إلى التويتريين: اكتبوا إبداعكم واتركوا الآخرين

جَاءت وَسَائل التَّواصُل الجَديدة، وجَاء مَعها مَا يُصاحبها مِن خَللٍ وترهُّلٍ وهبَاب.. كَما جَاء مَعها مَا يَليق مِن رَشادٍ وجَمَالِ وصَواب..!
في "الإيميل" و"الوَاتس أب" و"تويتر"... وغَيرهم مِن طَرائق التَّواصُل الاجتمَاعي، يَصلني عَشرَات المَوائد؛ التي لا تَجد فِيها مَا يُفيد، ولا تَحصل مِن جَرّائها عَلى مَا تُريد.. نَاهيك عن أنَّ أكثرها مُكرَّر أو مُمل، أو غَير صَحيح..!
إنَّني أمتَعض حِين يُرسل لِي أحدهم مَقطعاً عَن خَبرٍ كَاذب، أو مَقطعاً عَن عَذَاب القَبر، كَما أمتَعض حِين يُرسل لِي بَعضهم شَيئاً لا يُمثّله؛ فمَثلاً يُرسل لِي آثَاراً نَبويّة حَول الدَّين وأهميّة سَدَاده، ويَكون هَذا مِن بَاب النِّفاق، لأنَّني أُريد مِن المُرسل عَشرة آلَاف ريَال؛ ولَم يُسدّدها لِي مُنذ سنوَات..!
إنَّ وسَائل التَّواصُل اخترَاعٌ جَميل، ويَجب الاستفَادة مِنه في تَنمية مَواهبنا، وتَصدير بَوحنا لمَن نُحب ولمَن نَرغب، صَحيح أنَّ هَذه الوسَائل قَد تُستخدم كإعلامٍ بَديل، أعني وَسَائل لنَشر مَا يَعجز عَنه الإعلَام الرَّسمي، أو لِنَقُل مَا يُهمله الإعلَام "المحتشم".. كُلُّ هَذا صَحيح ولَكن يَجب أن تُركِّز وسَائل التَّواصُل-في جَانبها الأكبَر- عَلى التَّعبير عَن ذَوَاتنا، والبَوح عمَّا بدَواخلنا، ولتَقريب المسَافة بَين مَا نَقوله ومَا لا نَقوله، أو لِنَقُل مَا لا نَستطيع قَوله لمَن نُحبّ..!
إنَّني مِن هَذا المنبَر أقول: أيُّها النَّاس.. أيُّها الإيميليّون والإيميليّات.. والتّويتريّون والتّويتريّات.. والوَاتسيّون والوَاتسيّات: استَخدموا هَذه الوسَائل في الكِتَابة عَن ذَواتكم، واكتبوا بَوحكم، ولا تَحتقروا إبدَاعَاتكم، فأنتُم وأنتُنَّ مَشروعات إبدَاع تَنتظر البزُوغ والانبثَاق، ولا تهينوا ذَواتكم حِينما تَكونون مُراسلين للآخرين، أو عُمَّال بَريد، مُهمّتكم في الحيَاة -فَقَط- نَقل طرُود الآخرين الكِتَابيّة..!
أكثَر مِن ذَلك، لا تَكونوا كالحِمَار الذي يَنقل الأسفَار والكُتُب؛ مِن دُون أن يَعي أنَّ في ذَاتهِ يَكمن إبداعٌ كَثير؛ يَنتظر الاهتمَام..!
لا ترهنوا أنفسكم للدِّفاع عَن أشخاصٍ آخرين؛ قَد تَكونون أفضَل مِنهم، ولو جَرّبتم أنفسكم، وسَمحتم لإبدَاعَاتكم بالظّهور والشّروق؛ ستَجدون أنَّها أكثَر ألَقَاً، وأكبَر تَميّزاً ممَّن تُدافعون عَنهم، أو ممَّن رَهنتم أنفسكم لَهم..!
حَسناً.. مَاذا بَقي؟!
بَقي القَول: إنَّ الإبدَاع لَيس مُرتبطاً بالثَّقافة أو التَّعليم العَالِي، بَل هو وَليد صَفَاء الذِّهن، ونَقَاء الفِطرَة، وإطَالة التَّأمُّل، وكُلُّ هَذه مُتوفّرة لَديكم، لِذَا جَرّبوا نَشر إبدَاعَاتكم، وسأكون أوّل القُرَّاء لَها، وتَذكّروا أنَّ أكثَر العَرَب إبدَاعاً؛ وأغزَرهم إنتَاجاً هو الأديب " عباس محمود العقاد"، الذي لَم يَكُن يَحمل غَير الابتدائيّة..!!