في محاضرة ألقيت في مهرجان الجنادرية قبل ست سنوات تحدث الإعلامي الكبير عبد الرحمن الشبيلي عن مفهوم القوة الناعمة للسعودية ولعله أول من طرح هذا المفهوم من منظور وطني ريادي حيث تم تلخيص محاضرته في مقال تم نشره في جريدة الشرق الأوسط حيث تناول المفهوم بمعناه ومكان نشأته ثم طرح الاسباب التي تستدعي لتبني هذا التوجه وسبل تحقيقه وأكد على عدة نقاط لتحقيق ذلك وأولها "تبني القوة الناعمة في أي دولة يتطلب بيت خبرة دائما ليبتكر الأفكار والوسائل التي يمكن اتباعها ومتابعتها على كل صعيد ". وعلى ذات السياق جاء خبر تأسيس مجلس القوة الناعمة على يد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لتدخل الإمارات في سباق مؤشر القوة الناعمة الذي تتنافس على ذروته أمريكا وبريطانيا وألمانيا. ما هو مفهوم القوة الناعمة بالمجمل؟ هو مفهوم سياسي صاغه العالم جوزيف ناي من جامعة هارفرد وألف فيه كتابا عام 1990 وهو وصف القدرة على كسب الدعم والتأييد دون إكراه والضغط من خلال المنظمات المختلفة لتحقيق الأهداف، وأجد وصف الكاتب خالد الحجي جدير بالاستشهاد حيث قال" بأن أيقونة الوطن ليست بالقوة العسكرية والاقتصادية فقط بل القوة الناعمة للوطن أيضا تصنع الفرق!؛ نحن الآن أمام نماذج عالمية وأيضا نشاهد نموذج حديث للشقيقة الإمارات ولكن لنعد قراءة المفهوم من منظور معماري. ان ما تتمتع به بلادنا من مقومات بشرية ومادية تجعل لنا المساحة للتقدم ودخول هذا المؤشر بكل جدارة، ولكن كي يتحقق الرفاه والنماء علينا مراجعة البنية التحتية لضمان أنسنة المدن وتطويعها للبشر، بحيث تصبح المدن صديقة لمن يسكنها وملاذا للجميع دون قلق من التكلفة في التنقلات أو الاختناق بالازدحام. أيضا مراجعة الأنظمة المرورية وقياس رضا المستفيدين، ورفع الوعي الشعبي بأهمية استخدام النقل العام وتبسيط طرق الاستخدام فالسائح العربي أول ما يبهره في لندن الباصات الحمراء اللطيفة! التي لا تصل تكلفة استخدامها طوال اليوم لعشرين ريالا! بل في كل ركن تجد الألعاب والأكواب والقمصان التي تحمل صورة الباص الأحمر وهذه كلها تخلق انطباعا للسائح بأنه مرحب به وبأنه جزء من البلد، وهذا ما يحقق فلسفة جوزيف ناي حيث يقول أفضل الدعايات ليست دعاية! وبالمناسبة ليتنا نتعلم أن نصدر رموز وطننا الحبيب في المطارات والمكتبات من خلال تسويق القمصان والتذكارات التي تحمل شعار مترو الرياض على سبيل المثال من الآن! من الجميل أن ننشر هذه الصور التي ستثبت في أذهان الشعب قبل العالم، وهنا تكمن القوة! فالمحبة وحدها أصدق سلاح ولا حب أسمى وأغلى من الوطن.