من وطئت قدماه المنطقة التاريخية بجدة يعلم جيدا ألا منافس لرواشين بنيانها الحجازية، التي تشكل أحد المعالم الأثرية الرئيسة لخارطة المنطقة، فهي بحسب أهالي المنطقة تعد بصمتهم الحيوية الباقية منذ نصف القرن الماضي. رغم عشق الجداويين لهذه الرواشين، إلا أن هناك من نافس جماليتها، بل وأخذ بألباب الكثير من الشباب والشابات والصغار والكبار، حينما تزفك قدماك نحو مهرجان التاريخية في نسخته الثانية، وأنت تتنقل بين مساراته الأربعة، تصيبك الدهشة وأنت تلحظ الجيل وهم يعكفون على أوراق يسطرونها لمختلف مدارس الخط العربي، الغاية منه التواصل مع هذا الإرث الحروفي وجماليته. داخل أحد الأجنحة المشاركة في مهرجان جدة أخذ الخطاط أحمد جداوي مهمة تحديد بوصلة المشاركين من المتدربين والمتدربات في جناح ملتقى شباب منطقة مكةالمكرمة الخامس، ويبرز عددا من المعلومات المعرفية المتعلقة بالخط العربي، والأدوات القديمة والحديثة التي تسطر جمالية هذا الفن وأنواع الورق المفضل في الكتابة. مشرفة الجناح نائبة الأمين العام للملتقى الدكتورة مي بنت عبدالله المصيبيح، أشارت في حديثها إلى "الوطن" إلى أن ورش عمل تعليم أساسيات ومهارات فنون الخط العربي، تدخل ضمن نطاق اكتشاف المواهب وتطويرها، وتنمية القدرات الثقافية لدى الشريحة المشاركة. وذكرت المصيبيح في سياق حديثها أن عدد المشاركين في ورش العمل ما يقرب من 100 متدرب ومتدربة، علاوة على زيارة يومية لجناح الملتقى، تقدر ب150 زائرا وزائرة. ليس كل المشاركين في الورشة لهم علاقة بالخط العربي، فبعضهم دخل المنظومة التعليمية للورشة من باب عشقه لجمالية الخط، دون علمه بماهية ما سيدرسه، فيما كانت إحدى المتدربات تبحث عن جملة أو عبارة تخطها بين يدي مرشدها أحمد جداوي، فاقتبست بيت شعر مطلعه: "تعلم قوام الخط يا ذا التأدُّب ** فما الخط إلا زينة المتأدِّب". مدارس متعددة خاضها الجميع في هذه الورشة ما بين خط الرقعة، الذي وضع قواعده الخطاط ممتاز بك في عهد السلطان عبدالمجيد عام 1863، وخط النسخ وهو أحد الخطوط العربية الستة، ووضع أسسه ابن مقلة في أوائل القرن الرابع الهجري، وقد أسهم فيه بعد ابن مقلة عدد من الخطاطين الأتراك والعرب وصولا إلى الفترة المعاصرة. واستخدم الخطاط أحمد جداوي الخط الديواني أو الخط السلطاني، وهو أحد الخطوط العربية، وقد سمي بالديواني والسلطاني، لأنه كان يستعمل في كتابة المراسلات السلطانية. بيئة تعلم ومهارات الخط العربي كانت هي الأخرى باب نقاش واسع بين المتدربين، عبر التركيز على غياب المراكز التدريبية والتعليمية المتخصصة في تعلم هذا الفن، في ظل إقبال واسع من الجيل الجديد على الانخراط في تعلم مدارس الخط العربي المختلفة.