جلس الفتى ذو ال15 ربيعا في المسجد بعد صلاة العصر في شهر رمضان مستذكرا ما عاشه قبل خمسة أعوام، عندما أرسل الشيخ الكريم الباذل العم سليمان بن محمد الرشيد «شاحنات» من الأرز والسكر، بمجرد أن حدثه والد الفتى عن فقراء في أحد أحياء مدينة الرياض؛ وكانت من الكثرة بحيث اضطرت الجمعية المشرفة إلى استئجار مستودع اضافي ريثما يتم توزيع هذه الكمية.. وكان هذا الكرم مشجعا للفتى الصغير ليقوم بالتجربة من نفسه. اتكأ الشاب على أ حد الأعمدة لبرهة: ثم انطلق مسلما على الشيخ الذي كان مشغولا بقراءة القرآن؛ * أهلا يا عم. * حياك الله. * هذه يا عم جمعية رسمية، تشرف على بيوت كثيرة لفقراء ومحتاجين، ويتمنون منكم المساعدة بما تجودون به. وأعطاه الشاب مجموعة من الأوراق والكتيبات الرسمية التي تشرح عن الجمعية وأحوال من تشرف عليه. * يصير خير ان شاء الله. ثم رجع الشيخ للقراءة وخرج الشاب من المسجد بعد تجربة له أولى، ظانا ان الموضوع انتهى ويكفيه انه حاول في هذا الشهر الكريم ان يساعد بما يستطيع. وبعد قرابة الساعة يرن جرس الهاتف في المنزل الكبير: حياك الله يا عم سليمان: أبشرك الوالدين بخير الحمد لله، لكن المعذرة الوالد (جدي) في المسجد. * لا. أنا أريد الكلام مع يوسف! نعم! الشيخ الثمانيني يطلب على الهاتف محادثة الشاب الذي لم يتجاوز عمره 15 سنة، وهذا ما فاجأ المتحدث. * «سم يا عم! من تبي»؟ * يوسف. جاء يوسف وحادث العم سليمان، وقام الشيخ الوقور بشكر الشاب وتشجيعه على ما يقوم به واعتذر (نعم اعتذر!!) منه بأنه كان مشغولا بالقراءة لذا لم يأخذ معه بالكلام كثيرا، وسأله عن الكمية المطلوبة والعنوان واستمر خلال اليومين التاليين التنسيق الهاتفي بين الشيخ والشاب بعدة اتصالات حتى وصول الشاحنة الكبيرة المحملة بالأطعمة لهذه الجهة في المنطقة الشمالية.. بل ان الشيخ قال له مرة: لا أريد ايقاظك وازعاجك في الصباح!! انا أستيقظ مبكرا بمجرد استيقاظك اتصل علي!!. لا أدري.. هل أقول مربيا؟ هل أقول متواضعاً؟ كريما؟ عابدا؟ قانتا؟ لقد كان موقفا غرس في نفسي دروسا معبرة أعظم من مئات المواعظ والخطب والكلمات. وهذا موقف واحد فقط فيه دروس جميلة لهذا الرجل الكريم «رحمه الله»، فكيف وهو الذي له مواقف عظيمة وتعاليم رائعة ينهلها منه الأقربون والأبعدون في كرمه وخلقه وتواضعه.. وهذا تفاعله بلا تردد مع شاب صغير فما بالكم بغيره؟! سقتك يد الرضوان كأس كرامة من الكوثر الفياض معسولة اللمى وما زال ريحان التحية ناضرا عليك؛ وهفاف الرضا متنسما ليبك عليك القلب لا العين إنني أرى القلب أوفى بالعهود؛ وأكرما أسأل الله أن يكون العم سليمان ممن قال تعالى فيهم: (إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم أجر كريم). وأسأله أن يغفر له ويرحمه ويتجاوز عنه وينور عليه في قبره.