وزير الصناعة والثروة المعدنية يختتم زيارته الرسمية إلى الجمهورية الفرنسية    ضبط (4) مقيمين لارتكابهم مخالفة تجريف التربة    إعلاميو «الأوفياء» يطمئنون على «فقندش»    أخبار وأسواق    أكدت رفضها القاطع إعلان الاحتلال التوغل في قطاع غزة .. السعودية ترحب بإعلان سلطنة عمان وقف إطلاق النار باليمن    نُذر حرب شاملة.. ودعوات دولية للتهدئة.. تصعيد خطير بين الهند وباكستان يهدد ب«كارثة نووية»    تصاعد وتيرة التصعيد العسكري.. الجيش السوداني يحبط هجوماً على أكبر قاعدة بحرية    في ختام الجولة 30 من روشن.. الاتحاد يقترب من حسم اللقب.. والأهلي يتقدم للثالث    في إياب نصف نهائي يوروبا ليغ.. بيلباو ينتظر معجزة أمام يونايتد.. وتوتنهام يخشى مفاجآت جليمت    كتوعة يحتفي بقدامى الأهلاويين    الزهراني يحتفل بزواج ابنه أنس    الظفيري يحصل على الدبلوم    الحداد يتماثل للشفاء    11 فيلمًا وثائقيًا تثري برنامج "أيام البحر الأحمر"    إبداعات السينما السعودية ترسو في المكسيك    إنفاذًا لتوجيهات خادم الحرمين وولي العهد.. فصل التوأم الطفيلي المصري محمد عبدالرحمن    إنفاذًا لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد.. وصول التوأم الملتصق الصومالي "رحمة ورملا" إلى الرياض    لاعبو الأهلي: لم نتأثر بأفراح آسيا    بين السلاح والضمير السعودي    انخفاض معدل المواليد في اليابان    الرئيس السوري في فرنسا.. بحث إعادة الإعمار وآفاق التعاون الاقتصادي    استخدام الأطفال المصاعد بمفردهم.. خطر    ألم الفقد    أميركا ضحية حروبها التجارية    وأخرى توثّق تاريخ الطب الشعبي في القصيم    مذكرة تفاهم لتفعيل قطاع التأمين الثقافي    "التراث" تشارك في "أسبوع الحرف بلندن 2025"    الرُّؤى والمتشهُّون    الاقتصاد السعودي وتعزيز الثبات    ليس حُلْمَاً.. بل واقعٌ يتحقَّق    الرياض تتنفس صحة    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة حتى الأحد المقبل    أحمد الديين الشيوعي الأخير    إمارة الشرقية تنفّذ سلسلة ورش عمل لقياداتها    الجوازات تسخّر إمكاناتها لضيوف الرحمن في بنغلاديش    الخط السعودي في مدرجات الذهب.. حين يتجلّى الحرف هويةً ويهتف دعمًا    الأميرة دعاء نموذج لتفعيل اليوم العالمي للأسرة    همسة إلى لجنة الاستقطاب    تطوير قطاع الرعاية الجلدية وتوفير أنظمة دعم للمرضى    ريمونتادا مذهلة    القبض على يمني بالعاصمة المقدسة لارتكابه عمليات نصب واحتيال    حصيلة قتلى غزة في ارتفاع وسط أولوية الاحتلال للرهائن    تصعيد عسكري خطير بين الهند وباكستان بعد ضربات جوية متبادلة    نائب أمير الرياض يطلع على بصمة تفاؤل    الشيخ بندر المطيري يشكر القيادة بمناسبة ترقيته للمرتبة الخامسة عشرة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل القنصل العام للولايات المتحدة الأمريكية    أمير تبوك يرعى حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة فهد بن سلطان    الموافقة على استحداث عدد من البرامج الاكاديمية الجديدة بالجامعة    أمير منطقة تبوك يدشن مرحلة التشغيل الفعلي لمشروع النقل العام بالحافلات    جراحة معقدة في "مستشفيات المانع" بالخبر تنقذ يد طفل من عجز دائم    أمير الجوف يواصل زياراته لمراكز محافظة صوير ويزور مركزي طلعة عمار وزلوم ويلتقي الأهالي    "زين السعودية" تحقق نمو في صافي أرباحها بنسبة 39.5% للربع الأول من العام 2025م    مؤتمر للأبحاث الصيدلانية والابتكار    الرياض تستضيف النسخة الأولى من منتدى حوار المدن العربية الأوروبية    المرأة السعودية تشارك في خدمة المستفيدين من مبادرة طريق مكة    "صحي مكة" يقيم معرضاً توعويًا لخدمة الحجاج والمعتمرين    هل الموسيقى رؤية بالقلب وسماع بالعين ؟    رشيد حميد راعي هلا وألفين تحية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نزهة في سبعة أيام
نشر في اليوم يوم 07 - 02 - 2013

في هذه الصفحة، نبحر أسبوعيًا مع كاتبنا الرشيق، نجيب الزامل، مستدعيًا يومياته، التي يلخصها لقراء (اليوم) في سبع تجارب ذهنية وفكرية، يثري بها الأفق السياسي والفلسفي والتاريخي والجغرافي والثقافي. إنها تجربة يتحمّلها الزامل وربما نتحمّلها نحن بإسقاطاتها، وتداعياتها وخلفياتها، حتى لا يكون في العقل «شيءٌ من حتى».
اليومُ الأول:الساميون «يعني أنتم وأنا» مساكين لا قدرة عقلية لهم!
سؤال من ميهم جابر آل جابر- بما أنك من متخصصي الأنثربولجيا وتتحدث عنها كثيرا أريد أن أعرف عن صحة قول «رينان» بأن الجنس الأوربي ارقى عقليا من الجنس العربي؟
ودعوني أولا أصحح سؤال حبيبنا «ميهم»، أنا لست متخصصا بعلم الأنثربولجيا- علم الحضارة الإنساني- كأقرب ترجمة عربية، وإنما أنا هاوٍ لبعض العلوم ولا يصح أخذي كمختص ولا حتى كمرجع يُسْتَنَد إلى معلوماته، فما أكتبه في علومٍ كالفلكِ والفيزياءِ الرياضية، والطب، والانثربولجيا، وعلم الأديان «الثيولوجيا» إنما من زاوية قاريءٍ عادي مولع بهذه العلوم ليس إلاّ. أوضح هذا، وليس هذه المرة الأولى، فبعض الأحباب يسأل من أجل بحثٍ أكاديمي ثم يورّط نفسَه بكلامي الذي قد لا يتلبس بالدقة الأكاديمية. والرد عليك يا «أيهم» سيلتزم حلقتين لمحدودية المكان فصبرك عليَّ رجاءً. من أكثر التعليلات تعسّفاً وقلّة في النظر والتحليل والتدليل تلك النظريات التي تضع حدودا تكوينية وجِبِلِّيَّة بين الأجناس البشرية مثل ما قاله صاحبك «رينان» بأن الجنس الآري ارقى عقليا من الجنس السامي»، والمغرور الآخر رائد التفوق الآري على باقي الأجناس «الكونت دي غابينو» في كتابه «مبحثٌ في تفاوت الأجناس البشرية» الذي ذكر فيه أن الأجناسَ البيضاء هي وحدها التي تخلق الحضارات دون غيرها، وأرقاهم الاسكندينافيّين الآريّين» بالله عليك ما تقطّع شعرك؟ وَصَلَ «ابن فضلان» العربي المسلم بلادَ الاسكندناف «الشماليين» في القرن الحادي عشر ميلادي ،وكان متحضراً يُبهِر الشعوب التي مرّ بها بعلمه، والاسكندنافيون همج رعاة وبحارةُ حربٍ وثنيِّين لا يملكون أيّ نوع من الحضارة على الإطلاق، وأقرأ ذلك في كتب أجنبية مثل «شمس العرب تسطع على الغرب»، «وتاريخ الحضارة» لجوستاف جوبون، و»لبرنارد لويس»، و»قبائل الشمال الاسكندنافية الهمجية» ل»غونغرد هبكاند».. وعشرات وعشرات. من أفدح الأخطاء التمييز العقلي الجنسي، فتشريح الإنسان الوظيفي والدماغي واحد بين كل لونٍ وجنس، نقطة آخر السطر. وبالتالي راج أن الساميين «يعني نحن العرب» غير صالحين للابتكار العلمي، وأن علماءَ المسلمين الأوائل لم يكونوا عربا بل فُرْس ومن وسط آسيا « أي أنهم كانوا آريين» مثل الغربيين، وأيّدهم للأسف بعض العرب بحماسةٍ تغلب حماسة الغربيين، بينما هذا صحيح ويؤكد على صحة المجتمع العلمي العربي الإسلامي، فهل نَصِم أمريكا بالعيب لأن كثيراً من علمائها ومتفوقيها من أجناس مختلفة؟ لكن أحب فقط بأن اعطي هؤلاء السادة فقط مثالا واحدا: احتارت الأكاديمية الفرنسية ومجلس العلوم الملكي البريطاني بمن هو أفخم عقل علمي بالتاريخ، «ايزاك نيوتن» الإنجليزي أم «ابن الهيثم» العربي القح، وأرجو أن يأتي يومٌ أشرح لك فيه سر عظمة عقل «ابن الهيثم». الأغرب والأسمج، أن وصف الساميين بالكسل وضعف الهمة العقلية -سبحان الله- يقف بجُبْنٍ عندما يصل لليهود! فلا يتجرّأ غربيٌ بوصفهم بالدونية العقلية وهم أكثر من ينتفض جنونا لو مَس أحدٌ العرقَ السامي- وهذا دليل سُخف نظرية التقسيم الطبائعي والعقلي بين الأجناس- .. والتكملة بالنزهة القادمة.


اليوم الثاني: التوحد: نحتاج شاطرا بالرياضيات!
لن أشرح لكم قدرة العقل الذهنية التي أكاد لأجزم أنها لانهائية، لذا اعتبره الخالق معجزته الأولى، لا يستطيع ولم يستطع حتى الآن أن يقيسها بشري حتى أعتى علماء التشريح الدماغي والعصبي. اذهل طفلٌ هندي مسلم علماء الدين بأنه كان يحفظ القرآن غيبا بقراءاته السبع، ويستدعي الآية بلمحة بصرٍ بمجرد أن تذكر رقم الآية، ثم يعطيك تفسيرها بأكثر اربع كتب تفسير كبرى، ويحفظ البخاري ومسلم، ومجلدات تاريخ، وهو توحّدي. والنابغة الشاب الصغير المصري «أحمد مسلّم» الذي يستدعي أيّ آية من القرآن بمجرد السؤال، والمدهش أنه يترجمها إن طلبت منه بلغة إنجليزية وسيطة تلك التي ترجم بها الهنودُ القرآن بلغةٍ إنجليزية متناهية الجودة، وعنده توحّد. مبنى قاعة «البرت هول» الشهيرة بلندن يصعب جداً على الرسامين والمعماريين رسمها من المنظور الاسقاطي الأمامي، لأبعادها المنحرفة المائلة بالواجهة، أتقن رسمها بشكل مُذهلٍ شابٌ أسمر اسمه «ستيفن ويلشاير»، اذهلت بدقّتها التفصيلية كبار الخبراء الفنيين. شيء هام: رسمها ستيفن كاملة من ذاكرته. الأهم: «ستيف» مصاب بالتوحد وأخرس لا يتكلم، ولم يتعلم الكلام قليلا إلا في التاسعة من عمره.. أذهل بعبقريته الفنية وذاكرته التي أُسميها «فوق إعجازية» العالم. خذ مثلا أنه رسم حي «منهاتن» الكبير والكثير التعقيد معماريا وتخطيطيّاً بإسقاطٍ عُلْوي بيتاً بيتا، شارعاً شارعا، زقاقا زقاقاً- على طريقة القذافي- كاملا من ذاكرته وبالتفصيل لآخر ما يمكن أن يصل إليه التفصيل العميق الدقة. الغريب أنه رسم مع قاعة «البرت هول» في لندن كامل الأحياء التي تحيط بها، حتى أصغر الزوايا، وتفاصيل النوافذ في عشرات المباني المحيطة. وخذ «كيم بيك» المصاب بالتوحد مع عِلة عقلية، إنه ينهي كل يوم، سامعينّي: كل يوم، ثمانية كتبٍ من النوع الثقيل. تصوّر أن كيم يقرأ - كآلية الجهاز الماسح «Scanner»- الصفحة اليسار بعينه اليسرى، والصفحة اليمين بعينه اليمنى في نفس الوقت. طيّب ما انتهينا! «كيم» يحفظ من كلِّ الكتب التي يقرؤها 98% من كامل ما كتب بها- يعني لو كمّل جميله ووصّلها ل100% كل الفرق 2%- سؤالٌ رياضي: كم صفحة يحفظ «كيم بيك» في السنة بمعدل 300 صفحة من الكتب التي يقرؤها، تذكر 8 كتب يوميا بمعدل 300 صفحة.. أول من يُجب إجابةً صحيحة له مني 98 ريالا!!


اليوم الثالث: ردّ على السائل: ما عندي فلوس أتصدق عليك.. خذْ قصري!
لمّا أُحدِّثكم عن الصوفية، لا يعني إعجابا ولا إنكارا، وإنما هي معلومات تقريرية لا تحتمل الحب من عدمه، ولا الصحة من عدمها، وإنما تساق ضمن البحر العلمي المتعاظم الموج. إن التصوّفَ ليس وقفاً على دين بعينه ولا شعوبٍ بعينها، فكل الأديان فيها تصوُّف واضح من السماوية كاليهودية والنصرانية، إلى الوضعية مثل البوذية والهندوكية والسيخية والزرادشتية والطاوية. بل هناك من كتب مؤرّخا عن «لينين» أول رئيس بلشفي شيوعي لروسيا بأنه لم يقتل ويسفك الدماء مثل خليفته ستالين لأنه كان صوفيا شيوعيا متبتلا، وكذلك مفكرهم ترويسكي وسُمّي بأدبيت الغرب بالشيوعي المتبتل.. هكذا. ولم يُخفِ محمود أمين العالم شيئا من هذا في تطويبه لِ»لينين» وهو من أكبر مفكري العرب الشيوعيين المحترمين- وكان يفْصل الإيمانَ عن الأيدولوجية الشيوعية الاشتراكية، ولطالما شدّد أنه مسلم مؤمن موحِّد لا يترك فرضا من الفروض- والتصوف حتى بأيام الإغريق الوثنيين، يقول كبير فلاسفتهم الواعظين سقراط:»أسمَعُ بأذُنَي ما تلقيه علي روحي من عالم الروح». على أن المفهوم الذي في الصوفية الإسلامية يتجلّى حين تطغي المادة، فيحلو الرجوع لعالم الروح، لذا يتبارى الصوفيون بلغتهم الجميلة العشقية لوصف لذة التبديل، وبعضهم كابن عربي كبيرهم الكبير، يتكلم عن «لذاذاتٍ متجددة»، ويتكلمون باصطلاحات ذات شهْقةٍ روحانية عاطفية، مثل «سكرة المفاجأة» تلك الدوخة الممتعة لما يمسّ المتصوفُ «المتأمل» مناخاتِ عالم الأرواح متجردا من صبابات المادة وجفاف مساقيها. ويرى الصوفيون أن الرجوع لعالم الروح سُمُوٌ بالنفس عن حضيض المادة الحياتية اليومية، وارتفاع بالعقل عن صغارات الحياة الجارية. ودعوني أُحدِّثكم ولو يسيرا عن «مُحيي الدين بن عربي» مؤسس العقلانية والعقلية والمنطق والفلسفة الصوفية. ابن عربي نشأ في شرق الأندلس ،حيث الجِنان والبساتين ودور العلم واعتبره علماء الأندلسيات الغربيون أكبر عقلية منطقية روحانية بين البشر- ارجع لبروكلمان- ويذكر ابن عربي في كتابه الأشهر «الفتوحات المكية» وسماه كذلك نسبة إلى مكة المكرمة لما كان بها- أنه تشبّع بشيوخه ومعلميه، فأعرض عنهم بخلوةٍ مع الله سبحانه طهّرت خواطره بالتأمل.. وأَذكرُ جيدا كلمته هذه «التأمل» ولم يقُل الانقطاع أو الزهد أو النأي أو العزلة، كما هي متواردة عن الصوفيين خصوصا أصحاب الزوايا، وأنها نوّرت وجدانه بالعبادة، وزكّت نفسَه بالمحبة، فتفجرت في قلبه ينابيع الفيض الإلهي، واشرقت بروحه شمس المعرفة. ولقد تقابل «ابن عربي» مع ابن رشد اكبر عقلين منطقيّين في كل الأندلس- البعض يقول في تاريخ المنطق العالمي- باستثناء ابن طفيل معلم ابن رشد، وكان سبب استدعاء ابن رشد الذي صار كهلاً للغُلام العبقري «ابن عربي» هو حين وصلت سيرته العقلية والروحية إليه، وكان ابن رشد عقلا منطقيا خالصا. لم نعرف بالضبط عدد مؤلفات هذه العقل الكبير، أجمع رواة أنها ثلاثماية أو قاربت، و»بروكلمان» يقول: إنها مئة وخمسون ،ولكن الموجودة التي لم تضع أو تُحرق، ويذكر له «الإمام الشعراني» في كتابه «اليواقيت والجواهر» اربعمائة كتاب. يذكر أنه كان لإبن عربي قصرٌ منيف بحدائق واسعة، هدية من ملك «قونية» المسيحي، ثم مرّ به سائلٌ يطلب حسنة فرد ابن عربي: «ما عندي والله غير هذه الدار، فخذها لك» وعاد ابن عربي مفلسا لا يملك من حطام الدنيا شيئا. وكان شاعرا وعاشقا - وهي قصة طريفة لمّا وقع في حُب جاريةٍ من الروم رآها في مكة- يقول في ديوانه «ترجمان الأشواق»: «أدين بدين الحبّ، أنّى توجهتْ- ركائبُه، فالحبّ ديني وإيماني.» إنه الكبير ابن عربي، كان عند قومٍ وليُّ الله المختار، والقطْبُ الغوثُ الكبير، وعند قومٍ: الكافرُ، الزنديقُ، والمشركُ الخطير.


اليوم الرابع: يا حليلك، يا «دون كيخوته»!
ما عليكم من الأسبان.. ليسوا هم، عن طريق أديبهم «سرفانتس»، أول من صور فارسا «دون كيخوته» يتوهم أنه شجاع بسيفٍ بتار وحصانٍ أمهق، ويحارب الجيوش، بينما سيفه عصا خشبية، وحصانه حمار يئنُّ من الهزال، والجيوش التي يحاربها هي مراوح الهواء. لقد سبقهم عربيٌ حقيقي قبل «دون كيخوته» بسبعمئة سنة! إنه من بني نُمَيْر، وهم قوم يُقال إنهم اشتهروا بالخفة، تدخل شاعرهم بين جرير والفرزدق فردّ عليه جرير بالبيت الشهير:»فغضّ الطرفَ إنك من نُمَيْرٍ.. فلا كعباً بلغتَ ولا كِلابا». فتشاءم بني نُمير من شاعرهم - فورّوه سواد الليل-. على أيِّ حالٍ بطلُنا هو «أبو حيّة النُّميري» نعم، اسم يقذف الخوف في قلب الشجعان كما كان يدعي. والحقيقة أنه موسوس، وجبان رعديد، ويدعي الشجاعة والإقدام، وشلّاخ معتبر. عنده عصا خشبيةً يراها سيفا قاطعا وسمّاه «لعابُ المنية» يَهْ! وخّر يا ولد! جاء لصحبه مرة وحكى عليهم: «شعرت أن في بيتي لصا، وبان أنه لصٌ ضخم عملاق مفتول، وهددته ب»لعاب المنية» قائلا: «بِئس والله ما اخترت لنفسك، لدي سيفٌ صقيل، «لعابُ المنيّة» الذي سمعتَ به، مشهورة ضربته، لا تخاف نَبْوتَه «أي لا يخطئ الهدف» أخرج أعفو عنك، قبل أن أدخل بالعقاب إليك» فقاطعه صاحبه وقال له:» أنسيت يا «أبا حية» أنا كنت معك ولم يكن لصا فقد خرج كلبٌ صغيرٌ مريضٌ» فتوهج «ابو حيّة»، ونفخ صدرَه وضرب شلخةً على كيف كيفك فقال: «بل كان عملاقاً مُهيلا ولكن الله، رحمةً به، مسَخَهُ وجعلَه كلبا». وكان يتربع في المجلس يتحلق حوله ربعه فيقول لهم: «إني مُبْغضٌ أمري مع النساء، يُلاحقْنني بكل مكان ويتهافتنَ علي، يُرِدن أن ينلن شيئاً من وسامتي وشهامتي، فأصرخ بهن: أبعدن عنّي، فأنتن تعطلنني عن خوض حروب تشيب لها رؤوس الصبية، فأجري وهُنّّ يجرين ورائي يبكين يصرخن و....!» وشلخة أخرى تنبؤك عن بطولته الفائقة في الشلخ الذي لا يضارعه فيه شلاّخ، فيقول: «مرّتْ ظبيةٌ فرشقتها بسهمي، ثم تذكرت حبيبة لي اسمها «ظبية»، فأوجعني قلبي، فعدوتُ خلف السهم وقبضته من قُدَّتِهِ قبل أن يدرك الظبية».. يا الله عاد، لا «كيخوته» ولا ألف مثله!


اليوم الخامس: من الشعر الأجنبي أترجمه بتصرف- أماني!
الدكتور « لادي وسورنو» من غينيا أديب ومفكر عبقري مع كونه برفسورا في الجراحة. تعرفت عليه بواسطة صديقنا المشترك الدكتور فهد المهنا يوم كان مديرا عاما لمستشفى الملك فهد الجامعي بالخبر. وتعمقت الصداقة بين الثلاثي، وكنا نتناقش بالأدب والطب والفلك وفلسفة العلوم ومستقبل العالم. وهو شاعر مجيد بالإنجليزية التي هي اللغة الرسمية في غانا ولغته الأم، وبرأيي أن بشِعرِه سحرَ «نيرودا»، لأن الروحَ اللاتينية الرومانسية الثائرة تسكنُ شعرَه، وقد أهداني ديوانه وكتب إهداءً بخط الأطباء الهيروغليفي، أترجمه من ألانجليزية :»إلى نجيب، المرور عبر العلاقات هو مرور فوق جسر الأزل المتوراي خلف الآفاق قاطعا الأبدية.. قد لا نلتقي مرة ثانية، ولكن علامة لقانا ستسطع عليها الشمس وسيحفُّها الظلام.. ولن يتوقف ذلك. من شعره:
Wishing...
In the silent stillness of my mind
I hear the colours of time
By the river of boiling light!
Fountain of joy, wisdom and truth
True author of poems
Giver of boons! Give ear.
Your universe speaks in verse
And is set to rhythm and dance.
أماني..
في سكون الهدوءِ في عقلي، اسمعُ صخَبَ ألوانِ الزمان
وأشعُرُ بالمجدِ الآتي من مستقبل الأيام.. عند نهرِ الإبْهَارِ والأنْوار!
شلالٌ من مرح، وحكمة، وحقيقة.. لأني ناظمٌ مجيدٌ للقصيدِ
ومانحُ اللذَّةِ والبركات.. فاصْغِ إلي!
ستجدُ كونَكَ يتغني بأبياتي.. ويتراقص معها على موسيقى الإيقاع.


اليوم السادس: الريحاني تقدر تقول ما سرق من جاكوبز.. يمكن شوي!
وحلمي الربادي من جامعة كاليفورنيا يسأل: اغتظت عندما قالت المحاضِرةُ: إن كتاب «ملوك العرب» لشخص انجليزي، وراحت محاولاتي هباءً بإقناعها أنه لأمين الريحاني. وقالت :»الريحاني» سرقه، فهل هذا صحيح؟
أولاً ،لا نغضب حبيبي في النقاش المعرفي - خصوصا مع معلمتنا!- وكلام معلمتك صحيح في مسألة أن «ملوك العرب»، ألّفه انجليزي قبل الريحاني بحوالي 15 سنة في الحرب العالمية الأولى. والكتابُ اسمه «Kings of Arabia» أي ملوك العرب وهو للكولونيل البريطاني «هيرالد جاكوبز» والذي عمل مساعدا للمقيم البريطاني في عدن و»أللنبي» من بعده ثم صار مستشارا للمندوب السامي البرطاني بمصر في شئون جنوب غرب الجزيرة العربية. وبكتابه تناول تاريخ الاستعمار البريطاني في عدن وامتداد نفوذهم إلى منطقة «لحج»، وتحدث بعلاقات مهمة مع الانجليز وبين الأتراك، والإدريسي- حاكم عسير وقتها، والإمام يحيى في اليمن. ونرجع للسرقة، فالريحاني موضوع كتابه يختلف تماما عن كتاب جاكوبز ،فهو عن «الملوك العرب» من الكويت إلى الملك عبدالعزيز وإمام اليمن وغيرهم.. وِنْعِم، الله يهديه، استعار «فقط» العنوان.. بلا إذن!


اليوم السابع: الشمس والحليب.. لا سمنة بعد اليوم!
دراسة تقول الجلوس بالشمس الباردة كالصباح تعرِّض الجسمَ لفيتامين «د» الذي يساعد في بناء العظام وأشياء مفيدة أخرى، وأنه يفرز هرمونا يساعد على تخفيف الوزن بتنشيط الأيض وبناء الخلايا فتذوب الشحوم.. وأنَّ نقص الكالسيوم يجعل الدماغَ يرسل إشاراتٍ فيجوع الإنسانُ ويأكل أكثر.. ومتى اكتفيتم من الكالسيوم ستخف شهيتكم وينقص وزنكم. بس هاه، لا تروحون تحرقون روحكم ولا تُغصّون ببلع الحليب.. شوي، شوي!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.