن نعمد وأن يعمد خصوصاً من يتشبث بعصمته منا، بين الفينة والفينة، للمراجعات الفكرية والسلوكية الجادة ... ولتصحيح المسارات.
لقد أرسل البيان العلمائي الأخير، المعروف بلا شك عند القارئ القطيفي العزيز، رسائل متنوعة. اتجه بعضها للداخل الشيعي، بينما حمل بعضها الآخر رسائل أخرى في اتجاهات أخرى خارج هذه الدائرة. فمن جهة، استوجب على طرفٍ، تفهم واهتمام المسؤول والشريك الوطني المخالف والمغاير أياً كان، حين مد يد التعاون والشراكة الوطنية، منتظراً خطوات إيجابية في نفس الاتجاه من الأطراف الأخرى. وفي الوقت نفسه، وجه رسالة قوية شجاعة وواضحة، للداخل الشيعي، استفزت للأسف البعض، ممن يضيقون ذرعاً بالرأي المخالف، وممن لا يريدون أن يروا، أي تغاير للألوان في نسيجهم المحلي، في احتكار منهم حقيقي وواقعي غريب للواقع وللنسيج المجتمعي، كأنما يريدون أن يقال لهم المثل المحلي (ما في هالبلد إلا هالولد). فكانت الرسالة هنا أن الأمن والأمان الوطني ودماء الناس خط أحمر لا يجوز ولا يصح التفريط فيه أو التضحية به، على خطوط المواجهات والصراعات الوطنية الحالية، لأجل حفنة مطالب إصلاح وطني لا تستدعي تلك الحدية في الاختلاف، التي قد تولد مع نموها، الكثير من أشكال التناحر الوطني المقيت والمنبوذ والصراع الدامي لا سمح الله، ونحن هنا أبناء وطن آمن نسبياً، وبلد فيه الكثير من الخيرات، التي تحمي الناس من ويلات الحاجة، وتجعلهم غالباً أقرب للرفاه، وهذا ما يؤكده واقع معظم أبناء اليوم في هذا المجتمع، رغم الأزمة المالية التي تعصف بالعالم، ورغم وجود بعض فئات المجتمع ممن تعيش الفقر والمعاناة. ولا شك أن الزمن حالياً يسير باتجاه الأفضل ويعد بالإصلاح.
وأياً تكن الرسائل التي نفهمها، أو يفهمها غيرنا في تغايرها، فهي في المحصلة النهائية رسائل سياسية وطنية واعية وناضجة تصب في اتجاهات حفظ الوطن والمواطن والأمن والأمان وفق رؤية أصحابها أقلاً، انطلقت من رموز كبيرة مرموقة ومحترمة لها خبراتها وتجاربها، وهي إن أحسنا الظن، تصب بلا شك في اتجاه تهيئة الأرضية المضطربة، لبناء مشروع الشراكة الوطنية والإصلاح الوطني وتعايش المذاهب والحوار الإنساني والديني والتنمية البشرية التي تستفيد من أجواء الأمن والاستقرار الضروري لذلك كله. ويمكنك هنا، أن تختلف معها، لكن ليس من حقك أبداً اتهام وإسقاط وتشويه سمعة كل من يتبناها أو من آمن بها أو وقع عليها، كما يفعل البعض. فأين حينها إذاً، كل تلك الشعارات والحرية والعدالة والديمقراطية والنزاهة والمثالية، التي تدعيها أو تدعو إليها؟!!!.
وأنا هنا، أراها فرصة مناسبة لأبنائنا وإخواننا الأحبة، للخروج من المثاليات التي ظلت ولازالت تربك الساحة وفهمنا للسياسة، وفرصة للاعتراف بأن الشعارات لا تسمن ولا تغني من جوع. إنها فرصة مناسبة للخروج من حراك مطلبي منفعل، له بعض أخطائه الخطيرة والحساسة بلا شك، لحراك مطلبي واعي وناضج، يفهم الساحة، وقواعد لعبتنا الوطنية والسياسية جيداً. فلا يتهدد أمننا الوطني، ولا يحاول من باب البحث عن الفرصة والنصر فرض العضلات، بزج الألوف في معركة شرسة، وإن كانت عناوينها في بداياتها سلمية، لكنها بالطبع وبحسبة منطقية ورياضية بسيطة ستخرج حتماً في النهاية، عن كونها مجرد مطالبات بالإصلاح هادئة وسلمية ومعقولة، لحالات من الانفلات الأمني وتصادم مختلف قوى الوطن السياسية والطائفية والمناطقية والأمنية والاقتصادية، في معمعة لن يستفيد منها أحد، ولن يتوقع مساوئها وويلاتها أحد، فاللعب خارج الأزمات الأمنية، ليس كالتورط داخلها، حيث الكل هناك غالباً يبحث حينها لنفسه عن ملجأ ومأمن ... مهما كلفه الأمر.
إنني أتوقع، أن المسؤولين في بلدنا الحبيب لديهم من النضج السياسي وسعة الصدر، ما يؤهلهم في النهاية، لقبول دخول شركاء الوطن الشيعة كلاعب سياسي يؤمن بلعبة تدافع القوى ضمن شروطها الصحية، وشريك وطني واعي وذكي غير مؤدلج بأيديولوجيا دينية أو طائفية، تمنعه من رؤية الواقع والحقائق كما هي، أو تعيقه وتمنعه عن تقديم المصلحة الوطنية على ما سواها من ضرورات أو اعتبارات، تُحترم له في النهاية مطالبه الوطنية واهتماماته المناطقية والإنسانية العادلة، التي لا تتهدد أمن الوطن، ولا تتجاوز الخطوط الحمراء التي تدفع باتجاه انفلات الأمن. وكل بلاد الدنيا في النهاية، فيها ظلم وأخطاء وتحتاج معالجات وطنية جادة تستهدف الإصلاح، حتى أفضل تلك الدول الديمقراطية العاقلة المعاصرة، التي تأخذ صور مثالية في عقلياتنا ومخيلاتنا، والعاقل هنا هو من يصلح بلده ويطالب بالإصلاح بعيداً عن الانفعال، وعن المساس بالأمن والاستقرار الوطني والتضحية به في رهانات مدمرة، تحيل الحاضر إلى رماد، فقد ولى في الحقيقة زمان الفقر المعرفي والفقر التنظيمي والفوضى المجتمعية وبيئة تلك الحروب البدائية الهمجية السابقة، التي تقودها عصابات شعبية متمردة، خرجت من رحم زمن الوحوش والبرابرة، والتنازع الشرس على الموارد، والتي لازالت معشعشة في مخيلة بعض الشعوب. فحروب المصالح العنيفة الوحشية في هذا الزمان ليست سوى استثناءات، أو حالات قليلة حرجة تقودها قوة بعض دول الهيمنة المتغطرسة، التي تجد مساحات واسعة للاستفراد بالساحة وتسيدها. وإن من العيب أن تنجر الشعوب المتحضرة الهانئة الناشدة للديمقراطية والقيم، وأبناء الوطن المسلم العزيز والهادئ كالمملكة الحبيبة، لذلك اللون من العنف والانفعال والتخبط المدمر، والمزلق البربري الخطر.
وهنا، فلنسأل أنفسنا بجد، ما هي تلك المشاكل التي نواجهها أو كنا نواجهها فوق أرض الواقع، وما حجم الظلم الذي كنا نشتكي منه خصوصاً قبل هذه الأزمة. فهل يستحق ذلك: خسارة تلك الدماء الطاهرة والبريئة، وتيتيم الأطفال، وترمل النساء، وثكل الأمهات، وتخريب بيوت أسر لسنوات، أو غرس حزن ليس له في الغالب نهاية؟!!!.
إنني واثق هنا، أن الكل سيلقي بالتهمة على الطرف الآخر، ويحمله مسؤولية إراقة الدماء، ويمكن هنا الدخول في دوامة المثاليات والشعارات والقيم المجردة غير الواقعية، الخاضعة للتفكير المغرق في الفوضى والشعارات والأحلام الناعسة، التي لا يمكن الخروج منها إلا بالمزيد من الفوضى والتناحر، لأن عقولنا الشعبية، بل حتى معظم تلك العقول التي تعيش فوق القمة المجتمعية، ليست سياسية، ولا تستوعب بعد اللعب بأوراق السياسة، ولا تفهم التدافع السياسي، ولا إدارة الصراع من خلال فهم دوائر المصالح، وعقد التحالفات والشراكات الوطنية، بدل رفع الشعارات وتوريط بعض المفاهيم الدينية بطرق يساء فهمها غالباً ثم تجري محاولات فرضها على الآخر المختلف والمخالف، وكأن لوناً واحداً منا فقط يهيمن ويريد أن يتسيد بفكره وعقله واجتهاداته الساحة، رغم ما في المجتمع من غنى وتنوع في الأفكار والتوجهات والآراء والمنطلقات.
إن حل مشاكل الفقر والفقراء والبطالة الموجودة في مناطقنا، وهي من أهم الأسباب المعروفة لتفجر الأزمات في أنحاء مختلفة من هذا العالم، والتي تتخذ كجزء من شماعات الحركة المندفعة في المنطقة، لو أنصفنا فلن تكلفنا الكثير، سوى صدق أبناء المنطقة أنفسهم مع أنفسهم، فالتقصير الذي يوجه الاتهام فيه لهذا الطرف الوطني أو ذاك خارج الدائرة القطيفية، وينال أجهزة الدولة الجزء الأكبر منه، دون الدفاع هنا عن أحد، يمكن حله داخلياً بأموال أبناء القطيف أنفسهم، في مقابل فوضى الدم، إن كان الكثير منا الرافعين لشعارات التضحيات، صادقين في نواياهم هنا وحرصهم على أبناء المنطقة عملياً، عندما تتعلق القضية بالحسابات المالية والمادية والمصلحية، وتقاسم الثروات ومشاركتها، وذلك بالتضحية ببعض تلك الثروات الموجودة لدى أبناء المنطقة أنفسهم، المستخدمة في أحيان كثيرة، في ترف البعض ومتعه الجانبية، والتسلية وصناعة الوجاهة و (الفشخرة بغير سنع ... أحياناً) - وللناس حقهم طبعاً -، كل ذلك بدل الزج بالفقراء ودمائهم واستغلالهم في معركة دامية ... لازلت في الحقيقة أتألم هنا وأتوجع بحرقة منها ومن تبعاتها على الأفراد والأسر التي تضررت منها كثيراً.
إن لدينا بلا شك، الكثير ممن يطالبون بالإصلاح في هذا البلد من مختلف الأطياف، وتتنوع قضايا الشكوى والمطالبة، وليس ذلك بخافٍ على أحد. وهناك عدة مسارات مطالبة معروفة مقبولة أو يتم غض الطرف عنها في المرحلة المعاصرة، يعرفها كل من يتابع القضايا الوطنية والحقوقية، وقد تحملتها الدولة ومسؤولوها وأجهزتها، بحسب الواقع حتى في بعض الجهات والأجهزة الحساسة في الدولة وأجهزتها، حتى نال أصحاب الحق حقوقهم، واستجيب لمطالبهم، وحققت أمنياتهم، ولازال البعض يقتدي بهم وبخطواتهم وإن كانت شاقة أحياناً ومتعبة. وعلينا هنا فقط، أن نفتح أعيننا وننظر ببعض الإيجابية لتلك التحسنات والتطورات الموجودة، التي تجري في البلد، والتي نتمنى أن تتسارع وأن تتطور للأفضل ... والمستقبل واعد كما أشرنا سابقاً وأسلفنا ... في مقالات قد مضت.
وعلى صعيد آخر، في سياق البيان العلمائي، الذي يخرج على الصمت، ويكسر حواجز الخوف، فإن مما يجب قوله هنا للصامتين منا، في ظل هذه الأزمة، من مفكري ومثقفي وعقلاء المنطقة صغارهم وكبارهم، هو: أن زمان الصمت قد ولى أو قد أعطى بوادر للأفول، وأن أي تغير إيجابي، وأي تصحيح في حراكنا نحو الأفضل، لا شك بحاجة لرفع صوت (تلك القوة الصامتة)، الرافضة لمس (خطوط التماس الأمنية) الحساسة، والتي تبصر بلا شك، أن أي لعب سياسي مجدي وواقعي ونافع، يجب أن يكون تحت تلك الخطوط، لا أن يسير بكرة الثلج لتكبر شيءً فشيءً، فتتهدد في النهاية، ولو بشكل غير مقصود وغير مدروس، أمن الوطن وأمانه، تحت مبررات، أن كرة الثلج صغيرة دائماً وناعمة، ولا تتهدد أبداً أمن الوطن، ولن تكبر، رغم أن البعض بالفعل يريد أن يدفعها لتكبر وتكبر، غير مدركٍ للحسابات الدقيقة لما يجري، ولما قد يجري في الساحة مستقبلاً بالفعل.
إن من واجب جميع القوى الصامتة في القطيف اليوم، أخلاقياً ومن باب المصلحة الخاصة والعامة - من وجهة نظري الشخصية -، أن تتكلم وترفع صوتها عالياً، لتصحيح المسار ولتنوير الجمهور ولتطوير الوعي ولبيان مفاهيم وأفكار اللعب السياسي الوطني الصحيح والجيد والفاعل والمنتج والمقبول. فقد بانت العيوب المخفية للانفعال والاندفاع ورفع الشعارات المثالية، واتضحت المثالب والأخطاء، واتضح وانكشف الإقصاء والإسقاط، الذي يمارسه البعض، تجاه كل معترض ومخالف أو مختلف، وما يمارس من فرض للإرادة وللاجتهادات والآراء، حتى في مقابل الكلمة الحرة المجردة من أي سلاح، سوى سلاح البوح والجهر، من قبل بعض المختلفين طبعاً لا الكل.
هذا هو الوقت المناسب للبوح والحديث، ولدعم كل الأصوات الشجاعة والعاقل، للخروج من الأزمة، بوعي مطلبي وطني جديد، يرتقي بنا وبأبناء المنطقة وأبناء الطائفة، وبأبناء الوطن، خصوصاً مع صدور هذا البيان العلمائي الأخير، من كبار الرموز والعلماء الأجلاء. إن المطلوب هنا اليوم، أن نبين للجمهور طبيعة الحراك السياسي الجيد وعيوب تصعيد الأزمات ... أو أقلاً أن نقول للآخرين من أبناء جلدتنا خصوصاً في هذه المرحلة ... "إننا مختلفون ... إذاً فلنختلف بحب" ... والسلام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.