يُقال إنَّ انتخاب طرق التربية أهم من انتخاب شكل الحكومة، وانَّ حاجة الشعب الأولى بعد الرغيف هي التربية، وأنَّ غاية التربية هي إحلال عقلٍ مفتوحٍ محل عقل مُغلق، ولأنَّ التربية ليست بالأمر السهل لذا فقد ذهب "أرسطو" إلى أنَّ (جذور التربية مُرَّةٌ، ولكن ثمارها لذيذة). عندما يقول لك الأخصائي إنَّ ابنك يحتاج لتعديل سلوك، فإنَّ هذا يعني أنك أنت أيضاً ستُغيِّر سلوكك العام، وستضطر كأب أن تُغير من نمط الحياة المحيطة بالطفل. هناك العديد من الأخطاء التي يقع فيها الوالدان خلال "رحلة التربية" دون قصدٍ متعمَّدٍ منهما، فهم لا يعلمون أنَّ هذه الأخطاء تُشكل سلوكيات سلبية عند أبنائهم! إذا رأيت طفلك "يكذب" فلعلك شديد المحاسبة معه، وإذا رأيته "يسرق" فأنت لم تُعوِّده على العطاء واحترام خصوصياته وملكيات الآخرين، وإذا غلب عليه "البخل" فاعلم أنك لا تُشاركه، أما إن كان "يعتدي على غيره" فلأنك تُعامله بعنف، وإذا كان لا "يُطيعك" فلعلك تُكثر الطلب منه دوناً عن إخوانه! الكثير من الكتب التي تُعنى بتربية الأطفال تناولت الحديث عن أكثر من مائة خطأ يُمارسه الوالدان مع أبنائهم، وجدتُ أن أكثر من سبعين أسلوباً شائع بين معظم الأسر! الخطأ الأول:- أنت فاشل،، غبي،، لا يُعتمد عليك،، كل شيء تعمله غلط!. سألوا رساماً مشهوراً: ما سر نجاح لوحاتك؟ قال: عندما كنتُ صغيراً كانت أمي تُردد على مسامعي إن شخبطاتي في دفتر الرسم هي إحدى روائع الفن التشكيلي حتى صدقتها!! إنَّ الدعم الإيجابي والثناء على أقل تصرفات الطفل المستحسنة هي الطريق إلى نجاحه في المستقبل، وعلينا أن نبحث عن أي موهبة حباها الله لأبنائنا فنُشيد بها، ولا نُركِّز على التفوق الأكاديمي فقط فيعيشوا في قالب الدراسة ولا يُحسنوا من مهارات الحياة شيئاً!. الخطأ الثاني:- يطلب الطفل من أمه شراء هديةٍ أو لعبةٍ أو القيام بنزهةٍ، وتعدُهُ الأم بعبارة (إن شاء الله) ثم لا تفي بوعودها لانشغالها أو لعدم قناعتها بطلب الابن، فيرتبط في ذهنه أن هذه (المشيئة) ماهي إلا مُسكِّن ورد طبيعي للرفض، لذا فمن المهم أن نُعوِّد أطفالنا على قول وسماع وقبول "إن شاء الله" في حياته، (ولا تقولن لشيءٍ إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله)، إذا كثُر استخدامها بلا وفاء فلا نعجب منهم إذا أجابوا بعنفٍ رافضين هذه المشيئة لأنها تعني "طلبك مرفوض"!! الخطأ الثالث:- كل أم تحلم بطفلٍ هادئ، مؤدب، منظم، مطيع، لطيف، حبوب، مرح، نظيف، يأكل ويشرب وينام ويدرس في مواعيد محددة ثابتة، أدواته مرتبة، يحترم الكبير يستأذن دائماً......... الخ. إن وُجد مثل هذا الطفل المثالي فهو بلا شك "طفلٌ غير طبيعي"، لأن من خصائص نمو الأطفال أنهم ما زالوا يتعلمون، وهذا من شأنه (التخريب، العصيان، التمرد أحياناً، العناد، رفض الطعام.... الخ)، لا تُشغلوا أنفسكم كثيراً بالسلوكيات، بل اكتشفوا مهاراتهم التي تُميزهم، دعوا شقاوتهم تأخذ حجمها الطبيعي في حياتكم وحياتهم! الخطأ الرابع:- يقول لأمه: رأيت تنيناً كبيراً له جناحان يطير فوق بيتنا وجلستُ ألعب معه!! فتصرخ في وجهه "لا تكذب" لا يوجد تنين ولا سوبرمان ولا شيء من (ها لخرابيط)!! الأطفال من سن 4-5 يقومون باختلاق ما يُسمَّى بالقصص الوهمية ويسردون الحكايات الخيالية، وهذا وضع طبيعي، هم لا يفرقون بين الواقع والخيال! اقبلوا خيالهم الخصب ولا تدمروهم. الخطأ الخامس:- أمك لا تُريدك، أبوك تركنا وذهب بعيداً، وعبارات أخرى كثيرة تُقال في حال انفصال الوالدين!! أيها الآباء والأمهات تعاملوا مع الموقف بعقلانية، ولا تضعوا الأطفال كحائط عازل بينكم وبين الخصم الآخر، وأنتم أيها الأهل كونوا (طفاية حريق) ولا تكونوا (عود ثقاب مشتعلا في بنزين) فكم من عائلة تفرقت بسبب تعنت الأهل! حافظوا على صورة الأم والأب في نظرة أطفالكم بكل الحب والتقدير، يكفي غياب أحد الطرفين عن عالمهم فلا تزيدوا (الطين بلة)! الخطأ السادس:- أخافُ عليهم من الغد، لا أدري ما الذي يُخبئ لهم الزمن؟!! يقول المولى عز وجل «وليخشَ الذين لو تركوا من خلفهم ذريةً ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله»، أيها الآباء: استعينوا بالدعاء والصدقة وتقوى الله والعمل الصالح "وكان أبوهما صالحاً"، لن ينساهم الله أبداً فهو خالقهم وراحمهم. وللحديث بقية في المقال القادم إن شاء الله.