بعد 60 عاما من العطاء والإبداع، ترجّل فارس الأغنية صاحب الصوت الرخيم ورائد الطرب العربي الأصيل «أبو أصيل» الفنان الكبير الراحل أبوبكر سالم بلفقيه، عن عمر يناهز 78 عاما، وبعد معاناة طويلة مع المرض خلال الأعوام الماضية، واستطاع الفنان أبوبكر سالم أن يثري الساحة الفنية بكثير من الأغاني العاطفية والوطنية، ولم ينس الجانب التراثي الذي أبدع فيه، واستطاع الإبحار بمشاعر محبيه وعشاقه، ليسمو بهم خلال فنه، ويوجه رسائل إنسانية واجتماعية. ويمتلك الفنان الراحل طبقات صوت متعددة بين القرار والجواب، استطاع أن يوظفها بشكل أمثل لتتناغم مع ما يقدمه من أداء وفن راقيين، يتموج مع طبيعة الأغنية التي يؤديها بين فرح وحزن، لتظهر لنا في قالب إبداعي فريد نالت دائما استحسان من مرت على مسامعهم، وتشنفت لها آذانهم. تنقل أبوبكر سالم طوال حياته بين عدة مدن عربية: عدن والقاهرة وبيروت وجدة والكويت، وقدم الراحل كثيرا من الأغاني الوطنية على رأسها «يا بلادي واصلي»، وهي واحدة من روائعه الغنائية، وبمثابة لوحة غنائية خالدة مكتملة. لم يقتصر الأداء الغنائي لفناننا الراحل على لون غنائي معين، بل أتقن أداء عدة ألوان غنائية، خصوصا اليمني الذي يتفرع إلى عدة ألوان، واستطاع أن يتقن أداءها، ويشبع نهم متابعيه وعشاقه في الوطن العربي، وليس فقط الفن اليمني بل حتى الألوان الأخرى، كالخليجي وغيره، قدمها بشكل أفضل ومغاير عن الآخرين، لأنه يمتلك كل مقومات الحس الفني والطربي الذي يتماشى دوما مع ما يقدمه، فن أبهج الجميع ونال استحسانهم. يتميز الفنان الراحل أبوبكر سالم بثقافه عالية، ووعي كبير ميزته كثيرا عن باقي الفنانين، اكتسبها خلال تجربته المبكرة لأنه عمل معلما للغة العربية في بداياته، ونلاحظ ذلك كثيرا خلال لقاءاته المتلفزة وحواراته الشيقة، ومدى امتلاكه المعلومات التي يوظفها لخدمة فنه، ولطالما انعكس ذلك على تجربته الفنية. لم يقتصر ارتباط الراحل بالفن خلال كونه مؤديا بارعا، وصاحب صوت رخيم وأداء فريد، بل كان أيضا شاعرا عاطفيا مغوارا، نالت قصائده إعجاب كثير من هواة فنه، وملحنا بارعا استطاع أن يمزج تجربته في بوتقة فنية مختلفة لتظهر في أروع صورها وأجملها، ارتبط الفنان أبوبكر سالم بتوأمة فنية فريدة مع الشاعر الغنائي الكبير حسين أبوبكر المحضار، رحمهما الله، وشكلا ثنائيا لن يتكرر، خلال ما قدماه من تعاون كبير أثمر عن مجموعة أغان أثريا بها المكتبة السمعية في الوطن العربي ككل، وما تزال إبداعات وثمرة هذا التعاون إلى الآن محل إعجاب الكل، ولم يمله أو يتململ منه المستمع، بل نجده شغوفا بمواصلة الاستماع، وتكراره مرة تلو الأخرى.