بريطانيا الملكية بصفتها الثقافية المدنية المتخصصة تختلف عن أميركا الفيدرالية بصفتها الثقافية المدنية القائمة على المشاركة والانتخاب. إلا أنهما يتميزان بتراث سياسي مشترك.. يتشابهان في أنظمتهما وأجهزتهما الإدارية. هذا التجانس منسجم مع الواقع العلمي ومعطيات الجامعات أو التعليم العالي لكل منهما. يتناغم هذا التنظير الإنشائي مع منهج الرياضيات بشكل واضح ..غير أن قصب السبق بالأفكار والحلول هو بريطاني بالتفرد .. ويبقى الدور الأميركي ممثلا في التشخيص أو النضج والاكتمال ..في عام (1940) عهدت المملكة المتحدة وتحديدا الإدارة العسكرية إلى فريق من العلماء والباحثين ذوي اختصاصات مختلفة ..مهمة دراسات العمليات المرتبطة بالدفاع الجوي والبري ودراسة المشاكل الإستراتجية والتعرف على أفضل استخدام للإمكانيات المتاحة. فابدعوا فنا رياضيا جديدا..حقق نجاحا واسعا في مختلف مجالات الحياة وأسموه (بحوث العمليات)، وهو علم معاصر يدرس في جامعات العالم بما فيها السعودية، يعرف بأنه: استخدام الأساليب العلمية لحل المشاكل المعقدة في إدارة الأنظمة ..أدى هذا التفوق إلى اندهاش السلطات العسكرية الأميركية وتعميم هذا العلم لديها بتزامن وقتي متأخر قليلا.. وأنشأت فريقا مماثلا يهدف إلى معالجة المشاكل المعقدة والخاصة ..واتخاذ القرارات العلمية لتصميم..ووضع أنظمة المعدات والقوى العاملة وفقا لشروط معينة ..تتطلب تخصيص الموارد المحددة بشكل أمثل. روعة البريطانيين تكمن في أن الرياضيات الذين يبتكرونها ..هي (رياضيات تطبيقية ) شاملة ..وواقع عملي ينبع من قلب الأزمات والكوارث وعلى نحو الحاجة أم الاختراع!.وليست ترفا رياضيا أو الرياضيات من أجل الرياضيات فيما يسمى (بالرياضيات البحتة).وأيضا مع وطأة الحروب الهتلرية ..والإبادة البشرية قامت المخابرات البريطانية بتوظيف نخبة من علماء الرياضيات في استماتة مستحيلة من أجل فك الشيفرة الألمانية .. واعتراض الرسائل والأوامر الألمانية بشكل مفهوم بدلا من الغموض المطبق والخسائر الفادحة.. لمع نجم (الان تورنج)، حيث صنع آلة تحاكي الفعل البشري. وتوفق في رهانه على الذكاء الصناعي ..اخترع هذه الآلة وبمنطقها الخاص استطاع فك رموز آلة انيجما الألمانية. حل الشيفرة قصر مدى الحرب وأنقذ عشرات الملايين .. في الحقيقة هذا الابتكار ماهو إلا شرارة البدء لآلة الحاسوب. والتي تراكمت في التطور ..وتمددت في جميع تطبيقات الحياة ..بدءا بالحواسيب العملاقة ونهاية بالأجهزة الذكية الصغيرة الحجم؛ كالجوالات والتي في أيدي كل منا!.