قامت قيامة الدنيا لدينا بعد ما حصل من الشيخ عبدالمحسن العبيكان من تجاوزات، وما تبعه من انتقادات وإبعاد عن الوظيفة الرسمية، التي كان يحتلها في الديوان الملكي. وقد تشعّبت الرؤى، وذهبت كل مذهب؛ لكن بعد هدوء الحالة في الوضع الراهن، أستعرض الآراء المتباينة، لكي نستخلص منها العِبر. هناك آراء متحمّسة للشيخ نفسه، أو لما قاله في تلك الحالة من آراء متشدّدة بحق المرأة السعودية، وبحق مسؤول كبير سمّاه باسمه، كان يمثل البلاد في الخارج، وبحق مسؤولين كبار آخرين وإعلاميين لم يسمّهم بأسمائهم. وفي المقابل توجد آراء، كان أصحابها كارهين للشيخ نفسه، أو مختلفين مع ما قاله موضوعيًا، أو مع الطريقة التي قالها بها، أو تجريح الأشخاص سواء سمّاهم أم لم يسمّهم. فهذه الأفعال من وجهة نظرهم ليست لائقة في التداول عمومًا بين الناس، ومن أناس يتخذون الفضيلة ملبسًا على وجه الخصوص. ولنأخذ الفئة الأولى (المتحمّسة للشيخ)، وفيها أصناف متعددة.. بعضهم فعلًا يحب الشيخ؛ سواء من مؤيديه، أو أصدقائه ومعارفه، أو محبّي الشكل المتدين على إطلاقه. وهذا النوع لا مشكلة عنده في المبادئ، فهي واضحة، وسلوكهم متسق، ومواقفهم متوقعة سواء مع الشيخ العبيكان أو غيره. وبعضهم لا يحب الشيخ العبيكان فيما مضى من سلوكه القريب (في السنوات الأخيرة)، لكنه أعجب بعودة الشيخ إلى تصرّفاته الثورية القديمة، فأراد أن يعبّر إيجابيًا عما يريده ويتوقعه من رجال الدين، خاصة الأسماء البارزة منها، وذات المواقع المهمة وأصحاب التأثير الإعلامي والجماهيري منهم. ونوع ثالث من هذه الفئة لا تحبه أصلًا، وليست معجبة بسلوكه المتجدّد، ولكنها تحمّست له مناكفة للتيار المستنير، ونكاية بأصحاب السلطة من المشايخ الرسميين. وهذا النوع هو الأخطر على الشيخ، ومَن هو على شاكلته، وعلى وئام المجتمع بشكل عام. أما الفئة الثانية (المعارضة للشيخ)، فيمكن تقسيمها أيضًا إلى ثلاثة أنواع؛ الأول منها يكره الشيخ نفسه، لسلوك قديم أو جديد أو بشكل شخصي، وربما يكون أقل أنواع هذه الفئة عددًا. ونوع ثانٍ يختلف مع ما طرحه الشيخ موضوعيًا، ويندّد على هذا الأساس بما ورد على لسانه من تجاوزات وتهديدات لا تليق من رجل مسؤول على الإطلاق أما الفئة الثانية (المعارضة للشيخ)، فيمكن تقسيمها أيضًا إلى ثلاثة أنواع؛ الأول منها يكره الشيخ نفسه، لسلوك قديم أو جديد أو بشكل شخصي، وربما يكون أقل أنواع هذه الفئة عددًا. ونوع ثانٍ يختلف مع ما طرحه الشيخ موضوعيًا، ويندّد على هذا الأساس بما ورد على لسانه من تجاوزات وتهديدات لا تليق من رجل مسؤول على الإطلاق. وربما يكون هذا النوع أكثر من الأول، لكنه يبقى صغيرًا عدديًا. لكن النوع الثالث من هذه الفئة، هو الأكثر عددًا فيما أرى وينتشر في شرائح العامة المختلفة، وربما صغار الموظفين وصغار السن أيضًا؛ ويتمثل رأيه في أن للشيخ الحق في قول ما يريد، لكن ليس على حساب سمعة الآخرين والقدح فيهم. فهذه الغالبية من معارضي الشيخ الصامتين تؤمن بمبدأ أن تدرأ بالحسنة السيئة، وأن المسلم لا يكون طعانًا ولا لعّانًا ولا فاحشًا. وعندما يكون عالم دين، فإن عليه أن يسلك أكثر الطرق حفظًا لأعراض الناس وكراماتهم. فإذا نظرنا إلى ميزان الشيخ الآن بين هاتين الفئتين في المجتمع؛ نجد أنه قد خسر في هذه المعركة أضعاف ما ربحه في السنوات الأخيرة، منذ طلاقه العنف والتأليب. فالذي معه فعلًا من هذه الأنواع الستة هو واحد فقط (الأول من الفئة الأولى)، بينما الثاني والثالث يستخدمانه فقط، والفئة الأخرى كلها ليست معه. فهل تستحق هذه النتيجة المغامرة فعلًا، إذا كان الشيخ قد حسب عواقب مناورته تلك؟ ولا أظن البواعث الدينية البحتة هي المحرك له في هذا الشأن. أولًا لأنه قابل بوضع لم يتغيّر فيه شيء، منذ أن دخل إلى مجلس الشورى، ثم تعيينه في الديوان الملكي. وثانيًا أنه لم يعرف عنه اهتمام بغير الأبعاد السياسية في الدين، وهذه لا علاقة لها على الإطلاق بما استثاره، أو ادعى أنه قد استثاره في الوفود الخارجية، أو ممارسات المسؤولين والصحفيين، كما ورد في بعض إشاراته. ثالثًا وهو الأهم أن غضبته، كما أعلن عنها، كانت بسبب عدم تمكّنه من الدخول إلى مجلس خادم الحرمين الشريفين بالشكل الذي يتوقعه، أو يبتغيه. وهذا الباعث الأخير، حتى وإن لم يركّز عليه الإعلام، هو ما يجعل القضية برمتها عند الشيخ العبيكان شخصية بحتة، وليست دينية. وهو أيضًا ما جعل بعض المحللين يتوقعون أنها غضبة لعدم حصوله على منصب يتوقعه.. على طريقة الأطفال: «لعّبوني وإلا بأخرّب عليكم»!