قطر والإمارات والكويت تدين قرار إسرائيل احتلال قطاع غزة    المملكة ترحب بإعلان التوصل إلى اتفاق سلام بين أرمينيا وأذربيجان    خطط أرامكو السعودية التوسعية في النفط والغاز والتكرير تعزز زيادة تدفقاتها النقدية    الفيحاء يتعاقد مع "الخيبري"لمدة 3 سنوات    وزير الخارجية يتحرك دبلوماسياً لوقف الانتهاكات في غزة    برشلونة يعيد شارة القيادة لتير شتيغن    بيع صقرين ب 180 ألف ريال في الليلة الأولى لمنصة المزاد الدولي لمزارع إنتاج الصقور    جمعية فضاء العالية للتنمية الشبابية تختتم برنامج ماهرون الصيفي    ضبط 4 باكستانيين وهندي في الشرقية لترويجهم (32) كجم «لشبو»    السعودية توزّع 847 قسيمة غذائية في عدة محافظات بالأردن    فيصل بن فرحان ووزير خارجية ألمانيا يبحثان التطورات الأخيرة في قطاع غزة    صقارون دوليون يثمنون تسهيلات نادي الصقور في نقل واستضافة الصقور    كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025 .. ختام ربع نهائي بطولة Rainbow Six Siege X    النصر يتحرك لضم جناح منتخب فرنسا    البرازيل «تستنكر» ضغوط أميركا على القاضي المكلف بقضية بولسونارو    مواهب الذكاء الصناعي تضع المملكة ضمن أفضل 20 دولة    "القرني" يختتم دورة تدريب المدربين    أمير جازان يرعى ملتقى أبحاث السرطان 2025 بجامعة جازان    الشيخ أسامة خياط: يدعو لغرس قيم البر والتقوى في الأسرة والمجتمع    الشيخ عبدالباري الثبيتي: سورة قريش تُجسّد أعظم النعم .. الطعام والأمان    المصالح الوطنية السعودية    الخلاف يزداد بين برشلونة وحارسه شتيغن    النفط يتكبد خسارة أسبوعية حادة    سفير جمهورية مالطا لدي المملكة يزور قرية جازان التراثية    الربيعة: تطبيق "نسك" متاح مجانًا دون استهلاك بيانات الإنترنت    أنواع فيتامين D وجرعاته الصحيحة    النصر يكسب ودية "رايو آفي" البرتغالي برباعية    %83 من القراء هجروا المجلات    ضبط مواطن لارتكابه مخالفة رعي في "محمية الإمام تركي الملكية"    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على انخفاض    بمشاركة نخبة الرياضيين وحضور أمير عسير ومساعد وزير الرياضة:"حكايا الشباب"يختتم فعالياته في أبها    «المساحة الجيولوجية»: رصد زلزال في الإمارات بقوة 3.4 درجات    (عشان نصور،،،،،،!)    أمير جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأعيان الدرب    سبعة آلاف خطوة تعزز الصحة    بهدف تطوير الخدمات الرقمية وتعزيز جودة الحياة.. أمانة منطقة عسير توقّع مذكرة تفاهم مع "بلدي" بحضور وزير البلديات والإسكان    نائب وزير الحرس الوطني يطلع على برامج الإرشاد والتوجيه لتعزيز الوعي الديني والفكري    أمير منطقة جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأهالي محافظة الدرب    رئيس وزراء موريتانيا يغادر المدينة المنورة    أمير جازان يستقبل سفير جمهورية مالطا لدى المملكة    العطش يلتحق بالجوع في غزة وتحذيرات من توسيع إسرائيل عملياتها    موسكو تدرس تقديم تنازلات لترمب بشأن أوكرانيا    ديوان المظالم يفتح باب التقديم على التدريب التعاوني لطلبة الجامعات والمعاهد السعودية    المجلس الاستشاري لمركز صحي المرابي يناقش احتياجات الأهالي مع تجمع جازان الصحي لتعزيز الخدمات الطبية    2 مليون دولار لتأمين «ابتسامة» نجمة هوليود    طهران تعدم متهماً بالتجسس لصالح إسرائيل    استهداف (أبو سلة) بطائرات مسيّرة.. اشتباكات بين الجيش اللبناني ومطلوبين في بعلبك    احتفال الفرا وعمران    البدير في ماليزيا لتعزيز رسالة التسامح والاعتدال    الأرصاد: أمطار متفرقة حتى منتصف أغسطس    أم ومعلمة تقتحمان مدرسة لسرقة «امتحانات»    فتح باب التقديم لدعم المشاريع السينمائية    إنجاز طبي في الأحساء.. زراعة منظم ضربات قلب لاسلكي لمريض    فريق سفراء الإعلام والتطوع" يزور مركز هيئة التراث بجازان    الأمير فهد بن سلطان يطلع على نتائج القبول بجامعة تبوك.    مركزي جازان ينجح في إزالة ثلاث عقد في الغدة الدرقية الحميدة بالتردد الحراري دون تدخل جراحي    محافظ تيماء يستقبل مدير عام فرع الرئاسة العامة لهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة تبوك    نائب أمير الرياض يؤدي الصلاة على والدة جواهر بنت مساعد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسالة إلى سماحة الشيخ صالح اللحيدان

سماحة الشيخ صالح بن محمد اللحيدان عضو في هيئة كبار العلماء منذ إنشائها عام 1391ه وكان رئيساً لمجلس القضاء الأعلى حتى أعفي في عام 1430ه، وطيلة فترة عمله كان خير معين للدولة وأساسا في فهم منهج السلف الصالح ولكن بعد أن تم إعفاؤه أخذت فتاويه منحى آخر عما كانت عليه، ولذلك ظن كثير من الناس أن هذا التغير من باب الانتقام ممن أعفاه وإن كنت لا أظن ذلك..
إن من أهم ما يميز علماء الأمة تقديرهم للمصالح ودرء المفاسد وبخاصة في ظل تكافؤ الأدلة واعتباريتها، واختلاف الناس في النوازل ومضلات الفتن، وأكبر خسارة ابتليت بها الساحة وافتتن بها المسلمون خروج سماحته من الطرف اللين والقلب الكبير والرأي الواسع والرحمة بالمخالف إلى الطرف المتشدد والداعي للسفك في صورة لم تعهد عن تاريخ سماحته حينما كان يمثل قطبا ثالثا مع الشيخين رحمهما الله ابن باز وابن عثيمين، وكان هؤلاء الثلاثة شامخين ثابتين يديرون الأمور بعقلانية تنطلق من مقاصد الشرع على فهم السلف الصالح فلا يتأثرون بما ينقله الشباب لهم ولا يفتون وفق ما تتطلبه حماسة الجماهير ولم يقبلوا ضغطا من أحد علماً أن المنطقة في تلك المرحلة تعرضت لهزات كبيرة ومسائل خلافية كادت أن تعصف باستقرار الأمة وما زالت تعاني من آثارها الحركية..
إن الأثر الذي تؤمله الأمة من سماحة الشيخ صالح الذي نحبه ونتقرب إلى الله بحبه شيخنا الكريم يجعلنا في حيرة شديدة من هذا التحول إلى الضد تماما والذي يقدم السيف والدم والمواجهة وخلق المشكلة فنراه يفتي بقتل ذاك وردة هذا ويؤيد الثورات ولو سحق النظام ثلث الشعب على خلاف ما علمناه وما تعلمناه من هدوئه ورزانته بصوته الشجي المميز الذي لا يمكن أن يختلط بغيره، صوته المملوء بنبرة السماحة وملامحه المألوفة لدى الناس ونسأل الله جلَّ وعلا أن يديم عليها الستر وآثار الإيمان الذي ميزها وأعطاها الهيبة بسبب ما توافر فيها من منهجية السلف الصالح في الثبات وعدم العجلة أمام الفتن والملاحم والنوازل الكبرى والقدرة الفذة على تطبيق تلك القواعد فنجح في احتواء كثير من الشباب بحماسهم وكان مصدر أمان لدولته وولاة أمره والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.. ولكن من يتتبع فتاواه الأخيرة يكاد يلمس من جوانبها التهييج ودفع الشباب للمواجهة على خلاف ما قام به الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة في زمانه مع فقهاء بغداد وثمة فرق شاسع بين الشباب والفقهاء، حيث كان الإمام أحمد وقَّافًا عند حدود الله تبارك وتعالى زمن الفتنة التي وقعت، عاملا بالسنة، فلقد تبنى الخليفة العباسي في زمنه أحد المذاهب العقدية الضالة، مذهب المعتزلة في نفي صفات الله تبارك وتعالى، وحمل الناس عليه بالقوة والسيف، وأريقت دماء جم غفير من العلماء والأخيار، الذين لم يوافقوه، وضيق عليهم في أرزاقهم، فعزلهم عن وظائفهم، وألزم الناس بالقول بخلق القرآن، ونفى أن الله تبارك وتعالى تكلم به، أو أنه كلامه جل وعلا، وقرر ذلك في كتاتيب الصبيان، فكان يعلمهم هذا المعتقد الباطل، إلى غير ذلك من الطامات والعظائم والجرائم، ومع هذا كله، فالإمام أحمد لا ينزعه هوى، ولا تهلكه العواطف، بل يثبت على السنة، لأنها خير وأهدى، فيبين الحق، ويرد البدعة، ويأمر بطاعة ولي الأمر في غير معصية الله تبارك وتعالى، ويجمع العامة عليه، خوفا من الفتنة العامة وسفك دماء أمة محمد صلى الله عليه وسلم، يقول حنبل رحمه الله: «اجتمع فقهاء بغداد في ولاية الواثق إلى الإمام أبي عبدالله أحمد بن حنبل رحمه الله وغفر له، وقالوا له: إن الأمر قد تفاقم وفشا -يعنون: إظهار القول بخلق القرآن وغير ذلك مما أحدثه السلطان من المظالم- وقالوا: لا نرضى بإمارته ولا سلطانه -أي: أنهم يريدون نزع البيعة ومقاتلة السلطان حماية للين زعموا- فناظرهم الإمام أحمد رحمه الله في ذلك وقال -قال كلاما جميلا يبين معتقد أهل السنة والجماعة في هذا الباب وعند وقوع تلك الفتن- قال إمام أهل السنة: عليكم بالإنكار في قلوبكم، ولا تخلعوا يدًا من طاعة، لا تشقوا عصا المسلمين، ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم، وانظروا في عاقبة أمركم، واصبروا حتى يستريح بر ويُستراح من فاجر. وقال الإمام أحمد: ليس هذا صوابًا -يعني: نزع البيعة والخروج على السلطان- هذا خلاف الآثار» رواه الخلال في كتاب السنة. وقد أخرج ابن أبي عاصم في كتاب السنة بسند صحيح، عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال: «لما خرج أبو ذر إلى الرَبَذَة -وكان قد خالف الأمير في أشياء- لقيه ركب من أهل العراق فقالوا: يا أبا ذر، قد بلغنا الذي صُنع بك، فاعقد لواء يأتيك رجال ما شئت -يعنون: الخروج على الخليفة وقتاله- فقال أبو ذر رضي الله عنه وهو العالم العاقل العارف بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: مهلا مهلا يا أهل الإسلام، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سيكون بعدي سلطان فأعزوه، من التمس ذله ثغر ثغرة في الإسلام، ولم يُقبل منه توبة حتى يعيدها كما كانت».. إن تطبيق شرع الله في هذه الدولة المباركة يستحق الحمد والشكر، والوقوف وراء ولاة الأمر من باب التعاون على البر والتقوى وهو خير معين لهم على بذل المزيد وإن كان هناك ما يعتقد أنه ليس من الشرع فيمكن مناقشته في ظل الستر لأن الإعلان يؤدي إلى توحش المسلمين في حياتهم العامة وهذا مما لا تحمد عقباه على المدى البعيد وإن كانت هذه القضايا متسع فيها الخلاف فرأي ولي الأمر رافع للخلاف وملزم للمصلحة العامة ووحدة الأمة، قال سماحة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: «الله الله في فهم منهج السلف الصالح في التعامل مع السلطان، وأن لا يتخذ أحد من أخطاء السلطان سبيلاً لإثارة الناس، وإلى تنفير القلوب عن ولاة الأمور، فهذا عين المفسدة، وأحد الأسس التي تحصل بها الفتنة بين الناس، كما أن ملء القلوب على ولاة الأمور، يحدث الشر والفتنة والفوضى، وكذلك ملء القلوب على العلماء، يحدث التقليل من شأن العلماء، وبالتالي التقليلَ من الشريعة التي يحملونها». قال بدر الدين بن جماعة: «وما يفعله بعض المنتسبين إلى الزهد من قلة الأدب معهم -أي: مع الولاة- فليس من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم». ولي وقفة مع حديث سماحته على قضيتين، هما:
أحدهما- قوله عن الجنادرية «نصيحتي ألا تخرج امرأة إلى الجنادرية، لا مسنة ولا غير مسنة، وهذا ليس من الأعمال الكريمة التي يقول الواحد عنها: أخرجوا الحيض والعواتق حتى يتعرضن للدعوة، كالخروج يوم العيد، التي أُمرت النساء حتى الحيض أن يخرجن من بيوتهن ويعتزلن المصلى ليشهدن دعوة المسلمين. وقال: «هذه ليست دعوة، هذه أمور نوع من اللعب والله ما أُثني في القرآن الكريم على أحد يلعب، بل قال تعالى: {أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ} (98) سورة الأعراف، فنصيحتي لأي شخص أن يكرم امرأته أو زوجته أو أمه أو من له سلطة عليهم، أن يكرمهم بعدم الذهاب إلى هذه الملاعب.» انتهى كلامه وعليه ما يلي:
1 -في هذا الوقت الذي تمر به الأمة العربية يقتضي من العقلاء ألا يفتحوا بابا للشر لا تحمد عقباه وأن يجمعوا الناس على ولاة أمرهم والأجدر والأولى بذلك علماء الأمة الذين يضبطون مسار الأمور ويطمئنون الناس من توحشهم ولذلك لا يحق لعالم أن يهيج الشباب تجاه أي أمر لم يظهر شره، ولايحق لطالب علم كالعريفي أن يهييج الحضور بترديد هتافات الشعب يريد فتح الأبواب على طريقة مايسمى بالربيع العربي..
2 - الاستدلال بهذه الآية في غير مكانه لأن تفسير أهل القرى بالأمة الكافرة كما هو عند أهل العلم من أمثال ابن كثير وغيره فلا يستدل بها على مجتمعنا المسلم ولا يسقط معناها على هذه الدولة المسلمة التي لو رأت من مهرجان الجنادرية ما يدعو للفساد بشكل ظاهر لمنعته وقد منعت مظاهر كثيرة لأنها لا تتفق مع منهج الدولة التي حرصت على أن تملأ ساحة الجنادرية برجال الهيئة والمحتسبين من رجال الحرس الوطني زيادة على منع الشباب من الدخول وألا تدخل الأسر إلا مع المسؤول عنها، وأما الخطأ فوارد ولم تسلم منه ساحات الطواف حول الكعبة المشرفة على مر التاريخ الإسلامي ومع ذلك لم يمنع الطواف من أجل فرضية حصول خطأ أو خطأ فردي..
3 -أن العرب عرفوا اللعب ومارسوا ألعابهم وأهازيجهم وأقر ذلك رسول الله وفي مسجده صلى الله عليه وسلم وليس في الجنادرية إذ ورد في صحيحي البخاري ومسلم إنَّ عائشة قالت: واللّه! لقد رأيت رسول اللّه (ص) يقوم على باب حجرتي والحبشة يلعبون بحرابهم في مسجد رسول اللّه (ص)، ورسول اللّه (ص) يسترني بردائه لكي أنظر إلى لعبهم، ثم يقوم من أجلي حتّى أكون أنا التي أنصرف. فاقدروا قدر الجارية الحديثة السنّ حريصة على اللهو. وفي صحيحي البخاري ومسلم: (ورأيت النبيّ (ص) يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد، فزجرهم عمر فقال النبي: دعهم! أمنا بني أرفدة - يعني من الأمن - فاقدروا قدر الجارية الحديثة السنّ تسمع اللهو. وفي رواية ثالثة في المسند أنّها قالت: (مرَّ رسول اللّه (ص) بالذين يدوكون بالمدينة فقام عليهم وكنت أنظر فيما بين أذنيه وهو يقول: خذوا يا بني أرفدة! حتّى تعلم اليهود والنصارى أنّ في ديننا فسحة، فجعلوا يقولون: أبو القاسم الطيِّب، فجاء عمر فارتدعوا.. وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة: إذ دخل عمر بن الخطاب فأهوى إلى الحصباء يحصبهم بها، فقال رسول اللّه (ص): دعهم يا عمر.
والآخر: فتوى سماحته بقتل الكشغري وإن تاب، وقبل الحديث عن هذه المسألة نبرأ إلى الله جل وعلا من كل متطاول على الذات الإلهية ثم مقام النبوة، ولا نجد مسوغا لتمرير ذلك ولا بد من محاسبة المتطاول ولكن هناك أمور يجب الوقوف عليها:
1 - كيف يحكم على هذا المتطاول وهو غائب، وكيف يصدر الحكم مهما كان دون سماع له ومعرفة حاله وتوافر الشروط وانتفاء الموانع وهذه لا تكون إلا بسماعه والتحقيق معه وعرضه على طبيب شرعي لتبرأ الذمة من دمه إن قتل..
2 - لم يجمع علماء الأمة على قتله ورأى بعضهم وإن كان خلاف فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية قبول توبته من باب أن قبول توبته في حق الله جل وعلا أعظم وأجل من قبول توبته في أي بشر بعد ذلك.
3 - في هذا الوقت الذي يحكم العالم منظمات حقوقية ودول علمانية وشرائع وضعية وهي قوية متنفذة يحق للحاكم المسلم أن يراعي مصلحة المسلمين خشية أن يحدث العالم بأن هذا الحاكم المسلم وهذه الدولة المسلمة تقتل شعبها، ولنا أسوة بالمصطفى صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي حينما عفا عن كل من أساء له في حياته وقال اذهبوا فأنتم الطلقاء يوم الفتح وعفا عمن طعنوا في عرض زوجته أم المؤمنين في حادثة الإفك ولم يكن لعانا ولا فاحشا ولا طعانا ولم يكن منتقما لنفسه صلى الله عليه وسلم، قالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَتْ قُتَيْلَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ أُخْتُ النّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ تَبْكِيهِ:
يَا رَاكِبًا إنّ الأُثَيْلَ مَظِنّةَ
مِنْ صُبْحِ خَامِسَةٍ وَأَنْتَ مُوَفّقُ
أَبْلِغْ بِهَا مَيْتًا بِأَنّ تَحِيّةَ
مَا إنْ تَزَالُ بِهَا النّجَائِبُ تَخْفُقُ
مِنّي إلَيْك وَعَبْرَةً مَسْفُوحَةً
جَادَتْ بِوَاكِفِهَا وَأُخْرَى تَخْفُقُ
هَلْ يَسْمَعُنِي النّضْرُ إنْ نَادَيْته
أَمْ كَيْفَ يَسْمَعُ مَيّتٌ لَا يَنْطِقُ
أَمُحَمّدٌ يَا خَيْرَ ضَنْءِ كَرِيمَةٍ
فِي قَوْمِهَا وَالْفَحْلُ فَحْلٌ مُعَرّقُ
مَا كَانَ ضَرّك لَوْ مَنَنْت وَرُبّمَا
من الْفَتَى وَهُوَ الْمَغِيظُ الْمُحُنَقُ
أَوْ كُنْت قَابِلَ فَدِيَةٍ فَلْيُنْفِقَنْ
بِأَعَزّ مَا يَغْلُو بِهِ مَا يُنْفِقُ
فَالنّضْرُ أَقْرَبُ مَنْ أَسَرْت قَرَابَةً
وَأَحَقّهُمْ إنْ كَانَ عِتْقٌ يُعْتَقُ
ظَلّتْ سُيُوفُ بَنِي أَبِيهِ تَنُوشُهُ
لِلّهِ أَرْحَامٌ هُنَاكَ تُشَقّقُ
صَبْرًا يُقَادُ إلَى الْمَنِيّةِ مُتْعَبًا
رَسْفَ الْمُقَيّدِ وَهُوَ عَانٍ مُوثَقُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : فَيُقَالُ وَاَللّهُ أَعْلَمُ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا بَلَغَهُ هَذَا الشّعْرُ قَالَ لَوْ بَلَغَنِي هَذَا قَبْلَ قَتْلِهِ لَمَنَنْت عَلَيْهِ.
4- كثيرا ما نسمع من بعض طلبة العلم دفع الدولة المسلمة إلى أن تقتل ما يسمى بالعلمانيين والليبراليين والمنافقين وإن لم تفعل اتهموها بمحاباتهم وطعنوا مسؤوليها في دينهم وهذا خلاف منهج النبي صلى الله عليه وسلم بدليل أن عبد الله بن أبي بن سلول وهو رأس المنافقين الكفار غضب -وعنده رهط من قومه، فيهم زيد بن أرقم غلام حدث- حينما قال: أو قد فعلوها، قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا، والله ما نحن وهم إلا كما قال الأول: سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأكُلْكَ، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، ثم أقبل على من حضره فقال لهم: هذا ما فعلتم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير داركم. فأخبر زيد بن أرقم عمه بالخبر، فأخبر عمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده عمر، فقال عمر: مُرْ عَبَّاد بن بشر فليقتله. فقال: (فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه؟ لا ولكن أَذِّنْ بالرحيل)، وذلك في ساعة لم يكن يرتحل فيها، فارتحل الناس، فلقيه أسيد بن حضير فحياه، وقال: لقد رحت في ساعة منكرة؟ فقال له: (أو ما بلغك ما قال صاحبكم؟) يريد ابن أبي، فقال: وما قال؟ قال: (زعم أنه إن رجع إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل)، قال: فأنت يا رسول الله، تخرجه منها إن شئت، هو والله الذليل وأنت العزيز، ثم قال: يا رسول الله، ارفق به، فوالله لقد جاءنا الله بك، وإن قومه لينظمون له الخَرَز ليتوجوه، فإنه يري أنك استلبته ملكاً، ويعلل دائما ذلك بقوله: «لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه»، رواه البخاري ومسلم.
وفي واقعة أخرى يحدث جابر بن عبد الله يقول: «لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم هوازن بين الناس بالجعرانة قام رجل من بني تميم فقال: اعدل يا محمد! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ويلك! ومن يعدل إذا لم أعدل؟! لقد خبت وخسرت إن لم أعدل»، فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله ألا أقوم فأقتل هذا المنافق؟ قال: «معاذ الله أن تتسامع الأمم أن محمداً يقتل أصحابه»، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن هذا وأصحاباً له يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم». رواه أحمد وأصله في صحيح البخاري
5-الإسلام ليس دمويا أو مصاصا للدماء ولكنه دين الرحمة والرفق والعذر ولذلك الحرص على تطبيق الشرع من أجل إدخال الهيبة في نفوس الناس دون الحرص على إراقة الدماء وإلا لما أقر الدية والعفو وعدم الإسراف في القتل ولذلك ورد ادرؤوا الحدود بالشبهات، وكان المصطفى يلقن ماعز رضي الله عنه في حد الزنى وهو الرجم الإنكار بلعلك ولعلك، وأمهل المرأة الزانية حتى يكبر صغيرها، قال ابن قدامة في المغني كتاب الحدود مسألة، قال: (ولا ينزع عن إقراره حتى يتم عليه الحد) وجملته: إن من شرط إقامة الحد بالإقرار، البقاء عليه إلى تمام الحد، فإن رجع عن إقراره أو هرب، كف عنه. وبهذا قال عطاء، ويحيى بن يعمر، والزهري، وحماد، ومالك، والثوري، والشافعي، وإسحاق، وأبو حنيفة، وأبو يوسف.. وروي أنه قال: {ردوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن قومي هم غروني من نفسي، وأخبروني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير قاتلي. فلم ينزعوا عنه حتى قتلوه}. أخرجه أبو داود.. ولنا {أن ماعزا هرب، فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: هلا تركتموه، يتوب فيتوب الله عليه}. قال ابن عبد البر: ثبت من حديث أبي هريرة، وجابر، ونعيم بن هزال، ونصر بن داهر، وغيرهم، {أن ماعزا لما هرب، فقال لهم: ردوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هلا تركتموه، يتوب فيتوب الله عليه} ففي هذا أوضح الدلائل على أنه يقبل رجوعه.
والله من وراء القصد
* عميد الموهبة والإبداع والأستاذ المساعد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.