من الملاحظ أن احداث العالم أفرد مساحة اهتمام واسعة للمهتمين بصناعة المصرفية الإسلامية، ذلك أن الحاجة الماسة إلى التمويل الإسلامي كبديل شرعي للتمويل التقليدي في بعض البلاد العربية والإسلامية، تضع المسؤولين فيها أمام تحدي الاستجابة لرغبات المواطنين في ظل هذا التغيير الذي يبشر بتغيرات جوهرية في علاقة الحاكمين بالمحكومين. والمتابع يشهد أن بعض الدول التي هبت في أراضيها نسائم التغيير، بدأت تدشن مسلسل إصلاحات جوهرية تلامس رغبات المواطنين في التعاطي مع المصرفية الإسلامية، الأمر الذي جعل بعضها يسعى جاهدا لاعتماد دستور متقدم يراعي هذا الاتجاه، مما يبرهن على أن الربيع العربي أحد دوافع تمكين التمويل الإسلامي، من خلال اعتماد استراتيجية الأسلمة التدريجية للمنظومة المالية. وفي اعتقادي، أن المسلك لتحقيق هذا المبتغى يمر بضرورة فهم مصدر قلق السلطات المالية في تلك البلاد وتوجسها من التمويل الإسلامي والمنبعث أساسا من الخوف غير المبرر من انهيار المنظومة المالية الحالية إن تم اعتماد التمويل الإسلامي، وكذا خشية السلطات من تسييس موضوع التمويل الإسلامي. وهذا الواقع يبرز بشكل قاطع أهمية أن تسعى السلطات المالية في تلك البلاد بأن تجتهد في خلق شراكات مع البنوك الإسلامية في الداخل والخارج درءا للمنافسة التي تخلقها المصارف التقليدية والتي ما زالت تمسك بمفاصل العمل المصرفي فيها. وبلا شك فإنه من الممكن أن تؤثر إفرازات الربيع العربي في تجاوز بعض البلاد القريبة من منطقة الربيع العربي وأن تبادر في سياسة الترخيص للمؤسسات المالية الناشطة في مجال المنتجات والخدمات المالية الإسلامية، شريطة ربط ذلك بمشاريع مادية حية كالسدود والمطارات والمشاريع التنموية. وهذا الواقع يبرز بشكل قاطع أهمية أن تسعى السلطات المالية في تلك البلاد بأن تجتهد في خلق شراكات مع البنوك الإسلامية في الداخل والخارج درءا للمنافسة التي تخلقها المصارف التقليدية والتي ما زالت تمسك بمفاصل العمل المصرفي فيها. كما أن السلطات المالية بإمكانها اعتماد التحول التدريجي للبنوك التقليدية بشكل عام إلى بنوك إسلامية أو على الأقل السماح لها بإنشاء مؤسسات مالية تابعة لها، لكن مع ضرورة مراعاتها للقيود الشرعية في أدق تفاصيلها. إن النمو الهائل للتمويل الإسلامي يشكل فرصة تاريخية لتصالح السلطات المالية مع مواطنيها بتمكينهم من ممارسة معاملاتهم المالية في تناسق مع قناعاتهم الدينية التي تمنع التعامل بالفائدة غير الشرعية، أخذا وعطاء، كما أنه يشكل فرصة لاستجلاب الاستثمارات المالية الراغبة في العمل في المنتجات الإسلامية. واعتبر الربيع العربي بمثابة فرصة ذهبية للشعوب والحكومات بأن تهتم بشكل جدي بمسائل التنمية التبادلية والتعاون بين تلك الدول وغيرها من الدول الإسلامية التي تمتلك فوائض في رؤوس الأموال وتلك التي تمتلك الخبرات وفرص الاستثمار. خلاصة القول، إن الربيع العربي يحتم على الدول التي ما زالت تشذ عن قاعدة الترخيص للمؤسسات المالية الإسلامية الانخراط في الاتجاه العام العالمي، الذي أخذ ينتظم في كثير من بلاد العالم، خصوصا تلك التي ترى في التمويل الإسلامي البديل الأمثل لمواجهة الأزمات المالية العنيفة التي ما زالت آثارها باقية.