أمير القصيم يتسلم التقرير الختامي لمهرجان أضحيتي لعام 1446ه.    ندوة تاريخية تكشف أسرار تحصينات المدينة المنورة    أمير جازان ونائبه يطّلعان على سير المشروعات التنموية بمحافظة أحد المسارحة    شرطة كامبريدج: اتهام شاب بريطاني بقتل الطالب محمد القاسم    الفرق السعودية تستعد لآسياد البحرين للشباب بمعسكر في كازاخستان    أمير جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأهالي محافظة أحد المسارحة    الشؤون الإسلامية في جازان تبدأ تركيب وسائل السلامة في إدارات المساجد بالمحافظات    تحولات لبنان المنتظرة: البداية من جلسة الثلاثاء    القيادة تهنئ ممثل الملك في جزر كوك بذكرى يوم الدستور لبلاده    التعاونية للتأمين تُعلن عن صافي أرباح بعد الزكاة بلغت 729مليون ريال للنصف الأول من عام 2025م    إسقاط 61 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل    انخفاض اسعار النفط    وثيقة تاريخية تكشف تواصل الملك عبدالعزيز مع رجالات الدولة    دعم الجماهير كان حاسمًا.. ونطمح لحصد المزيد من البطولات    غارات جوية تثير موجة غضب في ليبيا    توقيع اتفاقية لدعم أبحاث الشعاب المرجانية    جددت التزامها باستقرار السوق.."أوبك+": 547 ألف برميل زيادة إنتاج الدول الثماني    اشتراطات جديدة للمختبرات الغذائية لتعزيز الاستثمار    وزير الداخلية وسفير سنغافورة يبحثان الموضوعات المشتركة    إحباط تهريب مخدرات في جازان وعسير    استعرضا سبل تبادل الخبرات والتجارب.. وزير العدل ونظيره العراقي يوقعان برنامج تعاون تشريعي    رفقًا بهم… إنهم أمانة الوطن فينا    رئيس هيئة الترفيه يعلن طرح تذاكر مهرجان الكوميديا    مسرحية «طوق» السعودية تنطلق في «فرينج» الدولي    تأهيل وتمكين الطلاب للمنافسة في المحافل العالمية.. المنتخب السعودي يحصد 3 جوائز في أولمبياد المعلوماتية الدولي    تدشين كتاب "حراك وأثر" للكاتبة أمل بنت حمدان وسط حضور لافت في معرض المدينة المنورة للكتاب 2025    تصعيد إسرائيلي.. ورفض فلسطيني قاطع.. عدوان منظم لإعادة احتلال غزة    مقتل عنصر أمني وسط خروقات لوقف النار.. هجوم مسلح يعيد التوتر للسويداء    لا تدع أخلاق الناس السيئة تفسد أخلاقك    جبال المدينة.. أسرار الأرض    عدم ترك مسافة بين المركبات أبرز مسببات حوادث المرور    الأحوال المدنية المتنقلة تقدم خدماتها في (18) موقعاً    حرائق أوروبا تسبب خسائر وتلوثا بيئيا واسعا    جبل السمراء.. إطلالة بانورامية في حائل    "سعود عبدالحميد" إلى لانس الفرنسي بنظام الإعارة لمدة موسم واحد    نادي الحريق يتصدر تايكوندو المملكة ب87 منافساً    استعراض أنشطة التراث أمام سعود بن جلوي    اعتماد أكاديمي كامل لبرنامج نظم المعلومات في جامعة حائل    المدينة المنورة.. صحية مليونية للمرة الثانية    أمير تبوك يطلع على تقرير أعمال فرع وزارة التجارة بالمنطقة    فرع وقاء بتبوك يختتم مشاركته في مهرجان العسل والمنتجات الزراعية الثالث بمنطقة تبوك    الملك سلمان للإغاثة.. جهود إنسانية حول العالم    «هلال مكة» يفعل مسارات الجلطات القلبية والسكتات الدماغية    رؤية 2030 تكافح السمنة وتعزّز الصحة العامة    15 مهمة لمركز الإحالات الطبية تشمل الإجازات والعجز والإخلاء الطبي    الفيحاء يخسر أمام أم صلال القطري برباعية في أولى ودياته    تأثير الأمل في مسار الحياة    فريق قوة عطاء التطوعي يشارك في مبادرة "اليوم العالمي للرضاعة الطبيعية"    آل الصميلي يحتفلون بزواج الشاب محمد عبدالرحمن صميلي    توقعات بخفض الفائدة وسط تصاعد الحرب التجارية    من حدود الحزم.. أمير جازان يجسد التلاحم بالإنجاز    طرح تذاكر مهرجان الرياض للكوميديا    قربان: المعيار المهني للجوالين يعزز ريادة المملكة في حماية البيئة    مجمع إرادة بالدمام ينفذ مبادرة سقيا كرام    أمير منطقة جازان ونائبه يزوران عضو مجلس الشورى المدخلي    فرع الشؤون الإسلامية بجازان ممثلاً بإدارة المساجد في الريث يتابع أعمال الصيانة والتشغيل في الجوامع والمساجد    المولودون صيفًا أكثر اكتئابًا    نائب امير منطقة مكة يكرم رعاة الحملة الوطنية الإعلامية لتوعية ضيوف الرحمن (الحج عبادة وسلوك)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين التشيع الديني والتشيع السياسي
نشر في أنباؤكم يوم 05 - 09 - 2009

د. رضوان السيد *نقلاً عن صحيفة "الاتحاد" الإماراتية
طالعتْنا الصحف المصرية في الأيام الماضية، بأخبارٍ جديدةٍ عن محاكمةٍ جاريةٍ بمصر لتنظيم شيعي يزيد عددُ أفراده على الخمسين، يقول النائب العام المصري إنّ هؤلاء بزعامة رجل اسمه أحمد شحاته ينشرون كتباً ويُصدرون نشرات تدعو للمذهب الشيعي. وتتّهم هؤلاء وآخرين ما يزالون "فارّين" بسبّ الصحابة (خصوصاً أمّ المؤمنين عائشة وأبا بكر وعمر رضي الله عنهم)، وتلقّي أموال من مؤسسات إيرانية قريبة من السلطات هناك. النائب العامّ المصري يعتبر هؤلاء خَطَراً على الأمن القومي المصري، كما يعتبر أنهم يثيرون الفِتَن الطائفية والدينية بالتعرُّض لسلف الأمة، وللمذهب السنّي السائد في البلاد.
وكانت المملكةُ المغربية قد ذكرت الشيء نفسه عن الانتشار الشيعي بدعم رسمي إيراني، وقطعت علاقاتها الدبلوماسية بإيران، وأصرَّت على أنّ الإسلام السنّي المالكي هو المذهب الرسمي للمملكة، ولا تقبلُ بديلاً أو شريكاً له. وكان النظامُ السوداني -وهو حليفٌ لإيران- قد أقفل مراكزَ للدعوة الشيعية في الخرطوم وأمّ درمان قبل سنتين بالحُجّة نفسِها. وكُلُّ هذه الأنظمة لا تتّهم هذا الفريقَ من مواطنيها المتحولين إلى المذهب الشيعي بالعمل السياسي الصريح أو الساعي لقلب نظام الحكم مَثلاً. لكنْ هناك دولٌ وأنظمةٌ وجهاتٌ عربيةٌ وإسلاميةٌ تَضيفُ إلى هذا التشيع الديني أو المذهبي، الاتّهام بتشيُّع سياسي، يتخذ سِمة المُعارضة لنظام الحكم القائم.
والحال أنّ هناك اليوم نوعين من أنواع التشيُّع: التشيُّع المذهبي أو الديني وهو قليلُ التأثير، والتشيُّع السياسي وهو الأخطَر، لأنه بالفعل واسع التأثير في أوساط الجماعات السياسية الإسلامية، باستثناء السلفيين المتطرفين والمعتدلين.
لكنْ أياً يكن مدى اتّساع الدعوة والدعاية الشيعية المذهبية؛ فالواقع أنّ هناك تحولاً متوسّط القوة في قلب أهل السنة باتّجاه المذهب الشيعي، وفي مشارق العالَم العربي ومغاربه. فما هي أسبابُ هذا التحول، وكيف يمكنُ فهمُهُ لجهة الصعود الشيعي، ولجهة ما يجري داخل أهل السنة والجماعة؟!
في مجال الأسباب الشيعية للتحوُّل، يمكن إيرادُ عدة أسباب، بعضُها يتصل بالحركة الثورية الإيرانية، وبعضُها يتّصلُ بطبيعة المذهب الشيعي الإثنى عشري ذاته. في المجال الأول؛ فإنّ الثورة الإسلامية في إيران سعتْ منذ قيامها لاحتضان سائر الأقليات الشيعية في العالمين العربي والإسلامي، وفي العالم الأوسَع. وقد أحدث ذلك يقظةً في الأوساط الشيعية باتجاه الخصوصية، والانفصال عن الكثرة السنية الاجتماعية والسياسية. والتحرك الانفصالي أو الانعزالي ذاك استتبع نتائج سياسية، ظهرت في صورة تذمُّراتٍ واحتجاجات. ولا ننسى أنّ إيران احتضنت معظم أجنحة المعارضة الشيعية لنظام الحكم بالعراق والبحرين في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي.
بيد أنّ التأثيرات المذهبية والسياسية الأَوسع لهذا البروز الشيعي، وصلت إلى أوساط الجمهور السني في تسعينيات القرن الماضي، وما بعد؛ حين برزت إيران؛ وبخاصةٍ بعد ضرب عراق صدّام حسين في حرب الخليج الثانية (= حرب تحرير الكويت)، وبعد صعود "حزب الله" اللبناني/ الإيراني باعتباره حركة المقاومة الرئيسية للعدو الصهيوني. فخلال العشرين سنةً الماضية تعدّى تأثير إيران من طريق رفع شعارات العداء لأميركا وإسرائيل، إلى العمل المباشر أو بالواسطة ضد الولايات المتحدة وإسرائيل. والعمل المباشر من خلال "حزب الله"، والعمل بالواسطة من خلال دعم حركات المقاومة السنية مثل "الجهاد الإسلامي"، وحركة "حماس"، وتيارات الإسلام السياسي (= "الإخوان المسلمون") بشكلٍ عامّ. والمعروف أنّ حركات الإسلام السياسي هذه تأثرت منذ السبعينيات من القرن الماضي بالعقيدة السلفية. ووصل الأمر أحياناً إلى تحالُفٍ بين المتطرفين من الإسلاميين السنة، والمتشددين من السلفيين، فأَنتج ذلك على أرض أفغانستان تنظيمات السلفية الجهادية المعروفة ب"القاعدة". وقد شكّل ذلك، أي انتشار العقيدة السلفية بين الإسلاميين، حاجزاً حالَ دون انتشار نوعَي التشيُّع في أَوساطها في البداية. لكنّ الجمهور الأَوسع المعجب ب"الجهاديات"، اندفع باتجاه التشيُّع بنوعيه بما يعنيه من مُقاومةٍ لإسرائيل والغرب، ومن مُعارضةٍ لأنظمة الحكم السائدة التي "لا تُطبِّق الشريعة"، و"لا تُقاتلُ إسرائيل بل تُصالُحها". وفي هذا السياق ظهر تحالُفٌ غير مُعْلَن بين الإسلاميين العرب وإيران (باستثناء "الإخوان المسلمون" السوريين)، فدخلت إيران بالمباشر أو من خلال "حزب الله" في السياسات الداخلية لعددٍ من الدول العربية في بلاد الشام وبلدان الخليج والمغرب العربي. ولاشكّ أنّ هذه الشعبية لإيران في أوساط العامة من أهل السنة، دفعت البعض لاعتناق المذهب الشيعي بدوافع سياسية أو دينية. أمّا الدوافعُ السياسيةُ فهي معروفة؛ في حين تحتاجُ الدوافع الدينية إلى إيضاح. فالمذهبُ الشيعيُّ يملكُ تنظيماً هَرَمياً مؤلَّفاً من مجموعةٍ من "مراجع التقليد" الذين يقودون أتباعهم في الدين والدنيا. ولاشكَّ أنّ هذا التنظيم المتراصّ يجتذب العامةَ من المتدينين الفقراء والرقيقي الحاشية لاستيعابهم في تبعية تنظيمية لهذا المرجع أو ذاك، وأنه مسؤولٌ إلى حدٍ ما عن عيشهم في الدنيا، وعن مصائرهم في الآخرة. وقد بلغت "ولاية الفقيه" بهذا التوجُّه إلى ذِروتِه. إذ أُضيفت إلى إمكانيات المراجع محدودي القُدرة المادية على أيّ حال، إمكانياتُ الدولة الإيرانية التي كانت تندفعُ في السنوات العشر الماضية لنشر النفوذ المذهبي والسياسي في سائر أنحاء العالَم الإسلامي. فالمرشد الأعلى والوليُّ الفقيه لا يعتبرُ نفسَه مسؤولاً عن التشيُّع في العالم كُلِّه فقط؛ بل ويعتبر نفسَه مسؤولاً عن الإسلام في مواجهة الغرب الهاجم عليه. ولذلك تختفي بالتدريج من التشيُّع سِمات المظلومية والضَعف والأقلوية، ويسودُ حسٌُّ انتصاريٌّ، يستتبعُ كُلَّ الساخطين على أميركا والغرب حتى من غير المسلمين!
ولنقل كلمةً عن الوضع في الأوساط السنية، والذي أُقَدِّرُ أنه كان بين أسباب انتشار التشيع السياسي، ثم التشيُّع المذهبي. فالجماعةُ السنيةُ جماعةٌ تسوويةٌ أو سُواسية؛ بمعنى أنه ليست هناك هرميةٌ فيها؛ بل إنه لا تتوافرُ لعلمائها مرجعيةٌ قويةٌ في الشأن الديني أو الدنيوي. وهذه السواسية كانت بين أسباب تحول أهل السنة إلى أكثرية ساحقة في أوساط الأمة في التاريخ. لكنْ في ظروف التأزُّم؛ فإنّ الناس يريدون قيادةً في الدين كما في الدنيا. وهذه القيادة الروحية لا تتوافر ُإلاّ لدى الصوفية من أهل السنة في علاقة الشيخ والمُريد. وما أقصِدُهُ أنّ العامة السنية المأزومة بالحداثة، وبالمشكلات المتصاعدة مع بعض أنظمة الحكم، تطلعت إلى قيادات كارزمية، أي غير عادية، للأزمنة غير العادية التي تعيشُ فيها. فكما ازدهرت القيادات الكارزمية حتى في الأوساط السلفية المتشدّدة في العادة في اتّباع النصّ، ازدهرت القيادات الكارزمية في حركات الإسلام السياسي، وفي حركات الإحياء الصوفي، وأفاد المذهب الشيعي من التوجُّه للتقويد، فانضمّ العديدُ من أهل السنة إليه مدفوعين بالميل السالف الذكر.
ثم إنّ أهل السنة يُعانون من أزمةٍ عميقةٍ ظهرت في تطورهم الديني في الأزمنة المعاصرة. فقد شاعت في أَوساطهم في العقود الخمسة الأخيرة إحيائيةٌ قويةٌ قطفت ثمارَها ثلاث حركات كبرى: "الجماعة الإسلامية" بباكستان، وجماعة "الإخوان المسلمون" بمصر والعالم العربي، والجماعات السلفية في سائر أنحاء العالَم الإسلامي. وقد انصبّ جَهدُ هذه الحركات على مكافحة الإسلام التقليدي أولاً، أي إسلام المذاهب الفقهية الأربعة. فأحدث ذلك تشرذُماً واختلالاً في الوعي؛ زاد من حدَّتِه الاستثمارُ السياسيُّ الذي لجأت إليه الجماعة الباكستانية، ثم جماعة "الإخوان المسلمين"، وأخيراً الجماعات السلفية المتشدّدة. فقد انصرف هؤلاء جميعاً لمعارضة ومكافحة أنظمة الحكم السائدة بحجة السعي لإقامة الدولة الإسلامية التي تطبّق الشريعة، والعمل على مناضلة التغريب والهيمنة الاستعمارية. وهكذا انقسم الوعي وانقسم التصرف في الأوساط السنية، وحصلت الحركات الإحيائية المعارضة للتقليد وللغرب ولأنظمة الحكم على شعبيةٍ كبيرة. وظهرت إيران على مساحة الشرذمة هذه، فكسبت أنصاراً بين أهل السنة تارةً بآثارٍ سياسية، وطوراً بآثار دينيةٍ ومذهبية.
يصل عدد المسلمين في العالَم اليوم إلى حوالي المليار والثلاثمائة مليون. ويبلغ عدد الشيعة الإثني عشرية بينهم حوالي المئة والستين مليوناً. لكنهم ما عادوا يحسبون أنفُسَهُم أقليةً أو أقليات. إذ صارت لديهم دولتان (إيران والعراق)، ولهم قيادةٌ واحدةٌ موحَّدة. ثم إنهم يحملون المشروعَ نفسَه الذي تحملُهُ الأكثرية السنية تقليدياً ضمن الأُمّة، أو لنقل إنهم يحملون الوعْي نفسه، مضافاً إليه الدعوى بعد قيام الثورة الإسلامية بإيران عام 1979. ولاشكَّ أنّ التشيُّع في الأوساط السنية ليس هو المشكلة الدينية الرئيسية لدى أهل السنة؛ بل إنّ المتغيّر الرئيس تمثّل في حركات الصحوة والإحياء، والحركات الجهادية. لكنّ الإسلام الإيراني يعرض نموذجاً جذاباً لبعض الأمزجة والفئات. كما يعرض الإسلام التركيُّ نموذجاً آخر. ومن ثم فإنّ القيادة الدينية/ السياسية للإسلام تقعُ اليوم خارج العالَم العربي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.