البرلمان العربي يناقش الأزمة الإنسانية في قطاع غزة    «مكافحة المخدرات» تقبض على شخص بالحدود الشمالية لترويجه الحشيش المخدر    ضبط لبناني قتل زوجته وقطع جسدها بمنشار كهربائي ودفنها    حرس الحدود ينقذ مواطنا خليجيا فقد في صحراء الربع الخالي    اختتام المهرجان السينمائي الخليجي في الرياض وتتويج الفائزين بالجوائز    ساديو ماني.. 29 ثنائية في مسيرة حافلة بالأهداف    تشكيل الاتحاد المتوقع أمام الحزم    حمدالله يتوقع مواجهة الهلال والعين في دوري أبطال آسيا    البريد السعودي | سبل يصدر طابعاً بريدياً عن قطاع النخيل والتمور في المملكة    الفن التشكيلي يتلألأ في مقر قنصلية لبنان بجدة    وزير الخارجية المصري من أنقرة: ترتيبات لزيارة السيسي تركيا    بمساعدة مجموعات متحالفة.. الجيش السوداني يقترب من استعادة مصفاة الجيلي    إيقاف اجتماع باسم «اتحاد كُتّاب عرب المشرق» في مسقط    صالون "أدب" يعزف أوتاره على شاطئ الليث    الجدعان: الاقتصاد العالمي يتجه لهبوط سلِس    توليد الفيديوهات من الصور الثابتة ب"AI"    "كاوست" تتنبأ بزيادة هطول الأمطار بنسبة 33%    تصاميم ل"العُلا" تعرض في ميلانو    السودان: أطباء ينجحون في توليد إمرأة واستخراج رصاصة من رأسها    «الداخلية»: ضبط 14,672 مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود في أسبوع    فيتنام: رفع إنتاج الفحم لمواجهة زيادة الطلب على الطاقة    وظائف للخريجين والخريجات بأمانة المدينة    للمرة الثانية على التوالي النقد الدولي يرفع توقعاته لآفاق الاقتصاد السعودي ليصبح الثاني عالمياً لعام 2025    الصحة العالمية توافق على لقاح ضد الكوليرا لمواجهة النقص العالمي    طقس اليوم: فرصة لهطول أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة    الحزم يتعاقد مع المدرب صالح المحمدي    حمدالله: تجاوزت موقف المُشجع.. وصفقات الهلال الأفضل    مساعد مدرب الرياض ينتقد التحكيم في مواجهة الطائي    إخلاء طبي لمواطنة من كوسوفا    إعفاء "الأهليات" من الحدّ الأدنى للحافلات    بوابة الدرعية تستقبل يوم التراث بفعاليات متنوعة    نجران.. المحطة العاشرة لجولة أطباق المملكة    بن دليم الرحيل المُر    البنك الدولي: المملكة مركزاً لنشر الإصلاحات الاقتصادية    "الأمر بالمعروف" في أبها تواصل نشر مضامين حملة "اعتناء"    أسرتا باهبري وباحمدين تتلقيان التعازي في فقيدتهما    الخريجي يلتقي نائب وزير الخارجية الكولومبي    رئيس "الغذاء والدواء" يلتقي شركات الأغذية السنغافورية    الوحدة يحسم لقب الدوري السعودي للدرجة الأولى للناشئين    أرمينيا تتنازل عن أراضٍ حدودية في صفقة كبيرة مع أذربيجان    سلام أحادي    تجمع مكة المكرمة الصحي يحقق انجاز سعودي عالمي في معرض جنيف الدولي للاختراعات 2024    حائل.. المنطقة السعودية الأولى في تطعيمات الإنفلونزا الموسمية    نوادر الطيور    التعريف بإكسبو الرياض ومنصات التعليم الإلكتروني السعودية في معرض تونس للكتاب    أمير عسير يتفقد مراكز وقرى شمال أبها ويلتقي بأهالي قرية آل الشاعر ببلحمّر    بطاقة معايدة أدبية    ضيوف الرحمن يخدمهم كل الوطن    أفضل أدوية القلوب القاسية كثرة ذكر الله    إخلاص العبادة لله تشرح الصدور    مساعد وزير الدفاع يزور باكستان ويلتقي عددًا من المسؤولين    ضبط مقيم بنجلاديشي في حائل لترويجه (الشبو)    "الأرصاد" ينبه من هطول أمطار غزيرة على منطقة مكة    تخلَّص من الاكتئاب والنسيان بالروائح الجميلة    غاز الضحك !    أمير الباحة: القيادة حريصة على تنفيذ مشروعات ترفع مستوى الخدمات    محافظ جدة يشيد بالخطط الأمنية    أمير منطقة الرياض يرعى الحفل الختامي لمبادرة "أخذ الفتوى من مصادرها المعتمدة"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صدام حسين ..قصة صعود تنتهي بمأساة عربية
قبل أن تضع الحرب أوزار ها النهائية
نشر في اليوم يوم 19 - 03 - 2003


الفصل الأخير
صدام حسين ديكتاتور ام بطل؟
بعد ثلاثة عقود في السلطة يواجه الرئيس العراقي صدام حسين الذي ينظر اليه كديكتاتور في الغرب، معركة البقاء من خلال حرب تعتزم ان تخوضها الولايات المتحدة ضده وكنها قد تجعل منه بطلا. واكد صدام حسين الذي ينظر الى موقعه في التاريخ انه مصمم على الموت في بلاده في حال شنت الحرب. ومن المفارقات ان الغرب الذي يكره صدام حسين ساعده في مغامرته العسكرية ضد ايران. وحين غزا الكويت جعل صدام من بلاده، وهى مهد الحضارات، دولة فقيرة وخارجة عن القانون وذلك بالرغم من ثرواتها الهائلة. ولو كانت الامم المتحدة قد نجحت في اقناعه بالتخلي عما تبقى من اسلحته وفي ابعاد الرئيس الاميركي جورج بوش من طريقه لكان الرجل ذي ال 65 سنة خرج من هذه المواجهة بطلا. وصدام حسين الذي يحيط نفسه بهالة شبيهة بتلك التي كانت للزعيم الصيني ماو تسي تونغ والزعماء السوفيات لا يتردد في تشبيه نفسه بصلاح الدين الايوبي الذي حرر القدس من الصليبيين سنة 1187. وهذا ما يجعل المحللين يؤكدون ان الرجل الذي عمل على تركيز كل السلطات في يده لن يقبل الرحيل الى المنفى. ورغم قبوله تدمير صواريخ الصمود 2 تحت ضغط الامم المتحدة فانه يبدو متمسكا بالسلطة في بلاده التي يحكمها حزب البعث ذي الانتشار الواسع في العراق والذي مكنه في اكتوبر من اعادة انتخابه رئيسا بنسبة مئة بالمئة من الاصوات. وتخللت حياة صدام القروي الفقير الذي لم يعرف اباه وقام خاله بتربيته، سلسلة من المصاعب. ويقول دبلوماسيون ان صدام حسين الذي خاض حربا دامية ضد ايران من 1980 الى 1988 وهزم في حرب الخليج الثانية 1991، لديه قدرة فائقة على تجاوز المحن.. وتكرست سلطته من خلال العديد من المعارك.
فقد ألقت الولايات المتحدة سيلا من القنابل والصواريخ على بغداد في ديمسبر 1998. كما هطلت على راسه القنابل سنة 1996 وسنة 1993 لكنه كان في كل مرة يخرج منها سالما مؤكدا انه انتصر.
وكانت الولايات المتحدة وبريطانيا تريدان معاقبته على رفضه التعاون مع عملية نزع اسلحته التي يؤكد اليوم انه متعاون في تنفيذها.
وتعرب واشنطن ولندن عن الامل في ان تتم الاطاحة به من خلال انتفاضة داخلية غير ان الرجل تمكن من مواجهة كل محاولة تمرد.
ولا يتسامح صدام حسين مع اي انشقاق وكثيرا ما يلجأ لعمليات تطهير ولا يتردد في ارسال معارضيه الى المنفى او الى حتفهم. ويشير المدافعون عن حقوق الانسان الى القسوة التي تميز نظامه.. ويشجع نظامه الوشايات ويحكم قبضته على وسائل الاعلام.. والرجل "الذي يثير الخوف" اليوم والذي كان قد اخفق في اختبار لتعيين ضباط في شبابه، يتمتع الان برتبة ماريشال وبمنصب القائد الاعلى للقوات المسلحة التي يتهددها خطر الدمار. وصرح صدام حسين في الآونة الاخيرة لشبكة تلفزيون اميركية "سنموت هنا في هذا البلد ونحافظ على شرفنا الذي ندين به لشعبنا". وقد بدأ العراق الاستعداد لاحياء عيد ميلاد رئيسه صدام حسين المولود في 28 ابريل،السادس والستين.
* أ.ف.ب
صدام حسين الناشط الشاب 1957-1979
بدأ صدام حياته السياسية كناشط شاب، لكنه ارتقى ليكون نائبا لرئيس الجمهورية وممسكا بزمام الأمور.. في عام 1957 انتمى صدام حسين، القادم من قرية قرب تكريت شمالي العراق، إلى حزب البعث الذي كان يعمل سرا في تلك الفترة في العراق الذي كان يبشر بفكرة الاشتراكية العربية.
وكانت بريطانيا تدير العراق في الفترة بين عام 1920 و عام 1932 بحكم نظام الانتداب الذي أقرته عصبة الأمم، إلا أنها مارست دورا سياسيا كبيرا لفترة طويلة بعد تلك الفترة. إلا أن المشاعر المعادية للغرب كانت قوية.
وفي عام 1959 شارك صدام حسين الشاب في محاولة فاشلة لاغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم، وهو الضابط الذي أطاح بالملكية في العراق وأقام النظام الجمهوري عام 1958.
فر صدام حسين إلى مصر بعد فشل محاولة الاغتيال التي استهدفت عبد الكريم قاسم لكنه عاد إلى العراق بعد أن تسلم حزب البعث السلطة في انقلاب عسكري عام 1963، إلا أنه وضع في السجن بعد تسعة أشهر عندما انقلب العقيد عبد السلام عارف على حزب البعث وأبعده عن السلطة.
تمكن صدام حسين من الهرب من السجن عام 1966 وانتخب عضوا في القيادة القطرية ومساعدا للأمين العام لحزب البعث، الذي تمكن في عام 1968 من السيطرة على الحكم عبر انقلاب عسكري.
أصبح اللواء أحمد حسن البكر، وهو من تكريت أيضا ومن أقارب صدام حسين، رئيسا للجمهورية. وكان عمر صدام آنذاك 31 عاما. عمل البكر وصدام معا وأصبحا القوة المهيمنة على حزب البعث، إلا أن زعامة صدام أخذت في التفوق على زعامة الرئيس البكر.
صدام نائب صارم للرئيس 1968-1979
أجرى صدام حسين، بصفته نائبا للرئيس أحمد حسن البكر، تغيرات واسعة النطاق وأقام أجهزة أمنية صارمة.
وقد أثارت سياسات كل من صدام والبكر قلقا في الغرب. ففي عام 1972، وفي أوج ذروة الحرب الباردة، عقد العراق معاهدة تعاون وصداقة أمدها 15 عاما مع الاتحاد السوفيتي. كما أمم شركة النفط الوطنية، التي تأسست في ظل الإدارة البريطانية، والتي كانت تصدر النفط الرخيص إلى الغرب.
وقد استثمرت بعض أموال النفط عقب الفورة النفطية التي أعقبت أزمة عام 1973، في الصناعة والتعليم والعناية الصحية، مما رفع المستوى المعيشي في العراق إلى أعلى مستوى في العالم العربي.
وفي عام 1974، ثار الأكراد في الشمال بدعم من شاه إيران الذي تؤيده الإدارة الأمريكية. وقد دفع الصراع الحكومة العراقية إلى طاولة المفاوضات مع إيران، إذ وافقت على تقاسم السيطرة على شط العرب الممر المائي الواقع جنوبي العراق وجنوب غربي إيران. مقابل ذلك أوقف شاه إيران تقديم الدعم المادي للأكراد في شمال العراق مما مكّن النظام العراقي من إخماد الانتفاضة الكردية.
وقد تمكن صدام حسين من إحكام قبضته على السلطة من خلال تعيين أقاربه وحلفائه في المناصب الحكومية المهمة، بالإضافة إلى مراكز التجارة والأعمال.
وفي عام 1978، أصبح الانتماء إلى أي من أحزاب المعارضة جريمة يعاقب عليها القانون العراقي بالإعدام. وفي العام التالي أجبر صدام حسين المهيب أحمد حسن البكر على الاستقالة-السبب الرسمي للاستقالة هو لأسباب صحية- وتولى رئاسة البلاد.
وقد أقدم صدام على إعدام العشرات من منافسيه في قيادة الحزب والدولة خلال أيام من وصوله إلى الرئاسة.
الحرب العراقية الإيرانية
تدهورت العلاقات بين العراق وإيران إثر قيام الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979. وكان الهجوم العراقي على الأراضي الإيرانية بداية لحرب دامت ثماني سنوات.
ففي سبتمبر 1980 رد العراق على سلسلة من المناوشات مع إيران بتصعيد استحال إلى غزو بري واسع النطاق لمحافظة خوزستان الحدودية الإيرانية الغنية بالنفط.
وفي نهاية الشهر نفسه مزق صدام اتفاق الجزائر الذي وقعه بنفسه حينما كان نائبا للرئيس العراقي آنذاك، مع شاه إيران عام 1975. واستعاد العراق نصف شط العرب الذي تنازل عنه لإيران بموجب ذلك الاتفاق.
وما أن بدأت الحرب حتى شرعت قوات البلدين بحملة قصف متبادل.
واستبدلت الثورة الإيرانية نظام حكم الشاه رضا بهلوي الموالي للغرب والمدعوم من قبله بنظام إسلامي.
وسعى الزعيم الإيراني، آية الله خميني، إلى تصدير الثورة الإيرانية للدول المجاورة بما في ذلك العراق، مما ساعد على تصاعد المعارضة في العراق حتى وصلت ذروتها في محاولة اغتيال طارق عزيز، نائب رئيس الوزراء، في أبريل عام 1980.
لكن وجهات النظر حول الدافع للغزو العراقي لأراضي البلد المجاور تفاوتت بين الاعتقاد بأن السبب هو التململ الداخلي، والرغبة في الدفاع عن بلدان المنطقة من تصدير الثورة الإيرانية، ومجرد انتهاز فرصة ضعف إيران بعد الثورة لتحقيق المزيد من النفوذ والسلطة.
القصف الإسرائيلي للمفاعل النووي
بينما كانت الحرب مستعرة بين العراق وإيران، نفذت الطائرات الإسرائيلية هجوما على المفاعل النووي العراقي الواقع بالقرب من بغداد، بالرغم من رفع النظام الإسلامي في إيران راية معاداة الصهيونية.
وكان العراق قد سعى إبان السبعينات إلى إقناع فرنسا ببيعه مفاعلا نوويا مشابها للمفاعل المستخدم في برنامج الأسلحة النووية الفرنسي.
لكن باريس رفضت ذلك، ووافقت فقط على بيع المعدات والمساعدة في بناء مفاعل تموز للبحوث بقدرة 40 ميغاوات، في مركز الطاقة الذرية العراقي في التويثة بالقرب من بغداد.
وأغارت الطائرات الإسرائيلية (أف - 16) على مفاعل تموز وحولته إلى أنقاض.
وبررت إسرائيل، التي كان مناحيم بيغن رئيس وزرائها آنذاك، قصف المفاعل بأن العراق كان يطور أسلحة نووية.
وقال الجيش الإسرائيلي إن الغارة أعادت المارد النووي في بغداد إلى قمقمه.
لكن القصف أدين، حينئذ، على نطاق واسع حتى من قبل الحليف التقليدي لإسرائيل أي الولايات المتحدة التي دعمت قرارا للأمم المتحدة بتوبيخ إسرائيل.
الحرب الكيماوية
أكد خبراء في الأمم المتحدة عام 1986 إن العراق انتهك معاهدة جنيف باستخدامه الأسلحة الكيماوية ضد إيران.
ويعرف أن العراق استخدم غاز الخردل اعتبارا من عام 1983 وغاز الأعصاب (التابون)، الذي يقتل ضحاياه خلال دقائق، اعتبارا من 1985، وذلك أثناء مواجهته ما يسمى هجمات الموجات البشرية التي استخدمتها القوات الإيرانية بزج أعداد كبيرة من المتطوعين غير المدربين لكن الموالين للحكم الإيراني.
وفي عام 1988 استخدمت بغداد أسلحتها الكيماوية ضد الأكراد العراقيين في شمال البلاد، حيث وقفت بعض الميليشيات التركية إلى جانب الهجوم الإيراني.
وقد ألقت الطائرات العراقية في 16 مارس من ذلك العام قنابل تحتوي على غاز الخردل والسارين والتابون على مدينة حلبجة الكردية.
ويقدر عدد القتلى بين 3200 شخص إلى 5 آلاف شخص، وإصابة الكثيرين بمشاكل صحية طويلة الأمد.
كما استخدمت الأسلحة الكيماوية خلال ما أطلقت عليه بغداد عمليات الأنفال وهي حملة نفذت خلالها سياسة الأرض المحروقة على مدى سبعة أشهر.
ويقدر عدد الضحايا الأكراد في هذه العمليات ب 50 ألفا إلى 100 ألف قروي بين قتيل ومفقود. وأزيلت مئات القرى عن الوجود.
وقد أصدر مجلس الأمن قرارا بإدانة استخدام العراق للسلاح الكيماوي. لكن الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية لم توقف مساندتها السياسية والعسكرية لبغداد إلا في المراحل النهائية من الحرب.
الدعم الغربي
تقاربت العلاقات بين الغرب والعراق في فترة الحرب، وبلغ هذا التقارب ذروته بتدخل الغرب في الحرب إلى جانب العراق.
كان الغرب يخشى من تزايد قوة النظام الإسلامي للمرشد الروحي للثورة الإيرانية آية الله الخميني وأراد أن يحول دون انتصار إيران في الحرب.
وأزالت الولايات المتحدة العراق من على قائمة الدول الراعية للإرهاب عام 1982.. وبعد عامين أعادت علاقاتها الدبلوماسية مع بغداد بعد أن كانت قد قطعتها منذ حرب يونيو حزيران عام 1967 بين العرب وإسرائيل.
وكان الاتحاد السوفييتي، الحليف الرئيسي للعراق هو المصدر الرئيسي لأسلحته.
إلا أن عدة دول غربية من بينها بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة أمدت العراق بالأسلحة والمعدات العسكرية، كما تبادلت واشنطن المعلومات الاستخباراتية مع نظام الرئيس العراقي، صدام حسين.
إلا أن فضيحة إيران-كونترا، التي تتلخص في الكشف عن قيام الولايات المتحدة ببيع أسلحة إلى إيران سرا أملا في الحصول على مساعدة إيران في إطلاق سراح رهائن في لبنان، أثارت خلافا بين الولايات المتحدة والعراق.
وفي المراحل النهائية من الحرب، حول العراق وإيران نيران أسلحتهما إلى ناقلات النفط التجارية في الخليج لتخريب مكاسب كل منهما من الصادرات النفطية.
وأرسلت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا سفنها الحربية الى الخليج لترافق عدة ناقلات نفط كويتية كانت تواجه هجمات إيرانية كما وضعت عليها أعلاما أمريكية.
ومع تطور حرب ناقلات البترول، دمرت الولايات المتحدة عددا من منصات النفط الإيرانية كما أسقطت طائرة ركاب إيرانية تقل 290 شخصا فيما قالت واشنطن انه حادث وقع نتيجة الخطأ.
الهدنة والديون
في 18 يوليو عام 1988 وافقت إيران على هدنة اقترحتها الأمم المتحدة في مواجهة الهجمات العراقية المستمرة والمدعومة من الغرب.
وبدأ سريان وقف إطلاق النيران في 20 أغسطس عقب شهر من الموافقة الإيرانية، وأرسلت الأمم المتحدة قوات دولية لحفظ السلام.
وبنهاية الحرب لم تتغير حدود البلدين تغييرا كبيرا لكن كلا من العراق وايران شعرتا بثقل التكاليف البشرية والاقتصادية الهائلة لثمانية أعوام من الحرب.
وحصدت الحرب أرواح نحو 400 ألف شخص من الجانبين كما خلفت نحو 750 ألف مصاب. وكانت جثث ضحايا الحرب لا تزال تكتشف حتى عام 2001.
وتقدر قيمة الخسائر الاقتصادية وخسائر عائدات النفط لكل من البلدين بأكثر من 400 مليار دولار.. إلا انه بعد ثلاثة أعوام من انتهاء الحرب وفي عام 1991 وبعد شهر واحد من الغزو العراقي للكويت وافق العراق على الالتزام باتفاقية عام 1975 التي وقعها مع إيران.
غزو الكويت عام 1990
في الساعة الثانية صباحا بالتوقيت المحلي تدفقت القوات العراقية عبر الحدود الى الكويت وسيطرت على مدينة الكويت العاصمة.
وزعم الرئيس العراقي صدام حسين أن الغزو تأييد لانتفاضة مزمعة ضد أمير الكويت لكن قتل واغتصاب الكويتيين الذين قاوموا القوات العراقية كان أمرا منتشرا.
واحتجز عدة مئات من المواطنين الأجانب في المصانع العراقية والكويتية والقواعد العسكرية، لكن أطلق سراحهم قبل الحملة التي شنها التحالف الغربي لطرد القوات العراقية من الكويت.
وجاء الغزو وسط أزمة اقتصادية حادة يعيشها العراق بسبب الديون التي تراكمت عليه عقب انتهاء حربه مع إيران.
واتهم صدام حسين الكويت بتعمد تخفيض أسعار النفط وضخ كميات أكبر من حصتها من النفط من الحقول النفطية المشتركة بينهما. وافتعل ازمة لغزو الكويت واحتلالها.
وفرضت الأمم المتحدة عقوبات اقتصادية على العراق وأصدر مجلس الأمن عددا من القرارات التي تدين بغداد.
وفي نوفمبر عام 1990 مع فشل المحاولات الدبلوماسية لحل الأزمة وضعت الأمم المتحدة مهلة للعراق للانسحاب من الكويت وفوضت باستخدام جميع السبل الضرورية لإجبار العراق على تنفيذ القرارات الدولية.
وشكل تحالف دولي ضخم واحتشد مئات الآلاف من الجنود في منطقة الخليج. ووضعت الولايات المتحدة خطة عسكرية للحرب بقيادة الجنرال نورمان شوارتسكوف قائد أركان القيادة المركزية الأمريكية.
عاصفة الصحراء
في 17 يناير 1991 شنت طائرات الحلفاء حملة مكثفة من القصف الجوي والضربات الصاروخية على العراق.
واعلن صدام حسين إن أم المعارك تجري الآن.
وقد استخدمت في تلك الحرب صواريخ كروز لأول مرة حيث كانت تطلق من سفن حربية أمريكية في منطقة الخليج.
وكانت الصور التي يلتقطها البنتاجون للصواريخ المنطلقة وهي تتجه نحو أهدافها، تبث في جميع أنحاء العالم.
وقد انطلقت الطائرات المقاتلة والقاذفة والمروحيات التابعة للحلفاء لتدمر مئات الأهداف.
وتراوحت هذه الأهداف من المقار العسكرية والقواعد الجوية وحتى الجسور والمباني الحكومية والأجهزة الإعلامية ومراكز الاتصالات ومحطات الطاقة.
ونفذت طائرات التحالف أكثر من 116 ألف طلعة على العراق وألقت ما وزنه 85 ألف طن من القنابل.
وكانت نسبة 10 % من هذه القنابل مما يعرف بالقنابل الذكية وهي التي توجه نحو أهدافها عن طريق أشعة ليزر موجهة من طائرة ثانية.
صواريخ سكود
في 17 يناير نفذ العراق أول غارات بصواريخ سكود استهدفت تل أبيب وحيفا في إسرائيل.. وقد أسقطت صواريخ باتريوت الأمريكية صاروخا آخر من نفس النوع أطلقه العراق على القوات الأمريكية.
وقالت إسرائيل إنها لن تنجر إلى القيام برد على الصواريخ العراقية واعتمدت بدلا من ذلك على حماية صواريخ باتريوت الأمريكية التي نشرت حول إسرائيل بسرعة. كما بدأت القوات الأمريكية حملة محمومة لتعقب منصات إطلاق صورايخ سكود العراقية وتدميرها في كافة أرجاء العراق.
كما أطلق العراق 39 صاروخا من هذا النوع على إسرائيل أسفرت عن بعض الخسائر المادية وقليل من الخسائر في الأرواح. ولم يتورع صدام عن اطلاق صواريخه الى مدن المملكة كالرياض والظهران.
وتحدث لاجئون وصلوا إلى الحدود الأردنية من العراق عن قتلى مدنيين وقالوا إن إمدادات الكهرباء والمياه انقطعت عن بغداد.
وثار خلاف حول مصنع دمرته الطائرات الأمريكية وقال العراق إنه مصنع لحليب الأطفال.. لكن رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة وقتها، الجنرال كولن باول قال إن المصنع الذي دمر كان منشأة لتصنيع الأسلحة البيولوجية. وفي يوم الأربعاء 13 فبراير ألقت طائرة أمريكية من طراز الشبح قنبلتين موجهتين بأشعة الليزر على ما وصفه الحلفاء بأنه مركز للقيادة والسيطرة في مخبأ تحت الأرض. هو ملجأ العامرية
لكن تبين أن الهدف المقصوف لم يكن سوى ملجأ للمدنيين العراقيين كانوا يحتمون به من الغارات الجوية وقتل في الهجوم 315 شخصا بينهم 130 طفلا. وفي تلك الأثناء استغل صدام حسين أخطاء الحلفاء لتحقيق أكبر المكاسب الدعائية، كما اعتقل مزيدا من المدنيين الكويتيين لاستخدامهم كدروع بشرية في المنشآت العسكرية والصناعية في العراق.
الحرب البرية
في يوم الأحد 24 فبراير 1991، شنت القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها هجوما بريا وجويا وبحريا كبيرا اكتسح القوات العراقية وانزل بها الهزيمة في غضون 100 ساعة.
وكانت الحكومة العراقية قد تجاهلت في اليوم السابق إنذارا نهائيا بسحب قواتها من الكويت، كما تم إضرام النيران في العديد من آبار النفط الكويتية.
اجتازت القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها حدود الكويت والعراق من محاور عدة، وتوجهت مئات الدبابات شمالا لملاقاة قوات الحرس الجمهوري العراقية.
وقامت قوات أخرى بفرض سيطرتها على طريق بصرة-كويت الرئيسية قاطعة بذلك خط الإمدادات عن القطاعات العراقية المتمركزة في الكويت. وفي نفس الوقت، أمرت قطاعات من مشاة البحرية الأمريكية بدخول الكويت أيضا.
وأعلن العراق في 26 فبراير عن سحب قواته من الكويت، ولكنه واصل رفضه قرارات الأمم المتحدة الصادرة بحقه.
وقام الأمريكيون وحلفاؤهم بقصف مركز من الجو للطريق العام بين الكويت والحدود العراقية، حيث قتلوا الآلاف من العسكريين العراقيين المنسحبين فيما اصبح يعرف بطريق الموت.
ويعتقد أن الجيش العراقي تكبد خسائر تتراوح بين 25 ألفا و30 ألف قتيل خلال الحرب البرية.
اتفاق وقف إطلاق النار
في 27 فبراير 1991، رحب كويتيون فرحون بطلائع القوات الأمريكية والمتحالفة معها عند دخولها مدينة الكويت العاصمة.
وكانت وحدات من القوات الخاصة أولى القوات الغربية التي دخلت الكويت، وتبعتها قطاعات من مشاة البحرية الأمريكية.
وقد أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش في الساعة التاسعة من مساء ذلك اليوم إن وقفا لإطلاق النار سيسري اعتبارا من الرابعة صباح اليوم التالي.
وكانت القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها قد أسرت أثناء ذلك عشرات الألوف من الجنود العراقيين الذين استسلموا للقوات المهاجمة دون مقاومة تذكر. ويقدر الأمريكيون أن زهاء 150,000 من العسكريين العراقيين كانوا قد فروا من وحداتهم.
أما خسائر الأمريكيين وحلفائهم، فلم تتجاوز 48 قتيلا جراء العمليات الحربية و145 آخرين قتلوا جراء ما وصف بحوادث لا قتالية.
ومن ناحية أخرى، يقدر الأمريكيون وحلفاؤهم أن الجيش العراقي تكبد خسائر تراوحت بين 60 ألفا الى 200 ألف قتيل. وقد دفن قتلى العراق في مقابر جماعية في الصحراء.
وفي الثاني من شهر مارس آذار اصدر مجلس الأمن قرارا جديدا حدد شروط وقف إطلاق النار، التي تضمنت وقفا لكل العمليات العسكرية وإلغاء العراق لقراره بضم الكويت، وقيام بغداد بتزويد الأمم المتحدة بمعلومات كاملة عن الأسلحة الكيماوية والجرثومية التي يمتلكها، وإطلاقه سراح كافة الأسرى، واعترافه بالمسؤولية عن الخسائر والأضرار التي نشأت عن احتلاله للكويت.
وفي اليوم التالي، 28 مارس ، قبل القادة العراقيون رسميا شروط وقف إطلاق النار في اجتماع مع القادة العسكريين الأمريكيين جرى في خيمة نصبت بالقرب من بلدة صفوان الحدودية.. ولم يحضر الرئيس العراقي صدام حسين هذا الاجتماع.
الانتفاضات التي اندلعت منذ عام 1991
فور قبول العراق قرار وقف إطلاق النار، بدأت الانتفاضات تنتشر من المناطق المنشقة في شمال وجنوبي البلاد.
فقد قام سكان البصرة، والنجف وكربلاء جنوبي البلاد بمظاهرات احتجاج ضخمة ضد النظام .. كما تمكن الأكراد في الشمال من إقناع القيادة العسكرية المحلية بالمنطقة بتغيير الولاء. وكانت السليمانية أولى المدن الكبرى التي سقطت في أيديهم.
وفي غضون أسبوع سيطر الأكراد على مناطق الحكم الذاتي الكردية ومنطقة كركوك الغنية بحقول النفط.
وفي منتصف فبراير ، دعا الرئيس الأمريكي جورج بوش الشعب العراقي لأن يأخذ بزمام الأمور في يده، ولكن الآمال بالحصول على دعم أمريكي لم تتحقق. وبدلا من ذلك، وصلت طائرات حربية عراقية قامت بقصف مكثف لتلك المناطق.
وتقول جماعة إندايت التي تدعو لمحاكمة القادة العراقيين بتهم ارتكاب جرائم حرب، إن المتمردين قد اعدموا جماعيا، وإن المستشفيات والمدارس والمساجد والأضرحة وطوابير اللاجئين الفارين قد تعرضت للقصف.
وتقول الولايات المتحدة، التي تعرضت لانتقادات شديدة لسماحها لصدام حسين باستمرار استخدام قواته الجوية، إن ما بين ثلاثين ألفا وستين ألف عراقي قد لقوا حتفهم.
وفي الشمال، فر نحو مليون ونصف المليون كردي عبروا الجبال إلى إيران وتركيا. وقد ساهمت الظروف المناخية السيئة والتضاريس الصعبة في زيادة معاناة اللاجئين وخلقت كارثة إنسانية. وقد نظمت الأمم المتحدة عقب ذلك عملية إغاثة ضخمة سمتها توفير المأوى، قامت خلالها بإسقاط الأغذية ومواد الإعاشة الضرورية للاجئين.
الأضرار البيئية لحرب 1991
تسببت حرب الخليج في واحدة من أسوأ الكوارث البيئية التي شهدها العالم.
ففي أثناء القصف الجوي المركز الذي تعرض له العراق على يد القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها، قامت القوات العراقية المتمركزة في الكويت بفتح صنابير آبار النفط الكويتية وسكب كميات من النفط الخام تبلغ ثمانية ملايين برميل في مياه الخليج.
كما أضرم العراقيون النار في 600 بئر على الأقل، مما نتج عنه غمامة سوداء من الدخان غطت سماء الإمارة. وقد تطلبت عملية اتقاء هذه الحرائق جهودا مضنية بذلها متخصصون في هذا المضمار (من أمثال خبير إطفاء الحرائق النفطية الأمريكي ريد أدير وغيره) على مدى ستة شهور.
أما البحيرات الزيتية التي تشكلت في صحراء الإمارة، فقد استغرقت عملية تنظيفها سنوات عديدة. الى ذلك، تأثرت الثروة الحيوانية في الكويت بما فيها الطيور والسلاحف النادرة والجزر المرجانية أيما تأثر بالنفط المتسرب الى البحر.
ويعتقد أطباء كويتيون أن نسب الإصابة بأمراض متعددة كالسرطان وأمراض القلب والأمراض التي تصيب الجهاز التنفسي قد ارتفعت ارتفاعا ملحوظا بسبب الدخان الكثيف الناتج عن حرائق النفط.
أما في العراق، فقد أثار التلوث الناتج عن استخدام القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها للذخيرة المصنوعة من مادة اليورانيوم الناضب قلقا شديدا.
ويقول العراقيون إن الإشعاع الناتج عن استخدام هذا النوع من الذخائر قد تسبب في ارتفاع نسبة الإصابة بالأمراض السرطانية والتشوهات الخلقية تسعة أضعاف في المناطق الجنوبية من البلاد وعلى الأخص المناطق المحيطة بمدينة البصرة.
ويؤكد العديد من الجنود الأمريكيين والبريطانيين ممن شاركوا في القتال ما ذهب إليه العراقيون، ويعزون الأعراض التي ما فتئوا يعانون منها الى مادة اليورانيوم الناضب تلك.
وبالرغم من عدم التحقق من صحة هذه الادعاءات، فإنه مما لا شك فيه إن اليورانيوم الناضب معدن ثقيل سام يسبب تلوثا طويل الأجل جدا.
مرض حرب الخليج
ابلغ عشرات الآلاف من الجنود الذين شاركوا في حرب عاصفة الصحراء المعروفة باسم حرب الخليج الثانية عن إصابتهم باعتلالات صحية منذ الحرب.
وأدت هذه الاعتلالات الى إصابة هؤلاء الرجال بالوهن بعد أن كانوا في السابق في أوج صحتهم ولياقتهم.
ومنذ الإعلان أول مرة عن مرض حرب الخليج في خريف عام 1991 فإن هؤلاء المحاربين القدامى يخوضون معركة أخرى لكي يتم الاعتراف بأن الأعراض التي يعيشونها ترتبت على مشاركتهم في الحرب.
وأبرز هذه الأعراض التي أصابتهم الإرهاق المزمن والصداع وعدم التركيز وآلام العضلات والمفاصل والغثيان وتضخم الغدد والحمى.
ومازالت هذه القضية محل خلاف بين مؤيدين لوجود ما يسمى مرض حرب الخليج والمعارضين لفكرة وجوده.
وينقسم مؤيدو وجود هذا المرض الى فريقين، يلقي أولهما باللائمة في هذه الأعراض على التحصينات التي حصل عليها الجنود لحمايتهم من الهجمات بالأسلحة الكيماوية والبيولوجية.
بينما يشير الفريق الآخر الى أن السبب هو الأسلحة التي استخدم فيها اليورانيوم المنضب والمبيدات العضوية التي كانت تستخدم لحماية الجنود من الحشرات والهوام.
أما المعارضون فيقولون إن الاحصاءات لا تشير الى أن هؤلاء المحاربين يعانون ارتفاع نسبة الإصابة بالمرض أو انهم مصابون بأعراض التوتر التي تعقب التعرض لصدمات أو أزمات.
وتقول وزارة الدفاع البريطانية إنه في بعض الحالات كانت هناك علاقة واضحة بين الإصابة بهذه الأعراض وتأدية الخدمة العسكرية في منطقة الخليج إلا أنها لا تعترف بوجود حالة صحية منفصلة يمكن أن تعرف بأعراض حرب الخليج.
أما وزارة الدفاع الأمريكية فتقول ان الأبحاث لم تكتشف سببا معينا لهذه الأعراض.
المفقودون الكويتيون منذ 1991
مازال هناك 600 شخص، معظمهم كويتيون، مفقودون منذ انتهاء حرب الخليج الثانية.. ويعتقد أن هؤلاء المفقودين ومعظمهم من المدنيين تم احتجازهم خلال الغزو العراقي للكويت أو أثناء الحرب نفسها.
ويقول العراق انه لم يعد لديه أي علم بمكان السجناء الأجانب في أعقاب الانتفاضة التي شهدها جنوب البلاد في مارس عام 1991.. ويضيف ان اكثر من ألف عراقي ما زالوا مفقودين بدورهم، ولكن مسئولي الصليب الأحمر قاموا بتفتيش السجون الكويتية ولم يعثروا سوى على 40 عراقيا أدينوا في جرائم عادية.
ومازالت أسر الكويتيين المفقودين يعيشون على أمل عودتهم رغم انقضاء اكثر من عشرة أعوام على انتهاء الحرب.
وتواصل الحكومة الكويتية حملة بشأن هذه القضية، ولكن على الرغم من جهود لجنة دولية معنية بشأنها الى جانب اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلا أن مصير هؤلاء المفقودين ما زال غير معروف.
الاحتواء
مارست كل من الولايات المتحدة وبريطانيا ما عرف بسياسة الاحتواء للعراق عن طريق مناطق حظر الطيران شمالي وجنوبي العراق الى جانب فرض عقوبات اقتصادية على العراق وعمليات التفتيش على الأسلحة العراقية.
وقررت الأمم المتحدة إجراء عمليات تفتيش على الأسلحة العراقية بمقتضى قرار أجازه مجلس الأمن في إبريل عام 1991.
وبدأت عمليات التفتيش في شهر يونيو من العام نفسه واستمرت لأكثر من سبع سنوات تم خلالها تدمير العديد من الأسلحة المحظورة وتفكيك معدات إنتاجها.
وتم إعلان المنطقة المحظورة في شمال العراق في مارس عام 1991 لحماية أكراد العراق بعد ان تمكن نظام الرئيس العراقي صدام حسين من إخماد انتفاضتهم التي أعقبت انتهاء حرب الخليج الثانية.
وتم فرض منطقة مماثلة في جنوبي العراق في عام 1992 بعد ان واصلت القوات العراقية هجماتها ضد سكان المنطقة.. وقامت الطائرات الأمريكية بالتحليق في هاتين المنطقتين منذ هذا التاريخ حيث شنت غارات في مناسبات عديدة ضد الدفاعات الجوية العراقية المتمركزة بهما في كل مرة استهدفتها هذه الدفاعات.
وفي يونيو عام 1993 أصدر الرئيس الأمريكي بيل كلينتون تعليمات بتوجيه ضربات جوية لمقر المخابرات العراقية ردا على محاولة لاغتيال سلفه جورج بوش الأب قبل هذا بشهرين أثناء زيارة قام بها للكويت.
وكان عدد من المشتبه فيهم الذين ألقي القبض عليهم لعلاقتهم بانفجار سيارة كان يستهدف بوش قد اعترفوا بأنهم يعملون لصالح المخابرات العراقية.
النفط مقابل الغذاء
قدمت الأمم المتحدة مشروع النفط مقابل الغذاء لمواجهة أثر العقوبات الاقتصادية على شعب العراق.
جاءت العقوبات إضافة إلى التدمير الجسيم الذي لحق بالبنية التحتية للبلاد، فكان الأثر بالغا.
لكن كان من الصعب معرفة مدى مسؤولية العقوبات عن الفقر والحرمان الذي عاناه العراقيون منذ حرب الخليج.. وقدرت اليونيسيف عام 1999 أن معدل وفيات الأطفال في العراق تضاعف منذ الفترة التي سبقت حرب الخليج.
لكن صدام حسين تلاعب أيضا بالتقارير التي تناولت وفيات أطفال عراقيين في مستشفيات فقيرة الإعداد، وبدا واضحا أن النخبة العراقية ظلت تتمتع بالرفاهية، وأن الإنفاق العسكري بقي عاليا.
وكانت الأمم المتحدة قد عرضت عام 1991 السماح للعراق ببيع كمية صغيرة من النفط في مقابل إمدادات إنسانية. لكن صدام لم يقبل بالعرض إلا حين وصل إلى ملياري دولار عام 1995.
ويعني برنامج النفط مقابل الغذاء أن العراقيين يستطيعون بسهولة الحصول على حاجاتهم اليومية الأساسية، رغم أن شحنات الطعام لم تصل حتى مارس - آذار من عام 1997.
وفي عام 1998، استقال منسق البرنامج، دينيس هاليداي، قائلا إن العقوبات مفهوم مفلس وتضر بالأبرياء.
كما ترك خلفه، هانز فون سبونيك، منصبه عام 2000، قائلا إن العقوبات أوجدت مأساة إنسانية حقيقية.
وكان سقف مبيعات النفط العراقي قد صار مفتوحا عام 1999، لكن بقيت المراقبة الصارمة للواردات ذات الاستخدام المزدوج، التي يمكن أن تستخدم في تصنيع الأسلحة المحظورة.
ثعلب الصحراء
في ديسمبر 1998، شنت الولايات المتحدة وبريطانيا حملة قصف لأهداف عراقية استمرت ثلاثة أيام.
وقد شهدت الاشهر الثلاثة السابقة للحملة أزمة محتدمة في العلاقة بين هيئة التفتيش الدولية، أونسكوم، والنظام العراقي.. وأعاق العراق عمل المفتشين الدوليين، رافضا السماح لهم بزيارة ما يسمى القصور الرئاسية، ورافضا التعاون معهم.. واتهم مرارا أعضاء فريق التفتيش بالتجسس لصالح أمريكا وإسرائيل.
وقد اعترفت الأمم المتحدة لاحقا بأن مفتشين كانوا يمررون معلومات إلى أجهزة الاستخبارات الأمريكية.
وفي غضون ساعات، سحب المفتشون الدوليون من بغداد وبدأت الضربات الجوية. وكان الهدف المعلن رسميا من حملة التفجير والقصف باستخدام صواريخ كروز التي أصابت 100 هدف في مختلف أنحاء العراق هو حرمان صدام حسين من القدرة على إنتاج أسلحة تدمير شامل.
وشملت الأهداف، بالإضافة إلى المواقع التي لها علاقة بإنتاج أسلحة كيماوية وبيولوجية، مواقع الشرطة السرية وقوات الحرس الجمهوري، وقواعد جوية، ومواقع دفاع جوي ومصافي نفط البصرة.
وقال نائب رئيس الوزراء العراقي، طارق عزيز، إن 62 فردا في الجيش العراقي قتلوا وجرح 180 آخرون.
وتعرض الرئيس الأمريكي وقتها، بل كلينتون، لانتقادات داخلية وخارجية لاتخاذه إجراء عسكريا في الوقت الذي كان يهاجم فيه بسبب علاقته بالمتدربة في البيت الأبيض، مونيكا لوينسكي.
منع المفتشين
بعد أيام قليلة من عملية ثعلب الصحراء أعلن العراق أنه لن يسمح لمفتشي لجنة أونسكوم بالعودة إليه.. وتعالت المطالبات بإعادة هيكلة هذه اللجنة أو استبدالها، بعد أن تصاعد الجدل حول علاقتها وصلاتها بأجهزة استخبارات الولايات المتحدة ودول أخرى.
في يونيو من عام 1999 استقال رئيس لجنة اونسكوم ريتشارد باتلر بعد انقضاء مدة عقده، وبعد ذلك بستة أشهر تم انشاء اللجنة الوريثة لأونسكوم، وهي لجنة الأمم المتحدة للرصد والتحقق والتفتيش انموفيك، لكن العراق رفض السماح لها بدخول أراضيه.
ومع غياب عمليات التفتيش تزايدت الشكوك حول احتمال أن يكون العراق قد طور برامج تسلح جديدة.
في نوفمبر من عام 2000 وصل الرئيس جورج دبليو بوش إلى السلطة في الولايات المتحدة، وهو ما اعتبر مؤشرا على سياسة جديدة أكثر تشددا مع العراق، حيث تعهد بتنشيط وتفعيل الحصار المفروض على هذا البلد.
واستمر بوش في السياسة التي انتهجها سلفه بيل كلينتون في تمويل الجماعات العراقية المعارضة، خصوصا المؤتمر الوطني العراقي، على أمل تهديد أركان حكم الرئيس العراقي صدام حسين.
في مطلع عام 2002 أصبحت الإدارة الأمريكية تقول علنا بأن أهدافها في العراق تتمثل في تغيير نظام الحكم فيه.
عن BBC Online


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.