قال صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، أنه من المهم في هذا العصر الذي يجد فيه المسلمون أنفسهم في مواجهة مع الحضارات الأخرى أن نعيد التفكير فيمن نحن وما هو دورنا في الحراك الإنساني المستقبلي، منطلقين من قراءة جديدة في تاريخ الإسلام الذي بدأ -والله أعلم- منذ خلق البشرية، وأن كل ما حدث منذ ذلك الوقت الذي لا يعلمه إلا الله، كان تسلسلاً يؤدي إلى بزوغ شمس الهداية والخير من مكةالمكرمة في قلب الجزيرة العربية وعلى يدٍ عربيةٍ من خيرة أهلها في فترة زمنية مهمة كانت فيها مكةالمكرمة محوراً إستراتيجياً حضارياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً وملتقى للقوافل التي جاءت للحج والتجارة، مما شكل كياناً ذا قوة سياسية متنامية، وساعد على انتقال رسالة الإسلام والقرآن الكريم بلغته العربية الراقية التي تطورت عبر آلاف السنين حتى نزل بها القرآن الكريم، إلى أرجاء المعمورة، مما يؤكد أن الإسلام العظيم لم ينشأ من أرض مفرغة من الحضارات أو المعرفة أو الأخلاق أو القيم العربية الأصيلة. جاء ذلك ضمن جلسات ملتقى آثار المملكة الأول المقام حالياً في مركز الملك عبدالعزيز التاريخي بالرياض، حيث طرح سموه ورقة بعنوان (بدأ الإسلام في جزيرة العرب منذ خلق الله الانسان)، شاركه فيها كل من الدكتور فهد السماري المستشار بالديوان الملكي، أمين عام دارة الملك عبدالعزيز المكلف، والدكتور علي الغبان نائب رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني المشرف العام على برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري، وأدارها الدكتور خليل البراهيم مدير جامعة حائل. وأشار سموه إلى أن الإسلام الذي جاء لكي يؤكد التوحيد وهو دين البشرية وخاتم الأديان، وأن الله سبحانه اختار أرض الجزيرة العربية وشعبها لحمل هذه الرسالة السامية منذ خلق الله البشرية، وأن التعاقب الحضاري والبشري والاقتصادي الكثيف على هذه الأرض المباركة عبر التاريخ يدل على حراك مستمر لتهيئة المكان والإنسان لحمل هذه الرسالة السامية للعالم, مبيناً أن هذا البحث جاء من منطلق أن الله اختار أرض الجزيرة العربية وشعبها لحمل هذه الرسالة السامية منذ خلق الله البشرية وأن التعاقب الحضاري والبشري والاقتصادي الكثيف على هذه الأرض المباركة عبر التاريخ يدل على حراك مستمر لتهيئة المكان والإنسان لحمل هذه الرسالة السامية للعالم. وأوضح سموه أنه بدأ في التفكير لإعداد هذه الورقة منذ أربع سنوات، مبيناً أنه بدأ الاهتمام بالآثار والتراث منذ صغره وكنتيجة لمرافقة والده الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - للمواقع التراثية والأثرية، فقد كان الملك سلمان شغوفاً بالتراث كثير الاطلاع على كتب التاريخ وزيارة المواقع التاريخية، وهذا ما ورثه الأمير سلطان عن والده, مضيفاً سموه : "كنت أتساءل هل دورنا فقط في التنقيب عن الآثار، وأن نخرج قطعاً أثرية ونضعها في المتاحف فقط، أم يفترض أن يكون أكبر من ذلك؟ وما هو الرابط بين كل هذا التاريخ وهذا التراكم الحضاري وما نحن عليه اليوم؟". ولفت سموه النظر إلى أنه طرح ورقته التي عرضها في هذه الجلسة، على مجموعة من العلماء الأجلاء ومجموعة من خبراء الآثار، وأنه يطرحها في هذا الملتقى للاطلاع من المهتمين والدراسة والتمحيص والنقد، مؤكداً أنها تحوي مواضيع مهمة، وهي ورقة تربط قصة نشوء الإسلام بخلق البشرية، وتهيئة الوقت والمكان بما حدث قبل الإسلام لبزوغ شمس الهداية والخير من مكةالمكرمة. وقال سموه في هذه الورقة: (في محاضرة ألقيتها في مركز أكسفورد للثقافات الإسلامية في عام 1431ه و1يونيو 2010م وأيضا محاضرة في عام 2014م طرحت فكرة مفادها أن الإسلام هو جوهره التوحيد الخالص لله تعالى هو دين الفطرة الذي أختاره الله سبحانه وتعالى للبشرية وخلقها وأن اختيار الجزيرة العربية مهد للإسلام والرسالة الخاتمة التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم ما هي إلا إمتداد لذلك التدبير الإلهي، وأن مسار الحضارة في الجزيرة العربية مرتبط بهذا الموضوع الأهم في تاريخها. ولذا فإن الإسلام لم ينزل في أرض فارغة من الحضارات، وأن كل ما وقع على أرض الجزيرة العربية من أحداث وتقاطعات حضارية وإنسانية كانت بمثابة مقدمات وبشائر هيئت إلى ظهور الإسلام من هذه الأرض المباركة؛ لذلك فإن العناية بآثار حضارات الإنسانية على أرض الجزيرة العربية هي في نظري من باب العناية بتاريخ الدين الإسلامي العظيم في مكان قدر الله أن يكون مهيئاً من خلال مراحل التاريخ وتعاقب الاحتضان لانطلاقة أعظم دين للبشرية جمعا في لحظة تاريخية مقدرة منذ الأزل والله أعلم. وقد دفعني ذلك الطرح إلى استقراء تاريخ الجزيرة العربية وعلاقته بدعوة التوحيد من خلال ما هو متاح حتى الآن من معلومات توصل إليها علم الآثار وبعد تفكير وتأمل وتداول الآراء حيال هذا الموضوع المهم مع نخبة من علماء الشريعة وعلماء الآثار والتاريخ الأفاضل الذين أثروا هذا الموضوع بأفكارهم النيرة وملاحظاتهم حتى جاءت هذه الورقة, ويقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز "إن الدين عند الله الإسلام"، وآدم عليه السلام هو أبو البشر والمسلمين، إذ قال الله تعالى ) إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين), ويرد في بعض المصادر الإسلامية أن آدم عليه السلام عندما بعثه الله إلى الأرض اجتمع بزوجته حواء قرب مكة، وعلى الرغم مما ذهب إليه كثير من أهل العلم أن اجتماع آدم وحواء قرب مكة رواية وردت في الإسرائيليات، وهناك طبعا نقاش حول الإسرائيليات، فإن هذه الرواية تدل على قدم تلك الأماكن المقدسة وأنها شهدت بواكير كيانات الأمة الواحدة، ونستشهد بقوله سبحانه وتعالى "إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين". ويذكر بعض المفسرين أن إبراهيم عليه السلام عندما أمره الله بالتوجه إلى مكة في القرن الثامن عشر قبل الميلاد قام بإعادة بناء الكعبة وأن قواعدها كانت مدفونة في ربطة صغيرة في وسط الوادي وأن بناءها كان في زمن سابق لإبراهيم عليه السلام ويستدلون بذلك في قوله تعالى "وإبراهيم إذ يرفع القواعد من البيت" أي أن قواعد البيت كانت أساسات وكانت موجودة من قبل وهو أول من رفعها على الأساس الذي بنيت عليه الكعبة في زمانه عليه السلام, لقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يكون الإسلام الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم أخر الأديان وخاتمها قال تعالى (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ" ولكونه خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم فإن الدين الذي جاء به هو دين شامل للعموم البشرية وعلى مختلف الأزمان وهذه الحقيقة تدعونا للإجابة على هذين السؤلين، لماذا اختار الله سبحانه وتعالى نزول الإسلام في مكةالمكرمة في جزيرة العرب؟ ولماذا وضع الله سبحانه وتعالى أول بيت للعبادة في مكةالمكرمة في قلب جزيرة العرب أيضا؟ وبين الحدثين أصول وتطاول عمر الإنسان، ذلك ليس مجرد مصادفة فإن الله سبحانه وتعالى يقول "وكل شيء عنده بمقدار"؛ ولعل الله سبحانه وتعالى أراد رسالة الإسلام تكتمل حيث بدأت والله سبحانه وتعالى اعلم.